هل ینجح ترامب بتصنیف "أنصار الله" منظمة إرهابیة؟

فی الحقیقة، ما ذَکَرته مؤخرًا مجلة فورین بولیسی من أن الإدارة الأمیرکیة تستعد لتصنیف حرکة أنصار الله الیمنیة على أنها منظمة إرهابیة، وذلک قبل رحیل الرئیس دونالد ترامب الذی تنتهی ولایته فی شهر کانون الثانیینایر القادم، یحمل الکثیر من المعطیات السیاسیة والاستراتیجیة، والتی تتجاوز ملف الحرب على الیمن.

فصحیح أن عزم الادارة الأمیرکیة وضع "أنصار الله" على لائحة الارهاب، یدخل من ضمن ما تقوم به ادارة ترامب، فی سیاستها المعتمدة منذ أربع سنوات وحتى الآن، تجاه أغلب الأطراف الذین یعرقلون استراتیجیتها ویواجهون مخططاتها، و"أنصار الله" برهنت أنها، وکحرکة مقاومة  یمنیة، من أکثر الأطراف فعالیة بمواجهة استراتیجیة واشنطن فی المنطقة والخلیج، وتحدیدًا بمواجهة استراتیجیتها على سواحل البحر الأحمر وخلیج عمان وبحر العرب، أو فی المنطقة الأکثر حساسیة من العالم حالیًا.

فی الواقع، کیف یمکن لواشنطن أن تصنف حرکة "انصار الله"، منظمة ارهابیة، والأخیرة هی التی کانت الأکثر فعالیة فی محاربة الارهاب فی الیمن، وعملیات التحریر التی قادتها حرکة "أنصار الله" فی محافظات البیضاء والضالع ومأرب، کانت خیر دلیل على دحر وهزیمة أکبر تجمعات ارهابیة  لـ"داعش" أو لـ"القاعدة" فی الیمن، والتی کانت تدعمها واشنطن وتستغلها دول العدوان للقتال ضد حرکات المقاومة الیمنیة الوطنیة ومن ضمنها حرکة "أنصار الله".

إذًا، ومن ضمن سیاستها الخبیثة، من الطبیعی أن تعمد واشنطن الى اتخاذ هذا القرار ضد حرکة "أنصار الله". ویمکن القول إنها قد تأخرت فی ذلک حتى الآن، إذ ربما قد یکون السبب فی تأخرها، انها کانت تنتظر یومًا بعد یوم هزیمة الحرکة المذکورة، حیث اعتبرت أنه مع هذا الضغط العسکری الواسع على الیمن وأنصار الله بالتحدید، والمدعوم من قوى وجیوش اقلیمیة وغربیة، ومع هذه القدرات العسکریة المتطورة، لا بدّ فی النهایة أن تخسر أو تستسلم القوى الوطنیة الیمینة ومنها "أنصار الله".

ولکن، ومع تأخر هذه الهزیمة، ومع انقلاب هذا الضغط  تماسکًا وقوة وثباتًا أکثر لحرکة "انصار الله"، فی المیدان  لناحیة تحریر أغلب مناطق الیمن وسطًا وشرقًا وشمالًا، أو فی امتلاک القدرات البالیستیة والنوعیة من صورایخ وطائرات مسیرة، وفرضها عبرها معادلة استراتیجیة  تجاوزت حدود الیمن، لتصل الى عواصم دول العدوان ومنشآتهم الحیویة فی الخلیج، برًا وبحرًا، کان لا بد من هذا القرار.

عملیًا، ما یؤخر هذا القرار کما یبدو، وجود معارضة مزدوجة له، الأولى من الأمم المتحدة من خلال ما یقوم به الموفد الأممی الخاص إلى الیمن مارتن غریفیث  لمنع هذه الخطوة، بعد أن طلب من الأمین العام للأمم المتحدة انطونیو غوتیرس المساعدة فی هذا الموضوع، وقد دعا الأخیر السفیرة الأمیرکیة لدى الأمم المتحدة کیلی کرافت الشهر الماضی لإعادة النظر فی هذه القرار المرتقب، وذلک مخافة  من تعطیل جهود الإغاثة الدولیة وتقویض وساطة الأمم المتحدة لوقف العدوان على الیمن.

المعارضة الثانیة للقرار، تتمثل بموقف الدیمقراطیین فی الکونغرس، حیث اعتبر السیناتور الدیمقراطی کریس مورفی أن هذه الخطوة هی محاولة واضحة من قبل إدارة ترامب لتقویض مفاوضات السلام المستقبلیة، معتبرًا (مورفی): "ان التصنیف لن یحقق شیئًا فعلیًا سوى تعقید عملیة التفاوض مع "الحوثیین" وتعقید إرسال المعونات إلى المناطق التی "یسیطر" علیها الحوثیون"، مضیفًا إن هذا القرار یجب أن یطبق على "التحالف الذی تقوده السعودیة" إذا کان المراد تصنیف جهات بسبب قیامها باستهداف المدنیین بشکل متعمد.

