مستقبل العلاقات الاقتصادیة بین السعودیة والعراق بعد فتح معبر عرعر الحدودی
بعد ثلاثة عقود من إغلاق معبر عرعر الحدودی بین العراق والسعودیة ، أعید فتح المعبر الحدودی الأسبوع الماضی بحضور مسؤولین من البلدین ، إیذانا ببدایة فصل جدید فی العلاقات بین البلدین فی السنوات الأخیرة.
"عرعر" الطریق السریع من الریاض إلى سوق البحر الأبیض المتوسط
تم إغلاق معبر عرعر فی عام 1991 أثناء احتلال نظام صدام حسین للکویت حیث کان هذا المعبر یُستخدم فقط لنقل الحجاج العراقیین لأداء فریضة الحج فی السعودیة ، ولکن إعادة فتحه کخطوة أساسیة فی تعزیز العلاقات الاقتصادیة بین البلدین سرعان ما کان على جدول أعمال مجلس التنسیق العراقی السعودی فی عام 2017.
تشترک السعودیة والعراق فی حدود بریة طولها 144 کیلومترًا. لکن عملاقا النفط فی أوبک لا تربطهما علاقات اقتصادیة واسعة ، وبعبارة أخرى ، کانت الخلافات السیاسیة والأیدیولوجیة والدینیة بمثابة حاجز أمام علاقات الجانبین وعدم استخدام هذه الحدود المشترکة الطویلة لتعزیز العلاقات الاقتصادیة.
ووفق معهد Trading Economics التابع للأمم المتحدة ، بلغت صادرات السعودیة إلى العراق عام 2018 ما قیمته 651.56 ملیون دولار. لکن هذا التبادل بدأ ینمو منذ عام 2017.
تضمنت واردات العراق من السعودیة بشکل رئیس السیارات والمعدات الکهربائیة والإلکترونیات والألمنیوم والحبوب والأغذیة ومنتجات الألبان والمواد الکیمیائیة غیر العضویة والمعادن الثمینة والنظائر والورق والبلاستیک والأدویة. فی المقابل ، تضمنت قائمة البضائع المستوردة من العراق صفائح الألمنیوم وحاویات النقل (transport containers).
لکن مع تغیر وجهات نظر قادة البلدین والرغبة إلى تطویر العلاقات ، أصبحت هذه المنطقة الحدودیة الآن نقطة مشترکة للاستثمار بین البلدین ، وسهولة نقل المنتجات ، والأهم من ذلک ربط شبکة الکهرباء السعودیة بالعراق. وعلیه ، إضافة إلى منفذ عرعر ، من المقرر افتتاح معبر جمیمة الحدودی جنوب العراق قریباً. لکن هذا المعبر الحدودی لیس بنفس أهمیة عرعر.
وفقًا لرؤیة 2030 ، تعتزم السعودیة تقلیل اعتمادها على عائدات النفط هذا العام ، وتحقیقا لهذه الغایة ، فقد وضعت على جدول الأعمال تعزیز الصادرات غیر النفطیة. وفی هذا الصدد ، أعلن عبد الرحمن الحربی ، نائب وزیر التجارة والاستثمار للسعودیة فی عام 2018 عن هدف تجاری بقیمة 23 ملیار ریال سعودی (5.22 ملیارات دولار) مع العراق على مدى السنوات العشر المقبلة.
وفی هذا الصدد یرى عبد الرحمن المشهدانی ، الخبیر الاقتصادی العراقی ، أن "هذا المعبر یختصر المسافة بین المدن الصناعیة السعودیة والأسواق العراقیة. "سابقا ، کانت البضائع سعودیة الصنع تدخل الاسواق العراقیة عبر الأردن أو الکویت".
لکن معبر عرعر یمکن أن یکون للسعودیة بمثابة الوصول إلى سوق یبلغ 60 ملیونا، بما فی ذلک العراق وسوریا ثم لبنان. ویمکن رؤیة هذا الهدف فی أحدث خطوة للریاض ، بعد أن طالبت الأخیرة العراق بتوفیر طریق عبور آمن إلى سوریا. فی الواقع ، تحاول السعودیة تحویل معبر عرعر بینها وبین العراق إلى طریق عبور إلى سوریا. وعلیه ، وفی نفس وقت افتتاح هذا المعبر ، أعلن حبیب کاظم المدیر التنفیذی لهذا المعبر ، فی مؤتمر صحفی ، أنه تمت الاستعدادات لافتتاح هذا المعبر ، وأن طریق التواصل بین عرعر- کربلاء وعرعر- الأنبار جاهز للاستخدام.
