أمریکا المتهم الرئیس فی إثارة الاضطرابات داخل العراق
مع بدء جولة جدیدة من الاحتجاجات فی جنوب العراق، تفید مصادر عراقیة بوجود مؤامرة أجنبیة للتدخل وإعادة الفوضى وانعدام الأمن فی المدن العراقیة.
وقبل أیام، ألقى "محمد البلداوی" عضو کتلة "صادقون" فی البرلمان العراقی، باللائمة على القنصلیة الأمریکیة فی جنوب العراق، فی أعمال العنف والقتل والتطورات التی شهدتها محافظة "ذی قار".
وقال النائب عن کتلة صادقون فی مجلس النواب العراقی: إن لدى کتلة صادقون معلومات وأدلة موثوقة على دور المخابرات الأمریکیة فی إثارة الفتنة والخلافات فی مناطق جنوب العراق، وهو الأمر الذی تم إبلاغه للسلطات المعنیة.
وفی الوقت الذی تشکل فیه المخاوف من عودة الاضطرابات إلى العراق مصدر قلق خطیر للمسؤولین العراقیین، کشف رئیس الوزراء العراقی السابق والمستقیل "عادل عبد المهدی" فی مؤتمر صحفی، أن الولایات المتحدة ضالعة فی إسقاط حکومته.
وتأتی هذه التصریحات فی الوقت الذی اضطرت فیه حکومة عبد المهدی إلى الاستقالة، بعد اندلاع الاحتجاجات فی مدن عراقیة مختلفة العام الماضی، ورفض المتظاهرین خطط الحکومة وتصاعد العنف.
وفی مقابلة مفصلة مع مجلة "حوار الفکر"، صرح عادل عبد المهدی أن واشنطن عارضته لسببین: عدم موافقته على قطع العلاقات الاقتصادیة مع إیران، ومطالبته بانسحاب القوات الأمریکیة.
وأضاف عبد المهدی فی جزء من تصریحاته: فی ذلک الوقت، أرادت الولایات المتحدة أن نسیر على قدم واحدة. المشی على قدم واحدة له مخاطره الخاصة، لأنه یسهل على الآخرین ضرب تلک القدم الواحدة ومنعک من المشی. لقد حدث هذا لنا لکننا لم نقبل بسیاسة العداء لإیران.
وفی هذه الأجواء، وبعد تجمیع قطع الألغاز، أی بدایة جولة جدیدة من أعمال الشغب فی شوارع العراق، واعتراف السلطات العراقیة بالدور الأمریکی فی خلق حالة من انعدام الأمن، فإن السوال الذی یطرح نفسه هو، ما هدف واشنطن من الضغط على حکومة الکاظمی؟
عصا الضغط الاقتصادی الأمریکی على العراق
لا شک أن هناک جهوداً تبذل لإحداث الفوضى فی العراق، وخاصةً فی المحافظات الجنوبیة(والبصرة علی وجه التحدید)، والتی تعدّ من المصادر الرئیسیة لإیرادات الحکومة فی قطاع تصدیر النفط، وذلک من أجل الضغط على الحکومة الحالیة.
کما تستند استراتیجیة إدارة ترامب إلى هدفین استراتیجیین: الحد من نفوذ إیران فی العراق، والاحتفاظ بالقوات الأمریکیة فی هذا البلد.
هذا فی حین أنه منذ وصول حکومة الکاظمی إلی السلطة فی حزیران (یونیو) 2020، ورغم اختلاف شخصیته عن شخصیة عبد المهدی، رفضت حکومته قبول الضغط الأمریکی فی إطار رغبتها فی الحفاظ على العلاقات الاقتصادیة مع إیران، بل سعى الکاظمی إلى اعتدال سیاسة ضغط البیت الأبیض، من خلال خلق توازن إیجابی لزیادة الشراکات الاقتصادیة مع الولایات المتحدة خلال زیارته لواشنطن.
إیران هی الشریک الاقتصادی الرئیسی للعراق، وقد شکلت العقوبات الأمریکیة ضد إیران تحدیات کبیرة للمسؤولین العراقیین على مدى العامین الماضیین.
