"جدار العزل الصهیونی الذکی" هل تحوّله المقاومة الفلسطینیة غبیاً؟

یبدو أن الصهاینة وصلوا إلى حالة عجز فی مواجهة المقاومة الفلسطینیة فی غزة، ففی کل مرة یحاول فیها الاسرائیلیون ایجاد طریقة لمواجهة قدرات حماس العسکریة المتزایدة والمتطورة، یجد العدو الاسرائیلی أن حماس وبقیة الفصائل الفلسطینیة طوروا المزید من قدراتهم وخلقوا معادلة ردع جدیدة، والیوم یفاخر العدو الاسرائیلی بأن اوشک على الانتهاء من بناء جدار عازل ذکی تحت الأرض ویمتد فوق سطح الأرض، "کحل نهائی للأنفاق الهجومیة" فی غزة، بمیزانیة تقدر بنحو 3.2 ملیارات شیکل لبناء الجدار جلّها دعم من الولایات المتحدة الأمریکیة.

العدو کان منغاظاً من نجاح المقاومة الفلسطینیة فی تطویر سلاح الأنفاق الهجومیة، التی أثبتت فعالیتها خلال عدوان 2014، ومنذ تلک الحرب والعدو الاسرائیلی یبحث عن طریقة على شل حرکة المقاومین ضمن هذه الانفاق فی حال اندلعت حرب جدیدة، وبعد ابتکار هذا الجدار الذکی کما یقول عنه الاعلام العبری قبل 3 سنوات، ذکرت قناة "أخبار 13" العبریة، أنه تم الانتهاء من تنفیذ 59 کیلومتراً من بین 60 کیلومتراً هی طول الجدار الفاصل بین مستوطنات غلاف غزة وبین القطاع، وأن الحدیث یجری عن کیلومتر واحد یجری الانتهاء منه حالیا، على أن یتم إعلان الانتهاء من تنفیذ المشروع قریباً.

ویمتد الجدار الذکی الذی یستهدف مکافحة الأنفاق وعملیات التسلل المحتملة من داخل غزة بطول 60 کیلومترا من جنوب قطاع غزة قرب معبر کرم أبو سالم، ویمتد وصولاً إلى أقصى شمال القطاع عند ساحل البحر المتوسط قرب مستوطنة "زیکیم"، کما أن جزءاً منه سیمتد تحت سطح الماء.

بناء الجدار هو دلیل عجز على قدرة الاحتلال الاسرائیلی على مواجهة المقاومة الفلسطینیة، ویظهر مدى ضعف الکیان الاسرائیلی فی الحروب السابقة وأنه یتعرض لضغوط کبیرة من قبل الضباط والجنود والمستوطنین، وقد تبتکر فصائل المقاومة طریقاً جدیداً لاختراق هذا الجدار وتجعله جداراً غبیاً عوضا عن تسمیته بالجدار الذکی، وهذا الاحتمال وارد جداً فی ظل التوفق التکنولوجی الذی أظهرته المقاومة فی الحروب السابقة.

یعتقدون أن الجدار سیحدّ من قدرات المقاومة، لکن کتائب الشهید عز الدین القسام، الجناح العسکری لحرکة حماس، أعلنت فی بیان على موقعها الإلکترونی فی أیلول 2017 أن الجدار لن یحدّ من قدرة المقاومة، التی ستجد حلولاً لتجاوزه، وأضافت: "أن الاحتلال یلهث خلف سراب الوهم المتکرر، حتى أعلن أخیراً عن وصوله للحل الجذری للقضاء على الظاهرة التی تؤرقه منذ زمن، جدار بأجهزة إلکترونیة یزرع فی أعماق الأرض وفوقها، للحد من الأنفاق".

مواقف الفصائل الفلسطینیة من الجدار

ترى "حماس" أن إقدام الاحتلال على بناء الجدار هو محاولة لإرضاء الرأی العام الإسرائیلی وإشعاره بالأمان، وأنها قادرة على مواجهة التحدی وابتکار وسائل لاختراقه.

