ترامب فی الوقت الضائع .. والأخطار المحتملة

لماذا نشهد استمرار هذه الهجمة المکثفة للتطبیع بین أنظمة عربیة والکیان الصهیونی فی مرحلة ما بعد الانتخابات الأمیرکیة؟ وماذا یملک ترامب من خیارات فی الفترة المتبقیة له فی الرئاسة؟

قبل الانتخابات الأمیرکیة، کان واضحًا أن الهدف من اتفاقات التطبیع هو تسجیل إنجاز للرئیس الأمیرکی ترامب یمکن أن یسعفه فی تحقیق رصید انتخابی فی موسم الانتخابات. لکن استمرار المناخ التطبیعی بعد الانتخابات التی خسر فیها ترامب یستبطن أهدافًا أخرى محتملة:

1ـ استدراج دعم إضافی لترامب فی معرکة التشبث بالسلطة، عن طریق شحذ إمکانات الدوائر الصهیونیة لمساندة الطعون الانتخابیة التی تقدم بها ولا تملک حظوظًا کبیرة. لکن ترامب لم ییأس بعد، کما یبدو، لقلب النتائج.

2ـ إرسال إشارات هامة لمن یعنیهم الأمر فی الداخل والخارج أن ترامب لا یزال ینبض بالحیویة، وهو یخطط لاستکمال الأهداف التی رسمها والبقاء فی المشهد السیاسی. وإذا قُدر أن یخسر الرئاسة الآن، فإنه قد یعود فی العام 2024، کما یلمح المقربون منه. وهو یسعى خلال ذلک لاکتساب دعم من الأوساط الصهیونیة الیهودیة والمسیحانیة باعتباره "رجل القول والفعل" فی دعم "اسرائیل" بشکل مطلق ودون تردد.

3ـ مع انشغال ترامب بمعرکة التشبث بالسلطة فی الداخل، یبرز وزیر خارجیته مایک بومبیو فی الخارج: یجول کوزیر لخارجیة "اسرائیل" مصطحبًا وزراء عربًا لتوقیع مزید من اتفاقات التطبیع، ویشرعن مستوطناتها واحتلالها للضفة الغربیة والجولان، ویعلن التوجه لتجریم حرکة المقاطعة العالمیة BDS  لمنتجات المستوطنات. مع الإشارة الى انه قبل شهور من الانتخابات الامیرکیة، ترددَ أن بومبیو یمدّ عنقه للترشح لانتخابات العام 2024 الرئاسیة. بهذا المعنى، یخطط بومبیو الذی یتماهى مع نهج ترامب ویتصرف کنصیر مطیع له، لأن یکون الوریث الطبیعی للتیار الترامبی فی حال غاب قائده لأسباب طبیعیة بالوفاة أو غیر طبیعیة بالسجن بسبب ملفاته القضائیة.

4ـ تهیئة الأرضیة لاستیلاد تحالف اسرائیلی- عربی (سعودی وبحرینی وإماراتی) یقف فی وجه الجمهوریة الاسلامیة فی ایران، ویضیف مزیدًا من التعقیدات أمام أی عودة محتملة لإدارة بایدن المقبلة الى الاتفاق النووی.
وبات المسؤولون السعودیون والاسرائیلیون یتحدثون الآن بصوت واحد عن ان "لا عودة" للاتفاق النووی، وهم یحددون الشروط والضوابط التی یعتبرون أنه ینبغی للإدارة الأمیرکیة المقبلة الالتزام بها، بما یعکس قلقًا عارمًا من إخفاق الرهان على الضغوط القصوى التی مارستها إدارة ترامب على ایران لإرغامها على الاستسلام. وفی هذا الجو تحدیدًا، جاءت الأنباء عن لقاء ولی العهد السعودی محمد بن سلمان ورئیس الوزراء الصهیونی نتنیاهو على أرض سعودیة بترتیب من بومبیو.

