هل هناک محاولات لإسقاط بیروت فی فخ التفاوض السیاسی المباشر مع "إسرائیل"؟
من المقرر أن تنطلق المفاوضات غیر المباشرة بین لبنان وإسرائیل الأربعاء المقبل لتثبیت ترسیم الحدود البریة والبحریة. مفاوضات تحاول کل من تل أبیب وواشنطن تسییسها والإستفادة قدر الإمکان منها لخدمة مصالحهما بید أن لبنان لیس فی وارد الوقوع فی ذلک الشرک.
لماذا الإصرار الإسرائیلی-الأمیرکی على تضمین وفود ترسیم الحدود مع لبنان شخصیات سیاسیة مع التقاط صور جماعیة؟
فی 25 أیار/ مایو عام 2000، حررت المقاومة الجنوب اللبنانی من الاحتلال الإسرائیلی وعمدت الأمم المتحدة إلى ترسیم ما عرف بالخط الأزرق، وهو خط الانسحاب الإسرائیلی، لکن تل أبیب حاولت تکریسه کترسیم حدود مع لبنان ورفضت بیروت ذلک، وتمسکت بحدودها الدولیة.
وظلت نقاط حدودیة خلافیة عدیدة، ولم تستطع الأمم المتحدة حل الخلاف إلى أن ظهرت الاکتشافات الغازیة والنفطیة فی البحر المتوسط قبالة لبنان وفلسطین المحتلة.
عام 2007، رسم لبنان حدوده البحریة مع قبرص، ثم صادقت حکومة الرئیس فؤاد السنیورة آنذاک على الترسیم وأودعت الخرائط لدى الأمم المتحدة.
خلافات عدیدة برزت بسبب عدم التدقیق اللبنانی بنقطتین حدودیتین الأولى فی البر وهی نقطة B1، والثانیة هی النقطة 23.
دخلت واشنطن على الخط، واقترحت ما سمی بـ"خط هوف" لتقسیم المنطقة المتنازع علیها، بید أن لبنان رفض وتمسک بکامل حقوقه إلى أن تم الاتفاق على إطلاق المفاوضات غیر المباشرة.
مع اقتراب موعد المفاوضات غیر المباشرة لتثبیت الحدود بین لبنان وفلسطین المحتلة، تبرز الألغام المنصوبة على الخطوط بین واشنطن وتل أبیب. فإصرارهما على تضمین وفود الترسیم شخصیات سیاسیة، والسعی إلى التقاط صور جماعیة تطرح علامات استفهام کثیرة. هل یراد إسقاط لبنان فی أفخاخ المباحثات السیاسیة المباشرة والتطبیع الإعلامی؟
لا تفاوض مباشر، ولا حدیث مباشر بین الوفدین اللبنانی والإسرائیلی فی المفاوضات المنتظرة الأربعاء المقبل، والتی ستکون برعایة الأمم المتحدة وبمشارکة أمیرکیة لتثبیت ترسیم الحدود بین لبنان وفلسطین المحتلة.
الخلافات بین بیروت وتل أبیب تترکز بشأن نقطة حدودیة قرب رأس الناقورة، وتسمى نقطة B1، التی حاول الإسرائیلیون إزاحتها لمسافة أمتار داخل الأراضی اللبنانیة، ما أثار اعتراض بیروت ورفضها لأی تعدیل على الحدود المرسمة بین لبنان وفلسطین المحتلة منذ العام 1923.
تل أبیب حاولت تسجیل نقاط وهمیة من خلال محاولتها رفع تمثیلها فی المفاوضات إلى المستوى السیاسی، لکن الرفض والإصرار اللبنانیین دفعا "اسرائیل" إلى الرضوخ وتسمیة المستشار سیاسی لوزیر الطاقة رؤوفین عیزر فی الوفد، وهو أیضاً مستشار لرئیس الوزراء بنیامین نتنیاهو.
بحسب أوساط مقربة من الرئاسة اللبنانیة، لبنان لن یشارک إلا بوفد عسکری تقنی فی إشارة إلى استمرار حال الحرب مع "إسرائیل"، وکذلک لن یفاوض أی سیاسی أو دیبلوماسی إسرائیلی، وأن القواعد التی کانت متبعة خلال المفاوضات الثلاثیة ستظل على حالها، ولکن حتى الآن لم یتسلم لبنان أسماء الوفد الإسرائیلی بشکل رسمی من الأمم المتحدة لیبنی على الشیء مقتضاه.
أما الشرط الأمیرکی بالتقاط صورة تذکاریة للاجتماع، فإنه من غیر المتعرف علیه لدى الجانب اللبنانی السماح بالتصویر داخل القاعة، وهذا الأمر لا یزال ساریاً بحسب مصدر عسکری لبنانی.
واشنطن الوسیط فی تلک المفاوضات غیر المباشرة، ستشارک عبر مساعد نائب وزیر خارجیتها دیفید شنکر، وهو کان من توصل إلى الاتفاق الإطار مع رئیس البرلمان اللبنانی نبیه بری، ولکن قد یکون لواشنطن أهداف أخرى من خلال مشارکتها على المستوى السیاسی، وما إذا کان مستوى ذلک التمثیل هو تمهید لتمثیل إسرائیلی مماثل.
بید أن المسلمات اللبنانیة فی التفاوض ستؤکد على أنه لا تخاطب مباشر مع الوفد الإسرائیلی، وإنما سیکون التخطاب عبر ممثلی الأمم المتحدة، وهو ما کان متبعاً خلال کل الاجتماعات الثلاثیة فی بلدة الناقورة الحدودیة.
الباحث فی الشؤون السیاسیة، وسیم بزی، أکد أنه "لولا تماسک الموقف الوطنی ووقوف المقاومة وراء الدولة لما ذهب لبنان إلى التفاوض غیر المباشر بهذه الندیة"، منوهاً إلى أن "لبنان مصر على التلازم فی الترسیم البحری والبری وهو أمر جوهری بالنسبة إلیه".
وأضاف بزی أن "الموقف اللبنانی الرسمی صلب بشأن آلیات التفاوض غیر المباشر رغم الضغوط الاقتصادیة"، مشیراً إلى أن "الجانب اللبنانی مدرک لجمیع الکمائن التی قد تواجهه فی طریق المفاوضات غیر المباشرة".
من جهته، الکاتب الصحافی راسم عبیدات، قال إن "تل أبیب تحاول استدراج لبنان إلى مفاوضات سیاسیة فی ظل التطبیع القائم مع الأنظمة الخلیجیة".
وأکد عبیدات أنه "سنشهد حرباً اعلامیة ونفسیة ضد المقاومة لتصویرها على أن السبب وراء کل الازمات فی لبنان"، موضحاً أن "تل أبیب وواشنطن تحاولان دفع لبنان لتحمیل حزب الله المسؤولیة إن فشلت عملیة ترسیم الحدود".
عبیدات أشار إلى أن "المقاومة ترفض التسلیم بالإملاءات والشروط الأمیرکیة والإسرائیلیة منذ 10 سنوات بشأن تثبیت الحدود"، لافتاً إلى أن "واشنطن تقوم بتحضیر مسرح جدید فی المنطقة بعد اخراجها التطبیع إلى العلن".