فایروس کرونا یذل الهیمنة الأمیرکیة!
فی ظل الأزمة الحالیة المنتشرة والمستمرة بالصعود جراء وباء فیروس کورونا، فإن شعوب العالم ودوله کانت تتوقع ممن یدعون قیادة النظام العالمی أن یمارسوا أسلوبهم القیادی فی إدارة الأزمة فیبادروا الى تنفیذ خطط الوقایة منها ویضعوا خطط المواجهة وینفذوها ویتجهزوا قبل ذلک لتلک المواجهة وذلک بتأمین مواردها المعنویة والبشریة والمادیة والمالیة لکی یتفرغوا لاحقاً لإدارة مرحلة الترمیم وإعادة البناء.
علی حکمت شعیب
ما شهده الناس على امتداد العالم هو فشل وتخبط وانفعال بدا واضحاً على استجابة تلک الدول وقادتها للأزمة وتداعیاتها وهی لم تزل فی بدایاتها ولم تصل الى ذروتها، لا سیما أمریکا ودول الغرب التی تدور فی فلکها، وهذا أیضاً ما عانت منه الصین، إلا أنها تمکنت لاحقاً من استعادة زمام المبادرة وأدارت الأزمة بشکل جید.
لقد رأى العالم بأسره مواطن الفشل الأمریکی والغربی الذریع فی إدارة الأزمة والذی تمحور حول الأمور التالیة:
١- عدم الاستعداد المعنوی والمادی للأزمة ونشر سبل الوقایة منها وبث الوعی المجتمعی حولها وتأمین الموارد المادیة للوقایة منها لا بل حاولت إدارة ترامب التقلیل من شأن هذه الأزمة والتبجح أن الفایروس الصینی لن یصیبها مما أفقد الأمریکیین فرصة تنفیذ أهم مرحلة فی إدارة الأزمة وهی مرحلة الوقایة وکذلک فعلت بریطانیا التی مارست التعمیة على شعبها.
٢- التأخر فی التخطیط للمواجهة وعدم الجهوزیة اللوجستیة لها والتی تدل علیها الیوم صرخات حکام کل من نیویورک وتکساس و… الذین یطالبون بمعدات طبیة وأجهزة تنفس وکمامات ویحثون المصانع الأمریکیة على زیادة الإنتاج، قائلین من یزودنا بذلک نصرف له شیکاً لیقبضه فوراً، کما نقلت وکالة رویترز الیوم على لسان کیومو حاکم نیویورک الذی یدعو الى سد النقص فی المعدات الطبیة، وعلى لسان أبوت حاکم تکساس الذی یناشد تأمین الثیاب الواقیة للعاملین فی القطاع الصحی، فالعلو والتکبر على الدول الأخرى یمنع من الاعتراف بنقاط الضعف وحتماً سیکون لذلک آثار سلبیة أکیدة على فعالیة وکفاءة المواجهة الأمریکیة للأزمة.
٣- التلاوم وسرعة الغضب الذی یبدو على سلوک الرئیس الأمریکی فی تصریحاته أمام الصحفیین، حیث نعت بالأمس أحدهم بالصحفی السیء عندما سأله ماذا تقول للأمریکیین لکی تطمئنهم.
٤- عدم الاهتمام بما تعانی الدول الحلیفة لأمریکا من أزمات صحیة جراء الوباء والتصرف معها بحماقة وصلف وتمییز وتعصب عنصری، إذ منع سفر مواطنی دول أوروبا الى أمریکا مستثنیاً بریطانیا التی کانت أزمتها أشد خطورة من مثیلاتها من الدول الأوروبیة، مع أنه کان الأجدر بأمریکا التی تقود الناتو أن تشکل لجنة لإدارة الأزمة منها ومن حلفائها فی أوروبا والعالم، لکنها فقدت تلک المبادرة التی تلقفتها الصین فبادرت الى مساعدة إیطالیا وصربیا.
٥- منع المساعدات الصحیة عن إیران مما سیؤثر على قدرة الإیرانیین على إدارة الأزمة وستزهق بذلک أرواح کثیرة کان من الممکن تفادی موتها بینما منطق الحکمة یقول إن عالمیة وشمولیة الأزمة تستلزم عالمیة وشمولیة إدارتها، لکن منطق التعالی والتجبر یجعل غشاوة على بصر الطاغیة ویختم على قلبه نازعاً منه البصیرة والحکمة فی التصرف ویملؤه حماقة وفظاظة وغلظة فأمریکا لم ترفع عقوباتها الاقتصادیة عن دول تطلب تخفیفها لا إلغاءها لتلقّی المدد اللوجستی الطبی.
٦- بدت أمریکا والدول الغربیة تستجیب للأزمة بشکل إفرادی غیر تعاونی وظهرت الى السطح هشاشة الاتحاد الأوروبی وحلف الناتو وبدأت الاتهامات تظهر فی الاعلام، وتجلى کذبهم على بعضهم بعدم قدرتهم على تأمین المساعدات الطبیة، لمن یحتاجها منهم، بعدما عجزوا عن توفیرها لأنفسهم.
٧- لقد أسفرت الأزمة عن تیقّن الشعوب بوجود فجوة عمیقة فی النظام العالمی الحالی لناحیة قیمه الحاکمة وسلوکه القیادی، حیث انتشر فیه سباق التسلح لتدمیر الناس ولیس سباق العلم والمعرفة لمواجهة الأزمات التی قد تهلکهم، وبات النهج الامریکی المتبع هو إدارته بالأزمات أی اختلاق الأزمات والعداوات لتثبیت الهیمنة ونهب الموارد، ولربما تتأکد الظنون القویة فی المستقبل القریب التی اتهمت الصین على أساسها أمریکا بتولید أزمة الکورونا.
بناء على ما تقدم وبما أن إحدى أهم تجلیات القیادة فی وعی الشعوب هو رشد إدارتها وسلوکها القیادی فی الأزمات فإن التعثر المذکور فی إدارة الأزمة الحالیة والنهج المتبع فی قیادته سیرخی بأثقاله الکبیرة على أمریکا وحلفائها ویسوّد صورهم فی وجدان شعوب العالم طاعناً بعمق فی قوتهم الناعمة التی تشکل عماداً أساسیاً لمکانتهم القیادیة وسیسرع هذا الأمر من عملیة إعادة تموضع القوى الکبرى على رأس النظام العالمی ومؤسساته فاتحاً الباب على تغیرات جیوسیاسیة کبرى سنشهدها تباعاً لتغییر وجه العالم إلى ما هو أفضل.
أستاذ جامعی فی جامعة بیروت