المعلم رجل الأوقات العصیبة والدبلوماسیة الهادئة
لم یکن یوم أمس یوماً عادیاً على السوریین، فی الحقیقة کان یوماً حزیناً مثل أیام الحرب اللعینة، فقد استیقظ السوریین على خبر وفاة وزیر الخارجیة ولید المعلم عن عمر یناهز الـ "79" عاماً، بعد أن عانى فی السنوات الأخیرة من مشاکل صحیة، ولا سیما فی القلب، الأمر الذی اضطره فی العام 2014 أن یتجه نحو لبنان لإجراء عملیة قلب هناک، ومع ذلک تابع المعلم مهامه على أکمل وجه حتى آخر لحظة قبل رحیله، فرغم المشاکل الصحیة التی تفاقمت فی آخر أیامه، أصر المعلم على حضور أعمال مؤتمر اللاجئین الذی انعقد فی دمشق الأسبوع الماضی، حیث کان المؤتمر آخر اطلالات المعلم الاعلامیة التی أخبر من خلالها السوریین أن بلادهم مفتوحة لهم ودعاهم للعودة.
مثل المعلم سوریا فی المحافل الدولیة وقاد الدبلوماسیة فی سوریا منذ العام 2006، عندما تسلم منصب وزیر الخارجیة، وکان المعلم انتسب إلى وزارة الخارجیة السوریة فی عام 1964، وعمل فی عدة سفارات لبلاده فی الخارج فی مختلف القارات. وترأس المعلم بعثة بلاده الدبلوماسیة فی واشنطن بین عامی 1990 – 1999، فیما عین مساعدا لوزیر الخارجیة فی عام 2000، وفی عام 2005 نائبا لوزیر الخارجیة، وفی العام التالی وزیرا للخارجیة.
موقفه من الغرب
خلال الأزمة کان المعلم رجل المواقف والتصریحات الناریة التی لم تقل تأثیراً عن تأثیر رجال الجیش العربی السوری فی ارض المیدان، وقف المعلم سداً منیعاً فی وجه حملات الولایات المتحدة وحلفائها ضد بلاده، واستنکر التدخّل السافر لعدد من الدول الإقلیمیة والدولیة فی الشؤون السوریة. ولا یمکن لأحد أن ینسى موقفه الشهیر فی مقر الأمم المتحدة فی تشرین الأول 2012، حین وقف أمام ممثلی العالم متّهماً واشنطن بدعم الإرهاب.
قبل ذلک بعام کانت العقوبات الأمریکیة قد طالته ومع ذلک لم یعر أهمیة لها، ورغم کل الاغراءات التی قدمت له للخروج من بلاده فی ظرفها العصیب، إلا أنه رفض ذلک، وبقی على رأس عمله، وهاجم المؤامرة الغربیة والأمریکیة على بلاده، وعبّر خلال سنوات الأزمة عن سیاسة دمشق، حیث شدد على سبیل المثال فی أغسطس عام 2014 على أن أی عمل عسکری یستهدف الجماعات الإرهابیة فی سوریا یجب أن یجری بالتنسیق مع دمشق.
وفی مطلع العام ذاته، خاطب وزیر الخارجیة الأمریکی حینها جون کیری قائلا: لا أحد فی العالم له الحق بإضفاء الشرعیة أوعزلها أو منحها فی سوریة إلا السوریون أنفسهم.
وعلق ولید المعلم صیف العام الجاری على قانون قیصر الأمریکی ضد بلاده، مشیرا إلى أن "الهدف الحقیقی مما یسمى قانون قیصر هو فتح الباب لعودة الإرهاب، مثلما کان فی العام 2011.. فی سوریا معتادون على التعامل مع العقوبات الأحادیة التی فرضت علینا منذ 1978 تحت مسمیات عدة وصولا إلى ما یسمى قانون قیصر".
موقفه من العرب
بالنسبة لموقف سوریا من العرب ودورهم فی الدفاع عن سوریا، کان واضحاً، ففی هذا الشأن قال المعلم: "ننظر إلى المستقبل فی العلاقات العربیة ولا ننظر إلى الماضی، لکن هل هم سادة قراراتهم؟ ونحن فی سوریا سادة قراراتنا، وأبواب دمشق مفتوحة للجمیع"، ولکن هذا لا یعنی أن المعلم لم یکن متألماً من اخراج سوریا من الجامعة العربیة کما هو حال السوریین، ومع ذلک حافظ المعلم على ابتسامته الهادئة وفطنته وسرعة بدیهته وأخبر العالم أجمع أن دمشق منفتحة على الجمیع، ولکنه فی الوقت نفسه لم یسمح لأحد أن یتطاول على السیادة السوریة أو یقلل من مکانتها ودورها.
موقفه من الرئیس بشار الأسد
حاولت الجامعة العربیة أن تعطی خیار لدمشق بأن تنقلب على الرئیس الأسد وتضع مکانه نائبه فاروق الشرع، ولکن المعلم أوصل رسالة للجمیع بأن الرئیس بشار الأسد خط أحمر، وأن الشعب السوری هو من یقرر من یکون الرئیس ولا یحق لأی دولة أن تفرض املاءاتها وشروطها على السوریین، وکرر المعلم مرارا أن الرئیس الأسد "باقٍ فی منصبه طالما الشعب یریده".
قدمت العدید من الدول التعازی لسوریا برحیل رجل دبلوماسی مخضرم بحجم ولید المعلم، وحضر التشییع شخصیات دبلوماسیة سوریة وأجنبیة، وممثلون عن القنصلیات والسفارات، أبرزها الروسیة والإیرانیة والفنزویلیة والصینیة والهندیة. کما حضر عدد کبیر من المسؤولین السوریین، وکامل طاقم الخارجیة السوریة، وقدّموا التعازی لنجل المعلّم طارق، وإخوته.
ومن خارج سوریا قدمت الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة التعازی لحلیفتها سوریا، حیث قدّم وزیر الخارجیة الإیرانی، محمّد جواد ظریف، تعازیه بوفاة المعلّم، الذی "قام بدور مهم فی الدفاع عن مصالح بلاده الوطنیة وأمنها". من جهتها، أعربت وزارة الخارجیة فی سلطنة عمان، البلد الخلیجی الوحید الذی أبقى على علاقات دبلوماسیة مع سوریا وزاره المعلّم خلال سنوات النزاع، عن "تعازیها ومواساتها بوفاته". کما قَدّم الرئیس اللبنانی، میشال عون، تعازیه فی برقیة إلى نظیره السوری، بشار الأسد، ونعت موسکو المعلّم "صدیقاً مخلصاً وشریکاً موثوقاً". وقال نائب وزیر الخارجیة الروسیة، میخایل بوغدانوف، إن المعلّم کان "دبلوماسیاً محنّکاً یعرفه منذ 35 عاماً"، مشیراً إلى أنه "کان یعلم مدى أهمیة العلاقات الروسیة السوریة". وأضاف بوغدانوف: "کان شدید الذکاء، ویتّسم بحسّ الفکاهة، ولدیه معرفة عمیقة فی السیاسة الدولیة والوقائع فی الشرق الأوسط".
وفی حدیث لـ المیادین یوم الإثنین، أشارت شعبان إلى أن "المعلم کان یؤکّد أنّ المطبعین لن یؤثروا فی محور المقاومة"، مشددة على أن "رحیل المعلم لیست خسارة سوریة فقط بل عربیة أیضاً". وتابعت: "الوزیر المعلم کان لدیه إیمان راسخ بالنصر مهما تکاثر الأعداء".