من ناحیة أخرى، بینما طرحت إدارة ترامب جدولاً زمنیاً مدته ثلاث سنوات لسحب قواتها من العراق، بسبب ضغوط المجتمع العراقی والجماعات السیاسیة، وخاصةً حرکات المقاومة، فإن حکومة الکاظمی ومع إدراکها للمعارضة الداخلیة الواسعة لقبول ودعم هذا المطلب، تعتبره سمًا ممیتًا لاستمرار بقائها فی السلطة. ولذلک، اتضح لواشنطن أنه لا یمکن الإبقاء على قواتها فی العراق بدعم من حکومة الکاظمی.
وقد دفعت هذه الظروف الولایات المتحدة، التی ترى أن تقدم خططها فی العراق متوقف تمامًا، إلى خلق الأزمات فی هذا البلد على أمل تغییر التطورات.
لکن بعد فشل خطة إحیاء داعش، أصبحت الأزمة الاقتصادیة أهم بوابة لخلق اللأزمات والاضطرابات فی العراق، بالنسبة لاستراتیجیی البیت الأبیض. حتى أن الاضطرابات الأخیرة فی وسط وجنوب العراق، أدت إلى زیادة الهجمات التی یشنها إرهابیو داعش فی الشمال.
العراق وبسبب سنوات من الاحتلال العسکری والحرب، ثم التکالیف المدمرة لمحاربة داعش والقضاء علیه، یعیش أزمةً اقتصادیةً عمیقةً مع ظهور جائحة کورونا وتراجع أسعار النفط بشکل حاد، باعتباره أهم مصدر دخل للحکومة.
فی غضون ذلک،لم تکتف الولایات المتحدة بإثارة أعمال الشغب فی المحافظات الجنوبیة، الأکثر عرضةً للاحتجاجات بسبب البطالة والمشاکل الاقتصادیة، بل إنها ضیّقت ید السیاسیین العراقیین لحل الأزمة أیضاً.
على سبیل المثال، بینما کانت بغداد على وشک توقیع اتفاقیة مدتها 20 عامًا مع الصین فی منتصف عام 2019، لتسلیم 3 ملایین برمیل من النفط شهریًا مقابل الاستثمار الصینی فی مشاریع إعادة إعمار البنیة التحتیة التی دمرتها الحرب فی العراق، قال "علی سعدون" عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار فی مجلس النواب، إنه لم یتم التوصل إلى هذا الاتفاق بسبب ضغوط واشنطن.
هل ستتغیر السیاسة الأمریکیة مع وصول بایدن؟
بالتأکید، أصبحت سیاسات وإجراءات ترامب فی العراق، تحدیًا کبیرًا للحکومات العراقیة على مدى السنوات الأربع الماضیة. بدءاً من فرض عقوبات اقتصادیة واسعة النطاق على إیران وسوریا والتی تحدَّت استقرار العراق الاقتصادی وعلاقاته الخارجیة، إلى تصعید التوترات مع حرکات المقاومة فی العراق، ولا سیما اغتیال "الفریق سلیمانی" و"أبو مهدی المهندس"، الأمر الذی مارس الکثیر من الضغط على الحکومات العراقیة لطرد القوات الأمریکیة.
ولکن الآن وبعد رحیل ترامب فإن السؤال المطروح هو، هل سیغیِّر وصول بایدن إلى السلطة الضغط الأمریکی على العراق لإبعاد نفسه عن إیران، وهو الضغط الذی تجسَّد فی إثارة الأزمات فی هذا البلد؟
فی أجواء الانتخابات، لم تکن سیاسة بایدن الشرق أوسطیة واضحةً للغایة بسبب هیمنة الأزمات الداخلیة على الحملات الانتخابیة، ولکن بشکل عام وبغض النظر عن الرؤیة المثالیة لفریق بایدن، یمکن القول إنه لم یعد یوجد خیار ذو شأن للبیت الأبیض فی العراق.
إن نهج المواجهة الذی اختاره ترامب لانسحاب القوات الأمریکیة من العراق، لم یمنع العراقیین من تنفیذ القرار البرلمانی فحسب، بل عرّض أمن الموظفین والقوات الأمریکیة لخطر شدید.
من ناحیة أخرى، أدت السیاسة الفاشلة المتمثلة فی فرض عقوبات على إیران والضغط على بغداد للانضمام إلى مثل هذه الحملة، إلى إثارة الاشمئزاز لدی الرأی العام والسیاسیین العراقیین من تدخلات البیت الأبیض الاستعلائیة فی بلادهم.