أکاذیب بندر بن سلطان!
اهتمت وسائل الاعلام مؤخرا، وخاصة المعادیة للمقاومة، بالانتقادات التی وجهها الرئیس السابق للاستخبارات السعودیة وسفیر المملکة السابق لدى واشنطن، بندر بن سلطان بن عبد العزیز، للقیادة الفلسطینیة بسبب رفضها قرار التطبیع بین الامارات والبحرین مع العدو الإسرائیلی.
وسیقت المغالطات التاریخیة على لسان بندر وکذلک على لسان المعلقین، للخروج بمضمون مفاده، أن دول الخلیج قدمت ما أسمتها بـ"التضحیات" فی سبیل حل القضیة الفلسطینیة وأن "الفلسطینیین هم من أهدروا الفرص"، وبالتالی فإن "التطبیع هو حل جدید وعلى الفلسطینیین أن لا یهدروا الفرص مجددًا"!
لسنا هنا بصدد الرد على بندر بن سلطان، فاللقب الذی حظی به وهو "بندر بوش"، والذی أطلقه علیه جورج بوش، باعتباره صدیقًا حمیمًا للعائلة وشریک أعمال وسیاسة، یکفی لمعرفة الأمیر وتوجهه ومدى علاقته العضویة بالأمیرکیین، حیث خدم کسفیر لآل سعود من عام 1983 وحتى عام 2005 فی واشنطن..
الا أن هناک ضرورة لتفنید بعض مما قاله لسببین رئیسیین:
الاول: انه من الملفت تسلیط الضوء على مقابلة بندر مع قناة "العربیة"، والتی قال بها ان"هناک شیئا أیضا یربط القیادات الفلسطینیة التاریخیة، فهم یراهنون دائما على الطرف الخاسر... وهذا له ثمن"، مشیرا إلى الدعم الذی قدمه ملوک السعودیة المتعاقبون على مدى عقود للقضیة الفلسطینیة، وقال إنه على الشعب الفلسطینی أن یتذکر أن المملکة کانت دائما حاضرة لتقدیم المساعدة والمشورة.
وهو ما یعنی الربط بین وقائع الماضی والحاضر واستهداف التحالفات الفلسطینیة المقاومة للتطبیع وتزییف حقیقة الدور السعودی والربط بین الدعم الذی قدم فی مراحل سابقة وبین التسویغ للتطبیع، وهو ما یتطلب تفنیدا وتصحیحا.
الثانی: انه قام بتدشین موقعه الإلکترونی مؤخراً، وقال فی دیباجته "الیوم بعد أن ترکت العمل الحکومی، وددت أن أشارک برأیی الشخصی من خلال هذا الموقع الإلکترونی حیال العدید من المواضیع السیاسیة والأمنیة والقضایا الدولیة التی تخص منطقتنا ولأوضح للکثیرین الحقیقة ما أمکن تاریخیاً وحالیاً بکامل تفاصیلها وبالذات التی عاصرتها وشارکت فیها سواء بشکل مباشر أو غیر مباشر".
وهو ما یعنی ان هناک منصة دشنت للترویج للمغالطات والزیف وصیاغتها فی قالب تاریخی ووثائقی قد ینطلی على الکثیرین!
خلال حدیثه فی الفیلم الوثائقی "مع بندر"، وجّه بندر بن سلطان خلال المقابلة، رسائل للمواطنین السعودیین والخلیجیین لبیان مواقف المملکة فی دعم القضیة الفلسطینیة، وأشار إلى استشهاد 150 جندیا سعودیا خلال مشارکتهم فی حرب 1948، مؤکدا أن القضیة الفلسطینیة ظلت المحور الرئیسی لأی محادثات بین الریاض وواشنطن.
وشدد على أن دعم القضیة یکون فی السعودیة بالمواقف والأفعال ولیس بالشعارات والمزایدات. وفی رسالة واضحة إلى ترکیا وإیران، قال بندر "ترکیا تحتل لیبیا وترید تحریر القدس بسحب سفیرها من أبوظبی"، وأردف: "إیران ترید تحریر القدس عن طریق الحوثی فی الیمن أو حزب الله فی لبنان"، وفق زعمه.
کما وصف قناة "المنار" اللبنانیة بأنها و"الجزیرة" من بین "التلفزیونات المسمومة، رسالتها کاذبة وأهدافها حقد خصوصا على دول الخلیج وقادتها"، حسب ادعائه.
وهنا تنبغی وقفة تحدد الثوابت التالیة:
1- لیس معنى تقدیم التضحیات فی مراحل سابقة أن یستریح المناضل ویلجأ للتفریط والخیانة، ولو اثقل کاهله ولم یعد قادرا على التضحیة، فلیسلم الرایة لغیره، وعلى الاقل لا یبرر للخیانة ویدعمها، ولا یحاصر او یشوه المقاومین الذی رفعوا رایة المقاومة دول کلل او ملل من التضحیات.
