لماذا تحاول أنقرة تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی؟
کشفت وسائل الإعلام الدولیة والمحلیة عن جهود یبذلها المسؤولون الأتراک لتطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی وتقدیم "افق أولوتاش" کسفیر جدید لأنقرة فی تل أبیب، کما قیل إن الرئیس الأمریکی المنتخب جو بایدن سیرحب بخطوة أنقرة هذه. و أن صمت المسؤولین الأتراک بدّل هذه التکهنات الى یقین، حیث کان هذا أحد الأسئلة التی طرحتها أحزاب المعارضة على وزیر الخارجیة الترکی مولود تشاویش اغلو حین وجوده فی البرلمان أثناء مناقشة مشروع الموازنة العامة.
على الرغم من أن مولود تشاویش أغلو نفى فی جملة قصیرة تعیین سفیر فی تل أبیب وأکد أنه فی حالة حدوث مثل هذا الإجراء، سینشر فی وسائل الإعلام ، لکن ردة فعله کانت فی الواقع هروباً إلى الأمام وکاشفاً لحقیقة أن أنقرة تمهد الطریق لتطبیع علاقاتها السیاسیة مع الکیان الصهیونی وربما تنتظر تخطی المراحل الإداریة.
بینما لا تزال مزاعم المصادر الصهیونیة حول أن جهود باکو ووساطتها بین أنقرة وتل أبیب لم تحذف بعد من صفحات وسائل الإعلام. ملأت تصریحات یاسین أقطای مستشار رئیس ترکیا وتصریحات أردوغان أمس صفحات وسائل الإعلام. وأظهرت بوضوح تحرکات ترکیا لإعادة بناء العلاقات السیاسیة.
وأشار أقطای إلى خطة ترکیا لاستعادة العلاقات مع الکیان الصهیونی کما السابق، مؤکدا ان ترکیا ترغب بتطبیع علاقاتها حتى شهر مارس وشراء السلاح من تل ابیب. کما ان أردوغان أشار فی معرض رده على سؤال احد الصحفیین فی اسطنبول یوم الجمعة إلى استمرار العلاقات الاستخباراتیة الترکیة مع الکیان الصهیونی. وقال: "نتمنى أن تصل العلاقات بین الجانبین إلى نقطة أفضل من الوضع الحالی". وأشار إلى أن "سیاسة الکیان الصهیونی تجاه فلسطین هی خط أحمر بالنسبة لنا وقبول سیاسته فی فلسطین غیر ممکنة لنا. نتمنى أن تصل علاقتنا إلى نقطة جیدة".
عندما نقارن سلوک ترکیا الیوم مع سلوک بعض الدول العربیة فی المنطقة، التی تحاول تتسابق فیما بینها فی تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی. لا یلاحظ أی فرق ویمکن القول أن کل هذه الإجراءات تتم فی أحجیة واحدة.
فمن جهة، تلقی ترکیا اللوم على مختلف الدول العربیة لماذا تخلت عن حقوق الشعب الفلسطینی من خلال إقامة علاقة سیاسیة مع الکیان الصهیونی واتخاذ خطوات لتقویة هذا الکیان الغاصب، ومن جهة أخرى، فإنها تتبع نفس المسار. وبعد عامین تقوم بتعیین سفیر لدى الکیان الصهیونی.
والسؤال هنا من وجهة نظر ترکیا ما الفرق بین خطوتها وخطوتی السودان والإمارات؟ هل قضیة فلسطین خرجت من الخط الأحمر الترکی؟ هل ندم الصهاینة على نقل سفارتهم إلى القدس أم نسیت النساء والأطفال الفلسطینیون صرخات السلطات الترکیة بوجه الصهاینة الذین یریدون الیوم عودة علاقاتهم إلى وضعها السابق؟
ألا یعنی ما تقوم به ترکیا الیوم استهزاء بالرأی العام الداخلی، الذی ملأ صراخ قادته فی یوم من الأیام الدنیا برمتها عندما وصفوا الصهاینة بالظالمین، وفی یوم آخر یرغبون فی تحسین العلاقات؟ ألم تصل رسالة إسماعیل هنیة الى الرئیس الترکی والتی ارسلها إلى زعماء 30 دولة إسلامیة، بمن فیهم أردوغان، یعبر فیها عن استیائه وقلقه من تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی من قبل قادة الدول الإسلامیة؟
هل تخشى ترکیا مثلها مثل بعض الدول العربیة ومنها السعودیة من انتخاب بایدن لرئاسة أمریکا وتحاول استخدام اللوبی الصهیونی للمساعدة فی تحسین العلاقات مع الولایات المتحدة فی المرحلة الجدیدة من خلال تطبیع علاقاتها مع تل أبیب؟
إذا شن الصهاینة، بعد إقامة علاقة سیاسیة بین الجانبین، هجمات جدیدة على فلسطین. بأی دلیل سیدافع القادة الأتراک عن شعب فلسطین المظلوم؟ ألا یحق للإسلامیین الأتراک التشکیک فی صدق قادتهم؟ وعشرات الأسئلة الأخرى التی بقیت دون إجابة.
إن محاولة ترکیا تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی، تحت أی مبرر وذریعة ، تثیر السؤال التالی فی أذهان العالم الإسلامی، هل یؤمن المسؤولون السیاسیون الأتراک بالقضیة الفلسطینیة وتحریر القدس أم یستغلون العنصر الفلسطینی وإیدیولوجیته للمضی بأهدافهم؟
ألا تحدث هذه الخطوة خللاً فی الرأی العام الترکی، بأن طبیعة تلک الخطابات الناریة وتجمعات الآلاف من المؤیدین للشعب الفلسطینی لم تکن بسبب حبهم، بل بهدف صرف الرأی العام عن المشاکل الداخلیة والإقلیمیة، وفی نهایة المطاف إدارة وإعادة بناء الموقف الداخلی؟
لقد أثبت التاریخ أن الدول التی تبنت سیاسات قصیرة الأمد ویومیة وتعاملت مع الآخرین على أساس الظروف الیومیة محکوم علیها بالفشل لأنها هیأت ارضیة التوسع واستعراض القوة للمتغطرسین عبر التاریخ وستغضب علیها الأجیال القادمة.
یتوقع الیوم من قادة ترکیا کدولة مهمة ومؤثرة فی العالم الإسلامی، الاستمرار فی اعتبار السیاسة الصهیونیة تجاه فلسطین خطاً أحمراً بالنسبة لها. وألا تضحی بتطلعات فلسطین والقدس الشریف من أجل المصلحة الآنیة ولقصیرة الأمد، وان تعلم أن التحالف مع الصهاینة لن یکون حلاً لمشاکلها الداخلیة والإقلیمیة مع الغرب. وإن تقارب وتآزر الدول الإسلامیة هو وصفة العلاج الوحیدة لمشاکلها، وعقد الآمال على اللوبیات الصهیونیة والغربیة لتحقیق الأهداف والبقاء فی مأمن من الأعمال الشریرة للقوى العظمى لا یحمی فحسب، بل یشوه أیضاً قیمة ومکانة القادة الإسلامیین لدى الرأی العام.
