4 نقاط رئیسة حول العرض الأمریکی الجدید للرئیس الأسد
بینما أدى التدخل الأجنبی العلنی والسری فی تطورات لبنان، طوال السنوات والأشهر الماضیة إلى تفاقم الأزمة السیاسیة والاقتصادیة فی هذا البل ، حاولت واشنطن دائما رکوب الموجة السیاسیة والدعایة واستغلال الاحتجاجات اللبنانیة باعتبارها منصة لتعویض الهزائم التی تلقتها من محور للمقاومة فی تطورات المنطقة، ومع ذلک ، فإن عملیات الکشف التی تتم عن دور البیت الأبیض خلف الکوالیس فی تطورات هذا البلد کانت دائما عاملاً مهما فی تسلیط الضوء على تناقض الأقوال والأفعال الأمریکیة لدى الرأی العام اللبنانی. على سبیل المثال، فی وقت تتهم فیه أمریکا حزب الله مرارا بعرقلة تشکیل حکومة جدیدة، بعد الإعلان عن خطة فرنسا لتشکیل حکومة بسرعة وتفاؤل اللبنانیین فی ملء الفراغ فی السلطة، اتضح أن البیت الأبیض عارض خطة ماکرون ما ادى الى فشلها.
ولا تزال هذه التدخلات متواصلة، ففی هذا الصدد نقلت وسائل إعلام لبنانیة عن رئیس حزب التوحید العربی اللبنانی وئام وهاب قوله إن أمریکا والکیان الصهیونی عرضا على الرئیس الاسد مقترح إعادة النفوذ فی لبنان والسیطرة على ادلب واعادة اعمار هذا البلد بشرط أن تتخلى الحکومة السوریة عن هضبة الجولان المحتلة، الاقتراح الذی رفضه بالطبع الرئیس السوری بشار الأسد.
ورغم أن مثل هذه الاقتراحات لیست جدیدة، کانت واشنطن قد عرضت فی السابق على الرئیس بشار الأسد البقاء فی السلطة بشرط إنهاء تحالفه مع محور المقاومة، إلا أن الکشف الأخیر یثبت بالکامل النظرة الاستعماریة الأمریکیة المتساویة لدول المنطقة التی لها نفوذ فیها. إذ إن منح سوریا وجوداً ونفوذًاً فی لبنان هو انتهاک لسیادة هذا البلد الوطنیة کما أن الوجود العسکری الأمریکی غیر القانونی والمتسلط فی العراق وسوریا یتعارض مع المعاییر الدولیة فی ضرورة احترام السیادة الإقلیمیة للدول.
یمکن رؤیة رفض هذه النظرة الصهیونیة لحکام البیت الأبیض بشکل أوضح فی تطورات فلسطین. فإضافة إلى الاعتراف بالقدس المحتلة کعاصمة للکیان الصهیونی ونقل السفارة، حدد البیت الأبیض فی الأشهر الأخیرة، المستوطنات غیر القانونیة فی الضفة الغربیة ومرتفعات الجولان کأراضٍ إسرائیلیة، وبالنظر إلى الاتجاهات الحالیة، من المرجح أن یکرر البیت الأبیض تلک الاجراءات تجاه مزارع شبعا اللبنانیة ومناطق الباقورة والغمر فی الأردن المحتلة من قبل الصهاینة.
من ناحیة أخرى، فإن اقتراح تهیئة الظروف لدول أخرى للتأثیر على الوضع فی لبنان یعنی اطلاق ید الکیان الصهیونی باعتباره الحلیف الأهم لواشنطن فی المنطقة والعدو الرئیس لمصالح الشعب والدولة اللبنانیة، التفجیر المشبوه فی میناء بیروت، والذی أطاح بحکومة حسان دیاب وخلق فراغا سیاسیا لعدة أشهر، فضلاً عن عقوبات اقتصادیة على البنوک اللبنانیة والضغط على 14 آذار لعدم التحالف مع حزب الله، تأتی جمیعها فی ظل اوضاع لبنان المضطربة ومن أجل اجبار بیروت على التفاوض مع الکیان الصهیونی حول ترسیم الحدود لتحدید مصادر الغاز فی البحر الأبیض المتوسط ، حتى یتمکن الکیان الصهیونی من صید سمکته الکبیرة من میاه التطورات اللبنانیة العکرة.
البعد الثالث لأهمیة العرض الأمریکی لسوریا هو أن أسباب الضغط الأمریکی المکثف بمساعدة الحلفاء الإقلیمیین لنزع سلاح المقاومة فی لبنان أصبحت ملموسة أکثر، القوة العسکریة لحزب الله والقوة الرادعة التی خلقتها المقاومة فی لبنان ضد الکیان الصهیونی هی أهم عقبة أمام تنفیذ المخططات الاستعماریة الأمریکیة فی لبنان، وهذا هو السبب الرئیس للهجوم الإعلامی الکبیر والضغط السیاسی والاقتصادی لتطبیق نزع سلاح لبنان تحت غطاء الشعارات السلمیة، وعلى الرغم من الإعلان الرسمی عن ضم هضبة الجولان، إلا أن أمریکا والکیان الصهیونی لا یثقان باستقرار هذا الوضع، فمن خلال الاقتراح الأخیر یظهران مدى خوفهما من قوة محور المقاومة بشأن التطورات المستقبلیة فی الجولان المحتل، لکن یجب النظر إلى البعد الرابع لأهمیة الکشف الأخیر، فی اعتراف البیت الأبیض بتورطه فی التخطیط لاستمرار الأزمة السوریة. ففی الوقت الحالی، أعاقت الدول الغربیة، بذرائع مختلفة وتحت غطاء الشعارات الإنسانیة، تحرک الحکومة السوریة لطرد الإرهابیین الأجانب من إدلب (باعتبارها آخر معقل رئیس للإرهاب فی سوریا)، ومن ناحیة أخرى فرضت عقوبات واسعة على دمشق لعرقلة مسار إعادة الإعمار فی المناطق التی دمرتها الحرب وعودة النازحین إلى وطنهم، کما ان أمریکا ودولاً غربیة أخرى تقوم بهذه الاجراءات تحت مظلة دعم الشعب السوری، بینما تعتبر نفسها وراء الکوالیس المسؤول عن مصیر الشعب، وللمضی بمصالحهم الخاصة قدماً، تضع مصیر الشعبین السوری واللبنانی کورقة مساومة على طاولة المفاوضات.