الدول العمیقة فی جمهوریة لبنان.. وموانع التغییر

الدولة العمیقة مصطلحٌ مختلَفٌ على نشأته، متفقٌ على ماهیته، یدل على أجهزة حکم غیر منتخبة ترسم سیاسات الدولة من وراء الکوالیس وتتحکم بمصیرها، کالقوى الامنیة والعسکریة او المؤسسات البیروقراطیة أو حتى الأحزاب الحاکمة. وقد تتشکل هذه الدولة العمیقة للحفاظ على الدولة أو عقیدتها أو النظام، أو قد تتشکل أیضًا بهدف مؤامراتی یرعى شبکةً من المصالح المتداخلة والمعقدة بین الخارج وطبقة الأولیغارش الداخلیة.

وتنشأ فی الدول دولة عمیقة واحدة أو أکثر بحسب نوع الدولة، انطلاقًا من التقسیم على أساس الکولونیالیسم، دولة مستعمِرة أو ساعیة للاستعمار، دولة مستعمَرة، حالة ثالثة /neutre /، وقد تکون مساعدة للحالة الثانیة للخروج من بوتقة الاستعمار انطلاقًا من توافق ایدیولوجی أو تحقیقًا لمصالح مشترکة وندیة، وسنورد أمثلة على الحالات الثلاث:

1. دولة مستعمِرة أو ساعیة: کما هو الحال فی الولایات المتحدة الامیرکیة، التی تتمظهر فیها الدولة العمیقة باللوبی الاقتصادی والشرکات المتعددة الجنسیات، وجهاز الاستخبارات الـ CIA، حیث تجمع هذه الاجهزة واللوبیات رؤیة موحدة وأهداف مشترکة تعمل على حمایة الرأسمالیة المتوحشة التی لا تزید نسبتها عن الـ 3% من الشعب، وباقی النسبة لیسوا الا کورال محکوم بدیمقراطیة زائفة ومؤطرة بین الحزبین الجمهوری والدیمقراطی، وإن تتبعت مساری الحزبین وصلت الى بابٍ واحد.. وإن تم تخدیر الـ 97% ببعض الخدمات أو بالقروض المقیدة طوال العمر بل أکثر.

2. أما الحالة الثالثة، فقلیلة نسبةً الى عدد الدول على المعمورة، وأذکر فی هذا المضمار، لا على سبیل الحصر، ایران وبعض دول شرق اسیا وغیرها.

وموضوع بحثنا هو الحالة الثانیة، الدول المستعمَرة والتی تنهش بها دول عمیقة، تناهش الضباع الفریسة الضعیفة، وکلما طلبت هذه الدول المساعدة من الامم المتحدة، والتی یهیمن علیها دول الحالة الاولى، أفرزت لها هذه الامم ضبعًا جدیدًا بحلةٍ جدیدة، یُکمل ما بدأه أسلافه. ولبنان مثال حی على هذا النوع من الدول، فالدول العمیقة فیه متعددة تعدد القوى الاستعماریة الداخلة فی سهرة النار، والمواطن اللبنانی ما عاد یدری من این تأتی الضربات المعوقة لأی أملٍ بالتغییر وانتشال البلد من وهدة الازمات.

للولایات المتحدة دولتها العمیقة التی تحرکها دوروثی شیا، وهی دولة ترسم السیاسات الناهبة والافقاریة والارتهانیة، بغیة شل البلد والقضاء على کل مکامن قوته خدمةً لصهیون، وبعض ابطال هذه الدولة حاکم مصرف لبنان والمنضوون معه فی جمعیة المصارف والمصارف وشخصیات سیاسیة اساسیة وفرعیة وآخرون لا نعلمهم ینتشرون فی مجلسی النواب والوزارء، والادارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة والقوى الامنیة والجیش وجمعیات التجار والنقابات وقسم من الـ ngo’s وغیرهم. کما لفرنسا دولتها العمیقة فی لبنان وبریطانیا، وکل دولة استعماریة ترغب بالدخول الى المعترک اللبنانی تنشئ لنفسها دولة عمیقة فی ربوعه الامنیة والاقتصادیة وکوالیس السیاسة والاجتماع.

تعمل الدول العمیقة فی لبنان على جعله قاعدة للاستعمار، واحتلاله امنیًا، وتقویض فرص الاستقلال الحقیقی. وهذا الأمر کلّف کثیرًا مقاومة لبنان من جهود وتعب وتضحیات وما زال، على الصعید الأمنی، لأن الجهات الکولونیالیة لا تألو جهدًا فی اختراق أی بنیة تنظیمیة ترى فیها خطرًا على مصالحها، وهی بارعة فی عملیات الاختراق والتجنید ومن بعدها التفتیت والتدمیر من الداخل عبر کشف المعلومات للعدو واتخاذ القرارات الداخلیة الخطأ بشکل مقصود الى العمل وبشکل معکوس بالمبادئ الاداریة والاخلاقیة والوطنیة، ولکم أن تتخیلوا عندما تُخترق الدولة أو التنظیمات بأمثال هؤلاء وخصوصًا إن کثر عددهم، فماذا سیحصل للمنظمة (الدولة، الادارة العامة، المؤسسة، الحزب..)؟

وانطلاقًا من هذه القضیة تصبح محاولات التغییر دون جدوى ان لم تطل اجتثاث هذه الدول العمیقة وقطع أصابع وأیادی مشغلیها، فیتردد دومًا فی التصریحات السیاسیة أن المطلوب التغییر وهیکلة الادارة، والبعض توسع لیقول إن المطلوب تعیین الأشخاص المناسبین، وغیرهم یقول لا بد من اعادة دراسة الدستور والقوانین وسن التشریعات الجدیدة لمواجهة الفساد.. وکله هراء، نعم هراء، فالسؤال الأول الذی یُطرح من سیقوم بهذه العملیة؟ وفی حال وُجد فهل سیقدر؟ أم ستواجهه عقبات کثیرة قد تصل الى الاقصاء السیاسی وحتى الجسدی؟ الم تحصل فی بلادنا العربیة والاسلامیة والمستعمرات أن حاولت شخصیات محترمة القیام بإصلاحات، او اتخاذ قرارات جریئة ضد الامبریالیة والاستعمار والاولیغارشیة والکومبرادوریة المرتبطة بالکولونیالی وکل مصطلحات الهیمنة والسیطرة بالقوة الصلبة او الناعمة؟ ما الحل؟

من ینظر الى الواقع اللبنانی یرَ ما یحصل من انهیار وتداعٍ للدولة، حتى بات موظف فی الدولة وأحد أعضاء الدولة العمیقة المشغلة من عوکر، فوق المحاسبة والمساءلة، وعصیًا على التنحیة، ولا یمکن الحصول منه على معلومة حول ما یجری فی دهالیز مغارته، اللهم الا "قصقوصة" ورق یرسلها بخط الید الى رئیس الحکومة، یخجل صاحب دکان حارتنا من ارسالها لأحد زبائنه.




محتوى ذات صلة

السید نصر الله: مستقبل المنطقة یصنعه محور المقاومة

السید نصر الله: مستقبل المنطقة یصنعه محور المقاومة

أکد الأمین العام لحزب الله السید حسن نصرالله أن هبة القدس فی الأسابیع الماضیة أظهرت حضور شباب القدس البواسل فی المیدان ومواجهتهم آلة البطش الصهیونیة مشیراً إلى أن تفاعل الضفة ودخول قطاع غزة عسکریا بشکل مدروس لنصرة القدس تطور مهم جداً.

|

ارسال التعلیق