2- الجمع بین ترکیا وایران، وبین "المنار" و"الجزیرة"، هو خلط للاوراق، یدل على تصفیة خصومات لا تناقض مبادئ، ویدل على کلام دعائی لا حقائق تاریخیة، فترکیا تعترف بالکیان الاسرائیلی وموقفها یختلف جذریا عن ایران، والمنار هی لسان للمقاومة وتلتزم بکامل ثوابتها، ولا علاقة لها شکلا او مضمونا بالجزیرة، والجامع فقط بین الفرقاء، هو العداء الذی تکنه السعودیة للثورة الاسلامیة والمقاومة، وخصومتها المستحدثة مع ترکیا وقطر، حلیفی الامس!
3- موضوع الدعم السعودی للقضیة هو محل مناقشة، فلا یستطیع منصف أن ینکر بعض الحقائق مثل الشهداء فی حرب 1948، ولا أحد أیضًا ینکر ما تم تقدیمه من دعم مادی للجبهات وللداخل الفلسطینی.
لکن بالمقابل، فإن هناک تقییمًا کلیًا لمسار الصراع، وکذلک حقائق سیاسیة یجب توضیحها لفک شفرات وألغاز الدعم تزامنا مع محاربة المقاومة، بدءا من انظمة التحرر واضعافها وصولا الى محاربة المقاومة وتشویهها حالیا، وکذلک لفک الغاز الجمع بین الدعم المعلن للقضیة والتجارة بها، وبین العلاقة العضویة مع امریکا، والتی تمثل الراعی الرسمی للعدو الاسرائیلی، وکذلک تقدیم المبادرات السیاسیة المفرطة فی الحقوق والثوابت والضغط لتحویلها الى مبادرات رسمیة عربیة ومحاولة فرضها على الفلسطینیین!
لیست مصر بریئة من التخلی عن الصراع بتوقیع معاهدة السلام والاعتراف بالعدو، ولا القیادات الفلسطینیة التاریخیة بریئة من الاعتراف واللجوء لتسویات مثل اوسلو ومدرید.
4- النضال السعودی قائم على عمودین هو الدعم السیاسی والمالی للجیوش التی حاربت، وحظر النفط فی عام 1973، وهو ما یجب مناقشته بشکل مختصر:
أولًا: لا یُمکن فصل موقف المملکة المعلن من القضیة عن الظروف السیاسیة المحیطة، وتنامی أنظمة التحرر الوطنی ووصول مشاعر الغضب من الصهاینة الى التیارات داخل شبه الجزیرة، وهو ما یستحیل مواجهته، وبالتالی لم یکن أمام السعودیة الا مجاراته ولکن بطریقتها، فقد عنونت دعمها بأنه دعم إسلامیّ خدمة للاستنفار الدینی المدعوم أمریکیّاً لمناهضة الشیوعیّة والتیارات التقدمیة الیساریة، وهنا ینبغی التذکیر بالعنوان الشهیر لمجلة "عکاظ" السعودیّة فی الخامس من أیّار 1962: "جمال عبد الناصر کافرٌ بالإجماع".
ونذکر بما نَشره القائد طه الهاشمی فی مذکراته فی جریدة (الحارس) البغدادیة، وکان رئیساً للجنة العسکریة المنبثقة سنة (1947 ـ 1948) عن جامعة الدول العربیة للإشراف على حرب فلسطین. قال الهاشمی: "إنّ الحکومة السعودیة أبرقت للجنة العسکریة عن أسلحة معدّة لنجدة فلسطین موجودة فی ''سکاکة'' بالصحراء السعودیة، فأرسلت الحکومة السوریة طیّارات عسکریة فأحضرت تلک الأسلحة لدمشق، وسلّمتها إلى المصنع الحربی التابع للجیش السوری لفرزها وتبویبها، فإذا هی أسلحة عتیقة متعددة الأنواع، والأشکال، فیها الموزر والشنیدر، والمارتینی...، وفیها بنادق فرنسیة، وإنجلیزیة، وعثمانیة، ومصریة ویونانیة، ونمساویة وکلها بدون مخازن وکلها صدئة ''خردة'' لا تصلح لقتال".
وما کتبه الملک حسین فی کتابه "حربنا مع إسرائیل" عن الملک فیصل فی حرب 67: "إن الإمدادات السعودیة دخلت الأردن بعد الحرب وحین انتهى کل شیء".
ثانیًا: فیما یخص حظر النفط، فهی دعاوى ترددت فی حرب 1967 وتلکأت المملکة بها بدعوى انها عقاب للدول النفطیة لا للغرب، ثم تم تطبیق الحظر فی عام 1973 بعد استحالة التلکؤ نظرا لحالة الغلیان الشعبی وعقب اطمئنان استخباراتی بأن السادات عازم على التفاوض، وبعد دراسة جدوى لفوائد الخطوة سیاسیا، والأهم ما حققته من طفرة نفطیة صعدت بالسعودیة فعلیا لقیادة العرب.
وتقول التقاریر الغربیة، إن الأزمة غیرت بشکل لا رجعة فیه الوضع السیاسی للمملکة العربیة السعودیة، حیث ارتفعت عائدات النفط فی المملکة من 4 ملیارات دولار إلى أکثر من 19 ملیار دولار!