لماذا يسعى الأوروبيون لتعديل الاتفاق النووي مع إيران؟
كان لافتًا وغريبًا تصريح وزير الخارجية الألماني الأخير بأنه ينبغي توسيع نصّ الاتفاق النووي مع ايران، كي يشمل برامج طهران الصاروخية البالستية، خاصة أن هذا الموقف والذي يعبر تقريبًا عن موقف فرنسا وبريطانيا أيضًا، حتى لو لم يصدر عنهم مباشرة، هو الموقف الأوروبي الأول من نوعه بعد انسحاب الرئيس ترامب وحده تعسفًا من الاتفاق المذكور. فما هي أسباب وأبعاد هذا التغيير المفاجئ اليوم؟
في الواقع، لا يمكن بتاتًا استبعاد الارتباط المباشر للموقف الأوروبي المستجد حول تعديل الاتفاق النووي الإيراني، مع نتيجة الانتخابات الأميركية وخسارة الرئيس ترامب، إذ لم يطرأ أي موقف أو وضع دولي مهم يستدعي هذا التغيير، الّا التغيير الذي أصاب الإدارة الأميركية الجديدة في البيت الأبيض.
طبعًا، هذا الارتباط مبني على عدة نقاط أو احتمالات، يمكن تحديدها بالتالي:
1- هل كان الموقف الأوروبي سابقًا في الالتزام بالاتفاق مع إيران، مجرد تبادل أدوار مع الرئيس ترامب، بحيث يكون دور الأخير اعتماد استراتيجية التشدد والضغط بالعقوبات والديبلوماسية والسياسية، ويكون دور الاوروبيين من جهة أخرى، حفظ طريق العودة مع ايران من خلال متابعة التواصل والتهدئة، في محاولة للحصول على "تنازل" طهران بالسياسة والديبلوماسية؟
في الواقع، ما يعزز من احتمال تبادل الأدوار، معرفة جميع الأطراف الدولية الكبرى، وخاصة الأميركيين والاوروبيين، أن تاريخ إيران معروف بالصمود والثبات وعدم التنازل، وسابقة العقوبات والضغوط التي مورست ضدها لعشرات الأعوام قبل الاتفاق النووي وثباتها بمواجهتها، خير دليل على ذلك.
2- اذا استبعدنا احتمال تبادل الأدوار بين الأوروبيين والأميركيين، من الممكن أن نذهب نحو احتمال أن يكون تغيير موقف الأوروبيين نحو التشدد، حصل بعد أن اكتشفوا ربما أنه من غير المستبعد أن يذهب الرئيس بايدن بعد العشرين من يناير القادم نحو حوار مباشر مع إيران، يتضمن بنودًا لا تمس مواقف طهران المعروفة، ورزمة من العلاقات الاقتصادية، تعوض إيران ما خسرته وما تطالب به جراء انسحاب ترامب المجحف من الاتفاق، ويكون الأوروبيون خارج هذا الاتفاق وبعيدين عن اية استفادة اقتصادية، خاصة أنهم كانوا في الاتفاق النووي الأساسي عام 2015، مستفيدين من عقود تجارية نفطية وصناعية ضخمة مع إيران.
أيضًا، هذا الاحتمال وارد وممكن، خاصة أن المصلحة الاقتصادية كانت وما تزال المسيّر الرئيس في سياسات الدول الأوروبية، وخاصة الثلاث الكبرى منها: فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
3 - الاحتمال الثالث الذي يمكن أن يشكل سببًا لتغيير موقف الأوروبيين لطلب تعديل الاتفاق النووي، قد يكون محاولة حقيقية لإيجاد تسوية مقبولة وممكنة للازمة بين الأميركيين وإيران، بعد أن رأوا أن تمسك كل من الطرفين بمواقفه دون أي تنازل، لا بد من أن يؤدي إلى مواجهة واسعة، ستكون تداعياتها الخطيرة أبعد من الشرق الأوسط، لتصل إلى الداخل الأوروبي.
طبعًا، في حال كان الموقف الأوروبي يدخل ضمن إطار محاولة إيجاد تسوية مقبولة، من خلال العمل على تنازل معقول من الطرفين الإيراني والأميركي، فإن عليهم (الأوروبيين) أن لا يغفلوا العديد من النقاط الأساسية، والتي ترتبط بإعادة طرح التفاوض حول قدراتها الصاروخية والباليستية، وأهم هذه النقاط تتعلق بإثارة مسألة التفوق العسكري الإسرائيلي وتهديده لأطراف محور المقاومة من جهة، ومن جهة أخرى تتعلق بعقود التسلح الضخمة التي يستفيد منها أطراف خليجيون، وأيضًا على خلفية استهداف إيران وباقي أطراف محور المقاومة.
فهل يكون الأوروبيون مستعدين للبحث في هذه النقاط الحساسة، حول التفوق العسكري الإسرائيلي والتسلح الخليجي المشبوه، بما سيؤثر سلبًا على مبيعاتهم الضخمة للأسلحة؟
وفي حال كانوا مستعدين لذلك، أين الأميركيون من هذه المواقف التي سوف تضرب كامل استراتيجيتهم في المنطقة والعالم؟
قد تكون ردة فعل الأميركيين عنيفة تجاه الأوروبيين، فيما لو كانوا جادين في موقفهم المحتمل هذا، الأمر الذي يعيدنا بشكل كامل الى معادلة دولية أساسية وهي: لا مجال للدول الاوروبية، مهما حاولت، أن تخرج من العباءة الاميركية، ولن تستطيع هذه الدول، لا حاضرًا ولا مستقبلًا أن تملك سياسة سيادية دولية مستقلة، بمعزل عن توجهات البيت الأبيض، كائنا من كان ساكنه.