إنجاز إیرانی جدید فی مجال الصواریخ البالستیة ...إیران فی طلیعة العالم فی العدید من التقنیات الحدیثة
یعدّ حمل وإطلاق صواریخ الکروز والبالیستیة بمهام ومسافات مختلفة، قضیةً مهمةً للسفن السطحیة والغواصات فی العالم، وفی العقود الأخیرة فإن مهاماً مثل حمل وإطلاق الصواریخ البالیستیة قد جذبت انتباه القوات البحریة المهمة فی العالم.
بالطبع، لا تزال تمثِّل صواریخ الکروز خیاراً جذاباً للسفن السطحیة والغواصات، وبصرف النظر عن الصواریخ المضادة للسفن، فإن صواریخ الکروز بعیدة المدى التی تهاجم أهدافاً أرضیةً، هی من بین الخیارات التی تستخدمها بعض الدول.
أمریکا وروسیا وفرنسا والصین، هی من بین الدول التی جهَّزت سفنها السطحیة بهذه الفئة من الصواریخ. وهناک عدة أنواع من صواریخ الکروز التی تهاجم أهدافاً أرضیةً، متاحة الیوم فی سوق التصدیر ویتم تقدیمها لعملاء مختلفین.
ومع ذلک، فإن مسألة حمل وإطلاق الصواریخ البالیستیة من علی متن السفن الحربیة، هی أکثر أهمیةً، وهناک دول قلیلة فی العالم تمکنت من دخول هذا النادی العسکری.
وبخصوص تحقیق القوات المسلحة الإیرانیة لهذه القدرة، کانت هناک تکهنات ومناقشات مختلفة، إلى أن أجرى قائد البحریة خلال الأیام القلیلة الماضیة مقابلةً مع إحدى وسائل الإعلام المحلیة، ظهرت فیها بوادر تغییر فی وجهة نظر القوات المسلحة الإیرانیة بشأن استخدام وتشغیل الصواریخ البالیستیة.
الأدمیرال "أمیر خانزادی" یعلن فی هذه المقابلة، أن "نوعاً آخر من هذا الصاروخ العمودی، والذی لیس بصاروخ کروز، هو من النوع البالیستی، وفی المستقبل سنستخدمه فی المدمرات الثقیلة والغواصات الأثقل، لأن لدینا أنواعاً مختلفةً من الصواریخ البالیستیة على الأرض، وحمل الصواریخ البالیستیة من الأرض على الغواصات لیس له حدود بالنسبة لنا".
وفی جزء آخر من تصریحاته حول صاروخ الکروز بعید المدى، قال قائد البحریة الإیرانیة: "إن صاروخ کروز البحری المسمى "أبو مهدی" الذی صمِّم للبحریة واختُبر بنجاح وحلَّق أکثر من ألف کیلومتر، صاروخ قابل للبرمجة، وهذا یعنی أنک إذا أردت أن یدور هذا الصاروخ فی نقطة ما، فیمکنه القیام بذلک والذهاب إلى الهدف وفقاً للخطة والاتجاه المحددین".
وبالنظر إلی أن صواریخ الکروز طویلة المدى الجدیدة للسفن الثقیلة السطحیة والغواصات التابعة لبحریة جیش جمهوریة إیران الإسلامیة، ستکون من نوع "أبو مهدی" الذی سبق أن ذکره قائد البحریة الإیرانیة، لکن مسألة الصواریخ البالیستیة فی السفن السطحیة وتحت السطحیة موضوع مختلف وجدید یحتاج إلى مزید من الاهتمام.
أیدٍ بالیستیة للسفن الجدیدة للبحریة الإیرانیة
تعدّ الصواریخ البالیستیة التی یتم إطلاقها من الغواصات قضیةً شائعةً وطویلة الأمد فی العالم، والتی سنناقشها لاحقاً، لکن القضیة الأقل شهرةً هی نقل الصواریخ البالیستیة وإطلاقها من السفن السطحیة.