إن وجود العدید من المعوقات فی معبر "النصیب" بین سوریا والأردن ، ولا سیما التحرکات المتباینة للجماعات الإرهابیة بالقرب من الحدود ، سیعطی سوریا مزیدًا من الأمل فی طریق العبور بین العراق والسعودیة إذا توافرت الشروط على المعابر السوریة العراقیة. وبالتالی ، فإن تجارتها مع الدول الخلیجیة تعتمد على علاقتها مع السعودیة.
ووفق عضو مجلس إدارة الاتحاد السوری الدولی للنقل ، حسن عجم ، فی مقابلة مع وکالة سبوتنیک الروسیة للأنباء ، فإن معبر القائم - بوکمال یعمل حالیًا بشکل منتظم وشهد زیادة فی التجارة بین العراق منذ إعادة افتتاحه رسمیًا فی سبتمبر 2019. وأضاف إن استخدام معبر القائم - البوکمال یعتبر جزءا من طریق العبور بین سوریا والعراق والسعودیة.
مکانة معبر عرعر فی تطویر العلاقات بین العراق ومجلس التعاون
إن إعادة فتح معبر عرعر ، إضافة إلى العلاقات الثنائیة ، یمکن أن تلعب دور طریق عبور للعراق بدول مجلس التعاون الخلیجی ، بل أکثر من ذلک فی ارتباط دول مجلس التعاون الخلیجی بالبحر الأبیض المتوسط.
ووصفت وزارة المالیة العراقیة فتح معبر عرعر بین العراق والسعودیة بأنه شریان اقتصادی مهم ، وهو البوابة الرئیسة والمهمة لدول الخلیج إلى العراق.
یرید العراق توسیع علاقاته مع مجلس التعاون الخلیجی لإعادة بناء اقتصاده والبنیة التحتیة التی دمرت خلال سنوات الحرب وانعدام الأمن. وفی هذا الصدد ، یعتبر حوار العراق الاستراتیجی مع دول مجلس التعاون الخلیجی خطة شاملة بدأت فی أوائل عام 2018 بهدف تحسین علاقات العراق مع دول مجلس التعاون الخلیجی وبالتالی دمج العراق فی دول مجلس التعاون الخلیجی بهدف إبعاده عن إیران.
فی عام 2018 ، استضافت الکویت اجتماعا لجذب المساعدات الدولیة لإعادة إعمار العراق ، تم خلاله التعهد بمبلغ 30 ملیار دولار لإعادة إعمار العراق.
من جهة أخرى ، أعلنت وزارة الکهرباء العراقیة ، فی أیلول 2019 ، عن توقیع عقد إنشاء شبکتی اتصالات لاستیراد الکهرباء مع منظمة توصیل الکهرباء التابعة لدول مجلس التعاون الخلیجی. ویقدر طول شبکتی الاتصالات هاتین بنحو 300 کیلومتر منها 80 کیلومترا فی العراق و 220 کیلومترا فی الکویت.
هاتان الشبکتان ستُدخل لدائرة الکهرباء العراقیة فی المرحلة الأولى 500 میغاواط من الکهرباء قبل عام 2022. هذا الامر تم من خلال دور الولایات المتحدة والضغط لتقلیص واردات الکهرباء العراقیة من إیران ، الأمر الذی بالطبع لا یمکن تحقیقه على المدى القصیر ، بسبب الإیهامات الکثیرة التی تدور حول إمکانیة تنفیذ هذا المشروع ، إضافة الى أن من الصعب على السعودیة أخذ مکانة إیران فی تصدیر الکهرباء الى العراق بسبب قلة التهدیدات الأمنیة وانعدام الاختلافات السیاسیة والدینیة بشکل کبیر بین العراق وایران.
التحدیات الأمنیة ومخاوف النفوذ السعودی فی العراق
تأتی إعادة فتح ممر عرعر فی وقت تحذر فیه بعض التیارات السیاسیة العراقیة من تداعیات أمنیة وسیاسیة ودینیة لوجود السعودیة على شکل استثمار ، واصفة إیاه بأنه تهدید للأمن القومی العراقی.
ومن بین هذه الجماعات انتقدت جماعة "أصحاب الکهف" صراحة توسیع العلاقات بین الریاض وبغداد ، محذرة من أن " فصائل المقاومة الإسلامیة تراقب عن کثب أی تحرک للعدو السعودی على الحدود العراقیة".
