العرب وتحديات أميركا الجديدة

يتابع العالم العربي باهتمام الانتخابات الرئاسية الأميركية ونتائجھا لما لھا من تداعيات وتأثير على أوضاع المنطقة ومستقبلھا، وهنا يمكن ملاحظة ما يلي:

1 - أظھر العراقيون اھتمامًا بالانتخابات الأميركية بعدما تعلموا من التجربة السابقة. فقد كان لوصول باراك أوباما الى الرئاسة، والسياسات التي نفذھا طوال فترة حكمه تأثيراتھا على العراق، والمنطقة العربية.

في عھد أوباما تحول العراق إلى ساحة مفتوحة بين واشنطن وطھران. سرعان ما قلب ترامب سياسة واشنطن تجاه طھران رأسًا على عقب، بدءا من تمزيقه الاتفاق النووي مع إمكانية العودة إليه مع دخول بايدن البيت الأبيض.

في العراق، تنقسم الطبقة السياسية بين من ينظر إلى ترامب على أنه أكثر انغماسًا في الشأن الداخلي العراقي لجھة الحد من النفوذ الإيراني، وبين من يرى أن بايدن وفريقه سيكونان أقل تدخلًا في الشأن الداخلي العراقي. وھناك انقسام بين من يخشى بقاء البلاد ساحة لتصفية الحسابات، وبين من يرى أن السياسة الأميركية مؤسساتية لن تتغيّر كثيرًا على صعيد الثوابت. ويمكن القول إن انعكاسات الوضع الرئاسي في أميركا على العراق لن يطرأ عليھا تغيير جوھري. سيبقى العراق يعاني انتكاسات اقتصادية وسياسية وحتى أمنية، وربما يفاجئ بايدن الجميع ويتخذ قرارات أكثر حدة، لا سيما أنه صاحب مشروع تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث.

2 - تنفس الفلسطينيون الصعداء برحيل ترامب ووصول بايدن إلى السلطة، بعد نحو ثلاثة أعوام يمكن وصفھا بالأسوأ في تاريخ العلاقات بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأميركية. لقد كان ترامب أسوأ رئيس أميركي بالنسبة للقضية الفلسطينية، وفوز بادين يمثل فرصة للسلطة من أجل التخلص من أزمات متراكمة وضعتھا فيھا إدارة ترامب، وأثارت الكثير من المخاوف حول إمكانية أن تؤدي في النھاية إلى انھيارھا. ويتطلع الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعمل مع الرئيس المنتخب بايدن وإدارته من أجل تعزيز العلاقات الفلسطينية ـ الأميركية. ويأمل الفلسطينيون من الإدارة الأميركية الجديدة العمل على مسار سياسي جدي على أساس الشرعية الدولية وحل الدولتين، والاعتراف بفلسطين، وأن يكون الموضوع الفلسطيني على أجندة أولوياتھا. ولكن فوز بايدن كان له انعكاس على الساحة الفلسطينية الداخلية. فقد تعثرت المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" من جديد وتوقفت الاتصالات كليًا، بعدما تجدد الأمل لدى الرئيس عباس في عودة مسار المفاوضات وإيقاف الإدارة الأميركية ضغطھا السابق و"صفقة القرن".

3 - لم تكن مصر تتوقع فوز جو بايدن، وإنما توقعت بقاء دونالد ترامب لولاية ثانية، بما يتيح لھا أن تستكمل خطواتھا، داخليا وخارجيا، من دون اعتراض أميركي.

أروقة النظام المصري في حالة ترقب وقلق، إذ تخشى مصر أن يكون التعامل معه ليس سھلاً. وفي ھذا الإطار، بدأ النقاش حول آلية التعامل مع عھد بايدن، خصوصًا أن القاھرة لا تملك ما يمكن أن تقدمه من تنازلات. وجزء من المخاوف مرتبط بكيفية التعامل مع الإسلاميين خلال عھد بايدن، ومن عقوبات محتملة في حال تمسكت بمواقفھا في رفض التعاون مع الإسلاميين، وما يمكن أن يتبعه من توتر في العلاقات مع الأميركيين، خاصة أن عند بايدن وفريقه نظرة مختلفة إلى التعامل مع تيارات الإسلام السياسي عامة، وجماعة "الإخوان المسلمين" المصنّفة إرھابية بقرارات حكومية وقضائية في مصر خصوصًا. وثمة مخاوف أخرى مرتبطة بالموقف الأميركي من ملفات عربية تجد مصر نفسھا شريكة فيھا، وعلى رأسھا الملفان السوري والليبي والوضع في السودان، فضلًا عن قطار التطبيع الذي ربما سيتوقف مع غياب العوامل المحفّزة التي قدمھا ترامب، وھو ما قد  يعرقل التطبيع السوداني - الإسرائيلي ويضطر القاھرة إلى تخفيف الضغط على السلطة الفلسطينية، بعدما كان قد وصل ذروته في الأشھر الماضية.