وإذا أردنا العدّ رسمیاً، فلا یتم إطلاق أی صواریخ بالیستیة من السفن عملیاً، ولکن تم إجراء تجارب ناجحة فی هذا الصدد فی العالم.
فی عام 1947، أجرت أمریکا اختباراً من حاملة طائرات "میدوای" لصاروخ بالیستی من V-2 اغتنمتها من ألمانیا، تلاه حدیث عن تجهیز بعض السفن الحربیة وحاملات الطائرات القدیمة، ولکن تم نسیان هذه القضیة إلى الأبد مع تطویر الصواریخ التی تطلق من الغواصات.
وکانت الحالة التالیة هی محاولة الهند إطلاق صواریخ بالیستیة قصیرة المدى من سفن حربیة، حیث أجرى الهنود بین عامی 2009 و2018 سبعة اختبارات بصاروخ Dhanush البالیستی قصیر المدى على بحر البلطیق، وکان معظمها ناجحاً.
تم إجراء هذه الاختبارات من على سفن مختلفة، مثل سفن الدوریات من فئة "Sukanya" أو سفن "Rajput". یمکن أن یصل مدى هذا الصاروخ إلى 750 کم، اعتماداً على وزن الرأس الحربی، والذی یمکن أن یکون طبیعیاً أو نوویاً. بالطبع، فی النهایة، لم یسع الهنود إلى تنفیذ هذه الخطة.
ومن التجارب الأخرى التی شوهدت فی هذا المجال، هی الصواریخ التکتیکیة "لورا" التابعة للکیان الصهیونی، حیث تم اختبارها بالطبع من سفینة شحن مع وجود ناقلة ثقیلة متحرکة، وهذا الاختبار لا یندرج کثیراً فی هذه الفئة بسبب الاختلاف العام للسفینة.
فی الوقت نفسه، تعتقد بعض المصادر الصینیة أن السفن الحربیة الثقیلة من النوع "055" ستکون قادرةً على حمل وإطلاق صواریخ بالیستیة مضادة للسفن فی المستقبل. ولکن لا توجد معلومات محددة متاحة حتى الآن بهذا الشأن.
لکن بالنسبة للبحریة الإیرانیة ووصولها إلى مرحلة تجهیز السفن السطحیة بالصواریخ البالیستیة، فإننا نواجه تحدیات عدیدة، النقطة المهمة فی تصریحات قائد البحریة الإیرانیة، تتعلق باستخدام قاذفات عمودیة للسفن السطحیة لإطلاق صواریخ بالیستیة.
إن ما لوحظ حتى الآن فی تجارب الصواریخ البالیستیة حول العالم، هو حمل صاروخ على سفینة وإطلاقه. بطبیعة الحال، فإن ترکیب خلیة إطلاق عمودیة بحجم الصواریخ البالیستیة (حتى النماذج منخفضة المدى لصاروخ فاتح 110، على سبیل المثال)، کأحد أقصر الصواریخ الإیرانیة من حیث الطول وأصغرها قطراً، یتطلب مساحةً أکبر بکثیر من صواریخ الکروز أو الصواریخ المضادة للطائرات.
بالطبع، هذا الافتراض مخصص لهذا الصاروخ الصغیر فقط، وإذا تم استخدام صواریخ بالیستیة أکبر، فمن الواضح أنه سیتطلب تصمیماً جدیداً تماماً، وبالطبع کبیراً وثقیلاً للغایة.
والتحدی الآخر هو مسألة تدریب الطاقم فی مجال صیانة وتشغیل الصواریخ البالیستیة، والتی کانت موجودةً حتى الآن فی سلاح الجو التابع للحرس الثوری الإیرانی فقط، وتمت الآن إضافة البحریة إلیها.
یبدو أن الخطوة المنطقیة فی هذا الصدد، هی تصمیم جیل جدید من الصواریخ البالیستیة للعملیات البحریة. ویمکن رؤیة مثال على ذلک فی أنواع غواصات الإطلاق الأجنبیة، حیث یکون الصاروخ أصغر حجماً مقارنةً بنفس المدى والقدرة الاستیعابیة.
