مسرحیة المصالحة والانتخابات .. استخفاف بالوعی وتشدید قبضة المتحکمین؟!
المؤکد ولا جدال فی ذلک أن حرکتی حماس وفتح تستخفان بوعی الشارع الفلسطینی.. فلا یعقل أن یستمر الانقسام فی الساحة الفلسطینیة لأکثر من ثلاثة عشر عاما، دون أن تنجز وتتحقق المصالحة،فی وقت تتعرض فیه القضیة الفلسطینیة لخطر التصفیة، وتتسارع عملیة نهب الاراضی واستیطانها.
الوقائع ووالممارسات والمواقف تؤکد على أن الحرکتین معنیتان ببقاء الانقسام ومستفیدتان من هذا الوضع الذی تتعمق وتتجذر فیه هذه الحالة من التردی والانهیار، ویبدو أن حلم کل حرکة منهما أن تتمسک بدفة السیطرة والحکم، احداها فی رام الله والثانیة فی غزة، وهکذا تبقیان فی منأى عن السقوط والاقصاء.
القضیة الفلسطینیة فی دائرة التصفیة، والحرکتان تتبادلان الاتهام، أسلول اعتادتا علیه ما دام ببعدهما عن المصالحة الفلسطینیة، ومن فترة الى اخرى ترتفع أصوات الحرص الکاذب، بالاتفاق على اجراء لقاءات وحوارات، لیس على تراب الوطن، وانما فی هذه العاصمة وتلک، ویرتفع مقیاس الامل فی الشارع ثم سرعان ما یتبدد، لتعود من جدید اسطوانة الاتهام تشغیلا تغذیها الاتهامات.
ومن الادلة على عدم رغبتهما فی تحقیق المصالحة، هو لجوء الحرکتین فی حواراتهما ولقاءاتهما الى عواصم، هی الاخرى لیس فی صالح سیاساتها وارتباطاتها أن ینتهی الانقسام، فهذه العواصم تنفذ أدوارا ومخططات أمریکیة، وما یجری هو مجرد ادارة هذا الانقسام لا أکثر فی وقت تتآکل فیه الثوابت ویتواصل الانهیار والانحدار وتشتد قبضة المتنفذین فی الحرکتین، انها ملهاة مؤلمة ومحزنة، شعراات کثیرة رنانة ترتفع کذبا وهراء، من توافق ووحدة واجراء انتخابات ورفع مظالم وتبییض معتقلات، وتمضی ایاما یرتفع فیها سقف الامنیات والتمنیات، ثم تخبو "اللعبة" والحرکتان لا تتمتعان بالصدقیة، وتخشیان الصراحة والجرأة ، وکل منهما ترى فی مناطق نفوذها مزرعة احنکار تعج بالتقصیر والاهمال والمظالم وسوء الاداء، ونهب المال، وتعمیق التجاوزات وهی نقاط ضعف تصب فی صالح القوى المعادیة.. والرد على ما یجری من تآمر على هذا الشعب لا یتعدى تصریحات اعتدنا على سماعها تبدأ بـ "یجب وعلى" وباتت تصدع الرؤوس وتبعث على التقیؤ، فالأرض امتلأت اعمالا استیطانیة، وأبواب التطبیع العربی مع اسرائیل مکتظة والقیادات "لا شغلة أو عملة لها" الا الاسترخاء على شاشات التلفزة، تخرج من استدیوهاتها منفوخة متباهیة، تسأل المقربین منها.. "هل أبدعت" فتسمع عبارات المدح الکاذب والتزلف الرخیص.
حرکتان، تتمتعان بهذه "البهلوانیة" لن تحقق مصالحة، فالمصالحة، لن تتحقق الا اذا انتفضت جماهیر هذا الشعب لتعاقب وتحاسب، وبالتالی انها مسؤولیة الشعب، الذی تستخف بعقله ووعیه هاتان الحرکتان.
ملف المصالحة، تنقل بین الدوحة والقاهرة واسطنبول والریاض وهی عواصم تعمل ضد المصالحة، والحرکتان تدرکان ذلک، وارتمت کلتاهما فی الحضن نفسه، حضن سیء متآمر، وهذه العواصم هی الممسکة بالحرکتین، وتتلاقى على ضرورة تعمیق الانقسام لا انهائه، تتصرف وفق اجندات امریکیة اسرائیلیة مرسومة، فالصفات الجاری تنفیذها على الارض تستغل هذا الانقسام ولا ترید انهاءه، وبالتالی، هذا التنقل بملف المصالحة ذر للرماد فی العیون.
مؤخرا، التقت الحرکتان فی الدوحة واسطنبول، وتتوسلان القاهرة لعقد الحوارات الثنائیة فی مصر، وتوقف تحرکهما عند هذه المحطة، توقف کشف زیف الحرص، وکذب الاداعات حتى وان افترضنا جدلا "الرغبة الفجائیة" لهما بانهاء الانقسام، فان الحوارات توقفت الان عند محطة تبادل الاتهامات، والعرقلة "ووضع الارجل" داخل کل حرکة، فی مرکزیة فتح خلافات، هذا یتهم ذلک وآخر یضع رجلا فی طریق آخر لافشاله، وهذا اسلوب متبع فی الحرکة منذ قدیم الزمان، حیث تتغلب المنافع الذاتیة والمصالح الشخصیة على المصلحة العامة. وفی حرکة حماس الأسلوب نفسه هو المتبع.. قسم من القیادات معنی والاخر یعرقل، مع أن القسمین فی النهایة لیسا مع المصالحة، ولکن انها "الغیرة المواقعیة" بفعل "لعبة وضع الأرجل" والعراقیل.
ما نراه الیوم من الاعیب، وبهلوانیات وتدفق لسیل التصریحات لا یبشر بالخیر.. فلا مصلحة ولا انتخابات.. فالید الممسکة بالحرکتین لا ترید مصالحة فی الساحة الفلسطینیة، بل اضعافا للقیادات وتسییرا لها، الى أن تلقى بها، على طاولة التفاوض والتوقیع على حلول عرجاء، باتت جاهزة، بل العدید من بنودها تم تطبیقه.. ما قامت به الحرکتان فی الفترة الاخیرة مجرد اشغال والهاء، وتخدیر لشارع کفر بهما، والحرکتان لو انهما معنیتان بالمصالحة وانهاء الانقسام لما تنقلتا بهذا الملف بین العواصم، فالساحة نفسها أفضل مکان لانجازها، حوارات ولقاءات الحرکتین لا تتعدى کونها "هبات" سرعان ما تخمد وتتلاشى..
کان الله فی عون هذا الشعب!!!