ترکز الانتقادات على انفتاح السعودیة على العراق على ملف أنشطة الجماعات الإرهابیة فی العراق ، حیث قال بعض خبراء الأمن العراقیین إن ما لا یقل عن 15 ألف إرهابی سعودی ارتکبوا جمیع أنواع الجرائم الإرهابیة فی العراق ، فی حین 5000 منهم فجروا أنفسهم فی عملیة انتحاریة فی هذا البلد.
ألقت القوى المُعارضة للسعودیة، التی تتمتع بسلطة سیاسیة کبیرة فی کل من الحکومة والبرلمان ولها وزن أمام الرأی العام على نطاق واسع ، باللوم على الحکومة السعودیة فی خلق الزعزعة الأمنیة فی العراق من خلال إرسالهم الإرهابیین ، أو على الأقل غض الطرف عن إرسالهم إلى العراق.
من ناحیة أخرى ، فإن هدف الریاض المتمثل فی الاستثمار فی العراق لمواجهة النفوذ الإیرانی هو جزء آخر من تحدیات تطویر العلاقات بین الریاض وبغداد. وهناک حدیث منسوب الى وزیر الخارجیة السعودی الراحل سعود الفیصل یقول إن على الریاض أن تغتنم کل فرصة ممکنة للمساعدة فی مواجهة النفوذ الإقلیمی الإیرانی لتعویض دورها الضعیف فی العراق على مدار الثلاثین عامًا الماضیة.
فی السنوات التی أعقبت احتلال العراق ، کانت طهران الحلیف الرئیس لبغداد فی مکافحة الإرهاب وإرساء الأمن فی البلاد ، إضافة إلى الدفاع عن وحدة أراضیها ضد الحرکات الانفصالیة واستقلال السیادة العراقیة ضد المحتلین. وبالتالی ، فإن القوى العراقیة والرأی العام یشککون فی أن محاولة السعودیین قد تستهدف التأثیر على تحالف طهران - بغداد.
لقد شقت السعودیة طریقها من خلال مشاکل العراق الاقتصادیة. العراق یواجه أزمة اقتصادیة وبحاجة ماسة للاستثمار الأجنبی. وعلى الرغم من أنه ثانی أکبر منتج للنفط فی منظمة أوبک ، فإضافة إلى انخفاض أسعار النفط ، أصبحت بنیتها التحتیة للنفط والغاز متقادمة للغایة وغیر فعالة.
یعد انعدام الأمن وانتشار الفساد فی النظام الإداری عوائق أخرى أمام جذب الاستثمار. وعلیه ، سعى الکاظمی إلى متابعة ملف الاستثمار الأجنبی فی برنامجه للإصلاح الاقتصادی الذی أسماه "الورقة البیضاء" التی نُشرت فی أبریل 2020 وتضمنت بما فی ذلک دعم السعودیة للطاقة والزراعة.
ومع ذلک ، فإن السعودیة لدیها طریق صعب للغایة لأخذ مکانة إیران فی الاقتصاد العراقی. إذ تمکنت إیران من أن تصبح لاعباً مهماً فی الاقتصاد العراقی منذ عام 2003. ویوجد بین إیران والعراق تسعة معابر حدودیة، خمسة منها مفتوحة ونشطة حالیًا. ووفقًا لـ Financial Tribune ، استحوذت إیران على 25 فی المئة من سوق الواردات العراقیة فی عام 2019 ، والتی ، وفقًا لإیرج مسجدی ، سفیر إیران فی العراق ، کانت تعادل 12.5 ملیار دولار.
ومع ذلک ، فإن السعودیة نفسها بلد مستهلک ، واقتصادات السعودیة والعراق لیست غیر مکملة لبعضها البعض ، بل إنها أیضًا منافسة تمامًا. کما أن السعودیة نفسها تعیش حالیا أزمة عجز فی المیزانیة بسبب تراجع عائدات النفط وتأثیرات تفشی کورونا على قطاعی السیاحة والحج ، فضلا عن تکالیف الحرب الیمنیة ، ولن تکون الریاض قادرة على الوفاء بوعودها. ویمکن ملاحظة ذلک فی استیاء الباکستانیین من عدم امتثال الریاض لوعودها بتقدیم مساعدات اقتصادیة لإسلام أباد ، کما لم یتم الوفاء بوعد ملیار دولار من المساعدات لبغداد.