سیشکل هذا الأمر تحدیاً هندسیاً کبیراً للمصممین الإیرانیین، والذی إذا تحقَّق (وهو أمر ممکن بالنظر إلى خبرة القوات المسلحة وصناعة الدفاع الإیرانیة)، یمکن القول تقریباً إنه فی مجال الصواریخ العسکریة، فسیکون لإیران مکانة خاصة بین القوى العظمى فی مجال الصواریخ.
لکن فی مجال الصواریخ البالیستیة التی تطلق من الغواصات، فقد أثیرت قضایا أخرى. إن تحقیق هذه القدرة فی البحریة یعنی أن البحریة التابعة لجیش جمهوریة إیران الإسلامیة، باعتبارها القوة الأولى فی الجیش الإیرانی، ستکون مسؤولةً عن جزء من مهمة الردع الاستراتیجیة للبلاد، وهی القضیة التی کانت فی السابق فی أیدی القوات الجویة للحرس الثوری الإیرانی بشکل عام.
الدخول فی النقاش حول الغواصات التی تحمل صواریخ بالیستیة له إیجابیاته، وبالطبع بعض التحدیات أیضاً.
تمتلک الغواصات التی تحمل صواریخ بالیستیة أعلى معدلات البقاء على قید الحیاة ضد هجوم مضاد للعدو، کما أن دولاً مثل روسیا والصین وأمریکا على سبیل المثال، والتی لدیها حالیاً مجموعة واسعة من الصواریخ البالیستیة الثابتة والمتحرکة تحت الأرض، إضافة إلى القاذفات الاستراتیجیة المجهزة بصواریخ الکروز، وهی تتمتع فی نفس الوقت بجغرافیا واسعة جداً، لا تزال تعتبر الغواصات النوویة التی تحمل صواریخ بالیستیة أحد عناصر الردع الرئیسة، والجزء الأکثر قوةً للمقاومة أمام الأعداء.
بالطبع، هذا المستوى العالی من الردع المتبادل لا یتحقق بسهولة، ویتطلب مستوى عالیاً من التکنولوجیا، وخاصةً فی مجال التخفی، بما فی ذلک تقلیل الإشارات الصوتیة من کل من الجسم ومراوح نظام الدفع.
والنقاش التالی هو أنه عادةً بسبب حجمها ووزنها الأکبر والحاجة إلى البقاء فی الماء بشکل أعمق، فإن الدولة التی تخطط للوصول إلى الغواصات التی تحمل الصواریخ البالیستیة، ستحتاج فی النهایة إلى مسألة المفاعلات النوویة لتشغیل سفنها.
ستکون هذه الفئة من الغواصات قابلةً للتشغیل أیضاً باستخدام الدفع الإلکترونی بالدیزل، لکن قضایا مثل کمیة الصواریخ المحمولة أو الحیاة تحت الماء، ستکون أقل بکثیر من الغواصة النوویة.
إن مسألة أنظمة الاتصالات وأنظمة الإطلاق العمودی البارد للصواریخ التی تُطلق من الغواصات، والتی تشمل تغطیة الصاروخ بطبقة من الهواء حتى یخرج تحت الماء، وتطویر خلائط خاصة لتحمُّل ضغط المیاه فی أعماق کبیرة، والعدید من القضایا الأخرى التی لا تسعها صفحات هذا المقال، جعلت الصواریخ البالیستیة التی تحمل الغواصات إلى واحدة من أعقد الآلات التی صنعها الإنسان حتى الآن.
فی الواقع، یجب القول إن ما خططت له البحریة التابعة لجیش جمهوریة إیران الإسلامیة، هو الوصول إلى نهایة العلوم البحریة فی العدید من المجالات، ویعتبر ثورةً تکنولوجیةً فی إیران.
والمنتج النهائی لهذا المشروع هو فی الواقع ثورة تکنولوجیة لیس فقط للقوة البحریة أو الدفاعیة، ولکن للصناعة الإیرانیة بأکملها، ویضع جمهوریة إیران الإسلامیة فی طلیعة العالم فی العدید من التقنیات الحدیثة.