من جهتها، قالت حرکة الجهاد الإسلامی إن هذه الإجراءات التی یتخذها الاحتلال ستواجه بقوة وحزم، معتبرة أن الاحتلال یحاول جرّ المقاومة إلى مواجهة لا تریدها، إلا أنها فی حین فرضت علیها، فلن تقف المقاومة مکتوفة الأیدی أمام الاعتداءات الصهیونیة.

أما الجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین، فأشارت إلى أن المقاومة لن تسمح للاحتلال بفرض سیاسات ووقائع جدیدة على حدود قطاع غزة، واعتبرت بناء الجدار عدواناً على القطاع ستتصدى له المقاومة.

فی حین ترى الجبهة الدیمقراطیة لتحریر فلسطین أن هذا الجدار لا یشکّل أمناً لإسرائیل، وأنها لیست الطرف الوحید فی المعادلة، إذ باتت المقاومة تشکل جزءاً أساسیاً فیها، ولن یسمح لإسرائیل بفرض سیاساتها على حدود القطاع.

ما هی خیارات المقاومة لمواجهة هذا الجدار وإفشال عمله؟

أولاً: العمل على تطویر مقدرات المقاومة التکنولوجیة لإحباط فعالیة هذا الجدار، وکما ذکرنا هذا الاحتمال موجود ومرجّح بشدة، ویمکن تطویر وسائل تقنیة لاختراق هذا الجدار، وحینها ستکون اسرائیل خسرت ملایین الدولارات لأجل وهم یشبه وجودها فی المنطقة، وما نوهت له کتائب القسام یوضح أن المقاومة لدیها القدرة على الاختراق والتغلب على تکنولوجیا العدو الصهیونی.

یحقق هذا السیناریو للمقاومة هدف المحافظة على معادلة الردع التی وفرتها الأنفاق الهجومیة، ویعزز مکانتها الاستراتیجیة فی أی مواجهة قادمة مع الاحتلال، ویحدّ من احتمالات إقدامه على شنّ حرب على غزة، تجنباً لتکلفتها الباهظة.

یعدُّ هذا السیناریو المفضل للمقاومة الفلسطینیة، والأقل تکلفة بالنسبة لها، ولکن قدرتها على اختراق الجدار لا تزال احتمالًا، لم یختبر بعد، وبالتالی یبقى الأمر مفتوحاً على احتمالات أخرى، من بینها الفشل فی تطویر وسائل تکنولوجیة فعّالة لتجاوز الجدار، وحاجتها إلى ابتکار أسلحة بدیلة للأنفاق الهجومیة.

ثانیاً: العمل على آلیات جدیدة من شأنها تعزیز القدرات الهجومیة للمقاومة، ویُبنى هذا السیناریو على فرضیة فشل المقاومة فی تطویر وسائل تکنولوجیة لاختراق الجدار، وفقدانها لقدرة الردع الاستراتیجیة التی حققتها بفضل الأنفاق الهجومیة، وهذا من شأنه أن یعزز استراتیجیة الاحتلال فی التعامل مع قطاع غزة القائمة على تکریس انفصاله، عبر الحصار والتحکم فی المعابر والردع العسکری، ویزید من احتمالات توجیه ضربات عسکریة، جزئیة وشاملة، لفصائل المقاومة.

ستکون تکلفة هذا الخیار باهظة، لأن فصائل المقاومة، فی هذه الحالة، ستکون مضطرة لتطویر بدائل فعالة للأنفاق الهجومیة، بتکلفة مادیة وبشریة عالیة، تضاف إلى الموارد الکبیرة التی وظفتها فی الأنفاق الهجومیة طوال السنوات الماضیة.

ومع ذلک، یبدو أن فصائل المقاومة ماضیة فی هذا الخیار منذ سنوات عدة. فقد أعلنت کتائب القسام فی تموز 2014 بأن مهندسیها تمکنوا من تصنیع طائرات دون طیار تحمل اسم "أبابیل".

فی الختام؛ یبدو أن المقاومة الفلسطینیة واثقة من نفسها فی هذه المرحلة اکثر من ای مرحلة سابقة، ویمکنها أن تطور بدائل هجومیة إلى جانب سعیها لابتکار وسائل تکنولوجیة لاختراق الجدار، لکی تحافظ على المیزة الهجومیة، والردعیة، التی تحققت لها بفضل الأنفاق الهجومیة.