خیار الحرب فی المیزان

کل الاحتمالات السالفة واردة. لکن هل یسمح ذلک بتوقع القیام بمغامرة عسکریة ضد ایران مثلاً فی الفترة الانتقالیة قبل تسلم بایدن منصبه فی 20 کانون الثانی/ ینایر المقبل؟

لا یمکن لأی عاقل نفیُ مثل هذا الاحتمال بالمطلق. وجاءت فی هذا السیاق الأنباء عن رحلة القاذفة الاستراتیجیة الامیرکیة بی-52 الى المنطقة، واحتمال تورید قنابل أمیرکیة خارقة للتحصینات الى الکیان الصهیونی، وإقالة وزیر الحرب الأمیرکی مارک إسبر، وسحب وحدات أمیرکیة من العراق وأفغانستان. والخطوة الأخیرة قد تهدف الى سحب أهداف شاخصة من أمام إیران فی حال قامت واشنطن بعمل عسکری ضدها. بیدَ أن المساس عسکریاً بإیران لیس رغبة أمیرکیة، بقدر ما هو رغبة اسرائیلیة وسعودیة. وللبنتاغون رأی سابق فی معارضة عمل عسکری ضد إیران، فی وقت لم یتعافَ الجیش الامیرکی فیه من جروحه فی العراق وأفغانستان. ولا یبدو أن هذا الرأی قد تغیر، ومن غیر المرجح أن یوافق القادة العسکریون الأمیرکیون على وضع الجیش فی الفترة الانتقالیة الرئاسیة على مسار حرب جدیدة فی الشرق الأوسط من أجل أغراض شخصیة أو شعبویة. فضلاً عن ذلک، هناک حساب تکالیف الحرب وتبعاتها التی یصعب تقدیرها من الآن، ویعرف ترامب أن المزاج الشعبی الأمیرکی لا یتحمل تضحیات فی الخارج مادیاً وبشریًا.

ماذا عن احتمالات أخرى؟

من خلال تتبُّع طریقة عمل ترامب فی السنوات الأربع الماضیة، یتبین أن الرئیس الأمیرکی یفضّل تسجیل الأهداف بالنقاط وعقد الصفقات السریعة، ولا یمیل إلى التورط فی جولات قتال طویلة. وفی هذا الإطار، یمکن توقع لجوء ترامب الى ضربات موضعیة فی سوریا أو العراق أو الیمن (ثمة حدیث عن إمکان وضع أنصار الله على لائحة المنظمات الإرهابیة)، أو تغطیة ضربة اسرائیلیة محتملة فی لبنان بذریعة أو بأخرى. کما یمکن الأخذ فی الحسبان إمکان اللجوء الى اغتیال شخصیات محسوبة على محور المقاومة، وهذا الاحتمال وارد خاصة فی العراق وسوریا. وقد ألمح ترامب فی الشهور الأخیرة الى تفکیر سابق لدیه باغتیال الرئیس السوری، کما تُسجَّل تهدیدات أمیرکیة لقادة فصائل المقاومة فی العراق.  

فی المحصلة، یبدو أیّ عمل عسکری عدوانی ضد إیران خیارًا إسرائیلیًا متجذرًا حاول نتنیاهو تسویقه لدى الأمیرکیین منذ عهد أوباما، لکنه لم یفلح. وهو یحاول ضرب ایران عن طریق الأمیرکیین، لکن لواشنطن حسابات وخیارات أخرى. کما ان السعودیین حضُّوا الإدارات الامیرکیة المتعاقبة على ضرب ایران، وفق ما ظهر فی وثائق ویکیلیکس نقلاً عن الملک الراحل عبد الله بن عبد العزیز. وتبدو نافذة الفرص الفاصلة قبل رحیل ترامب ضیقة أمام عمل عسکری کبیر، وهو قد یرى أن نهج العملیات السریعة ممکن اتّباعه مع حلفاء إیران لتوجیه ضربة معنویة لها وتقلیم دورها الإقلیمی القیادی ومحاصرة تأثیرها المتعاظم فی معادلة القوة مع الکیان الصهیونی وتحدی الهیمنة الأمیرکیة على المنطقة.

غیر أننا ینبغی أن نضیف أن لمحور المقاومة خططه للمواجهة، وهو الذی صمد فی وجه الضغوط القصوى، وبوسعه أن یحیل أیة مغامرة الى فرصة لمصلحته اعتمادًا على یقظته وإمکاناته المتراکمة.




محتوى ذات صلة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة فی إیران اللواء حسین سلامی یقول إن "الانفجار الکبیر فی مصنع محرکات المضادات الدفاعیة والصواریخ حاملة الأقمار الصناعیة مؤخرا فی "إسرائیل"، أثبت هشاشة النظام الأمنی الإسرائیلی".

|

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

المرشد الإیرانی یؤکد على أهمیة تضامن القطاعات الفلسطینیة وتلاحمها بوجه الاعتداءات الإسرائیلیة، ورئیس مجلس الشورى یدین الجرائم الإسرائیلیة، وعشرات الإیرانیین فی العاصمة طهران یتظاهرون تضامناً مع فلسطین ونصرةً للقدس وغزة.

|

ارسال التعلیق