اللافت فی الموضوع أن الأمم المتحدة انتبهت مؤخرًا وبعد ست سنوات من الحرب على الیمن، أنه یجب وقفها والبحث عن حلول سیاسیة وتأمین جو ملائم لجهود الاغاثة الدولیة، أو أن الدیمقراطیین انتبهوا، وأیضًا بعد ست سنوات من هذا العدوان "أن هذا القرار یجب أن یطبق على التحالف الذی تقوده السعودیة إذا کان المُراد تصنیف جهات بسبب قیامها باستهداف المدنیین بشکل متعمد".
 
فی الحقیقة، أسباب هذه المعارضة من الأمم المتحدة أو من الدیمقراطیین، هی مختلفة بالکامل عما أشارت الیه الأمم المتحدة أو عما برره النائب الدیمقراطی مورفی، حیث لکل جهة أسبابها غیر المعلنة وهی:

لناحیة الأمم المتحدة

لم تُظهر هذه المؤسسة الأممیة، ولا فی أی ملف حساس أو مشتعل فی العالم، یتعلق بعدوان أو بحرب أو ما شابه، أی معارضة لسیاسة الادارة الامیرکیة، وعملیًا، کانت دائمًا الأمم المتحدة تتحاشى التصویب على سیاسة تلک الادارة، وبمعنى آخر، کانت هذه المنظمة الأممیة تمثل الجهة الدولیة الحامیة أو المسهلة لسیاسة الادارة الأمیرکیة عبر العالم، والعدوان على الیمن هو خیر دلیل على تقاعس هذه المنظمة عن القیام بواجباتها، رغم ما حملته هذه الحرب من المآسی والدمار والقتل ومن مخالفة القوانین الدولیة وقانون الحرب والقانون الدولی الانسانی، ولم تکن تحرک ساکنًا فی أی خطوة عملیة، مع بعض التحرک الخجول والذی کان فقط  لذر الرماد فی العیون.

فان تقوم الآن الأمم المتحدة بمحاولة ثنی ومعارضة ادارة ترامب فی قراره المرتقب، حول وضع "انصار الله" الیمینة على لائحة الارهاب، هی محاولة غیر بعیدة عن ایفاد رسالة تودد والتزام للادراة الجدیدة الدیمقراطیة الممثلة بالرئیس المنتخب جو بایدن، ومن الطبیعی أن تعبر عن استعدادها للسیر فی رکاب هذه الادارة الجدیدة.

لناحیة الدیمقراطیین

فقط ینظر الدیمقراطیون، ومن خلال هذا الموقف الرافض  لقرار الرئیس ترامب المرتقب، لمصلحتهم الخاصة، وذلک فی محاولة لابعاد أی ملف مشتعل أو متوتر أو معقد عن ادارتهم المرتقبة للسیاسة الأمیرکیة، حیث یُعتبر العدوان على الیمن ملفًا فاشلًا لادارتهم السابقة، حیث وضعت الأخیرة تحالف العدوان فی مستنقع من الصعوبة الخروج منه، وذلک عبر جرّ هذا التحالف أولًا الى الحرب، ولاحقًا عبر منعه من السیر بأی تسویة سیاسیة، لهدف بیع الأسلحة وابقاء التوتر فی المنطقة، مع ظنهم - والذی هو فی غیر محله - أن هذه الحرب ستشکل ورقة ضغط على ایران.

اذًا، یحاول الدیمقراطیون الغاء ملف متفجر من وجه ادارتهم المرتقبة من أصل عدة ملفات مشتعلة، یعمد ترامب الى تذکیتها بوجههم قبل رحیله، بهدف الانتقام لخسارته من جهة، وتحضیرًا لمعرکة سیاسیة لاحقة بعد أربع سنوات من بدایة العام المقبل (2021) من جهة أخرى.




محتوى ذات صلة

NBC: أیام دخول ابن سلمان للبیت الأبیض ولّت

NBC: أیام دخول ابن سلمان للبیت الأبیض ولّت

قالت شبکة "أن بی سی" الأمریکیة إن تصریحات المتحدثة باسم البیت الأبیض جین ساکی، بشأن تعامل جو بایدن مع الملک سلمان دون ولی عهده، تعنی أن محمد بن سلمان لن یتلقى المعاملة التی کان یتمتع بها فی عهد ترامب.

|

فورین أفیرز: یجب على واشنطن تسلیم مسؤولیة محاربة داعش إلى روسیا وترکیا فی سوریا

فورین أفیرز: یجب على واشنطن تسلیم مسؤولیة محاربة داعش إلى روسیا وترکیا فی سوریا

کتبت فورین أفیرز فی مقال بقلم روبرت إس فورد من معهد الشرق الأوسط وعضو بارز فی معهد جاکسون للشؤون العالمیة وسفیر الولایات المتحدة السابق فی سوریا من 2011 إلى 2014: وعد دونالد ترامب خلال فترة رئاسته التی استمرت أربع سنوات أن یحرر أمریکا من نهج التأمیم، وقال إن جهود أمریکا طویلة ...

|

ارسال التعلیق