 أما في أزمة "سد النھضة"، فتتوقع السلطات المصرية أن يحجم بايدن عن اتخاذ مواقف مماثلة لتلك التي تبنّاھا ترامب، ما سيجعل إثيوبيا قادرة على الاستمرار في بناء السد، من دون التوقيع على اتفاقات ملزمة في شأن تشغيله. كما يمكن أن تفقد القاھرة دعما كبيرا لدورھا في أفريقيا، كانت قد حظيت به في السنوات الأخيرة بدعم أميركي خاص واستثنائي. تدرك مصر أنھا لا تمتلك ما يمكن تقديمه إلى إدارة أميركية جديدة، فيما حكام الخليج، لديھم مجال واسع للمناورة، بل وتقديم مزيد من التنازلات في غير ملف.

4 -الخليجيون يعتبرون أن تداول السلطة في أميركا لا يعني بالضرورة أن تطرأ تغييرات دراماتيكية أو جذرية على السياسة الخارجية. فالمسألة ھي اختلاف على الوسائل والآليات والتكتيك وترتيب الأولويات ليس إلا، بينما تبقى نظرة الحزبين للملفات الخارجية مرتبطة بحماية المصالح الحيوية لأميركا.

يدرك الخليجيون أن أميركا تغيّرت وينبغي التھيؤ لذلك، وما يريدونه من الرئيس القادم ھو سياسة أميركية جادة تستشعر حجم المخاطر والتحديات التي تواجھھا منطقتھم.. ويعتبر الخليجيون أن الإدارة الأميركية القادمة سوف تموضع نفسھا مع قدرة اللاعبين المحليين، ومع مصالحھا التي ما زالت فاعلة وعلى رأسھا التنسيق في سياسات الطاقة.

حالة القلق التي تشعر بھا دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتھا المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، ھي نتيجة أن سنوات الرئيس ترامب الأربع السابقة شھدت الكثير من الدعم لهم.

الملفات الليبية والسورية والفلسطينية كلھا تنتظر تحركات الرئيس الجديد. لكن الأبرز بالطبع سيكون الملف الإيراني في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

القلقون في المنطقة لديھم ھاجس أن الرئيس الأميركي المنتخب سوف يغيّر الأوضاع ويبدل الطباع دفعة واحدة، ولھذا تبقى المخاوف من عودة مقنعة للحقبة "الأوبامية". ولكن من السذاجة السياسية الاإقتناع بأن تجربة سياسية بعينھا، يمكن أن تتكرر مرة واحدة بحذافيرھا. بداية، يمكن القطع بأن بايدن لا يمكن أن يكون أوباما بالمطلق، لاختلاف المسارات التي تجري فيھا الأحداث، إذ يبدأ الرجل رئاسته وھو على مشارف عامه التاسع والسبعين، الأمر الذي يجعل منه الرئيس الأكبر سنا في البيت الأبيض. وقته سيكون ضيقا، ما يحد من قدرته على الخوض في تفاصيل السياسات الخارجية.

فالرئيس الأميركي الجديد سينشغل أولا بوباء "كوفيد 19" وسبل معالجة تبعاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما سيكون منشغلا بالشؤون الداخلية ولفترة طويلة. والأكثر خطورة وأھمية في الوقت عينه، أوضاع النسيج المجتمعي الأميركي الذي تعرض لحالة من الانقسام الحاد والتشظي غير المسبوق، فيما تسود الاستقطابات والانقسامات السياسية والحزبية، العرقية والھوياتية، المجتمع الأميركي.




محتوى ذات صلة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

الحدیث عن مشهد الصورایخ التی تدک تل ابیب وتحول لیلها نهارا مهم، لاسیما وان هذا المشهد غیّر فی معادلة الصراع وغیّر قواعد الاشتباک بین المقاومة الفلسطینیة والمحتل الاسرائیلی

|

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة فی إیران اللواء حسین سلامی یقول إن "الانفجار الکبیر فی مصنع محرکات المضادات الدفاعیة والصواریخ حاملة الأقمار الصناعیة مؤخرا فی "إسرائیل"، أثبت هشاشة النظام الأمنی الإسرائیلی".

|

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

المرشد الإیرانی یؤکد على أهمیة تضامن القطاعات الفلسطینیة وتلاحمها بوجه الاعتداءات الإسرائیلیة، ورئیس مجلس الشورى یدین الجرائم الإسرائیلیة، وعشرات الإیرانیین فی العاصمة طهران یتظاهرون تضامناً مع فلسطین ونصرةً للقدس وغزة.

|

ارسال التعلیق