خبیر وکاتب فرنسی: لقد أثبتت أمریکا أنها غیر قادرة على تقلیص نفوذ إیران
کتب "جان بییر فیلیو"، المؤرخ والأستاذ بجامعة باریس للدراسات السیاسیة والمتخصص فی شؤون غرب آسیا: "أظهر عام 2020 أن تناقص الوجود الأمریکی فی الشرق الأوسط أصبح له اتجاه نزولی لا رجوع فیه". وأضاف: "إن قرارات وتحرکات دونالد ترامب الغبیة فی منطقة الشرق الأوسط أدت إلى التلاشی التدریجی للوجود الأمریکی فی المنطقة، وسیستمر هذا الاتجاه النزولی بلا رجعة" وأشار هذا الخبیر الفرنسی إلى أن عام 2020 شهد العدید من الاحداث المهمة فی منطقة الشرق الاوسط ومن أبرزها إقامة علاقات رسمیة بین إسرائیل والإمارات والبحرین وهذا "التطبیع" للعلاقات یعنی إصرارًا مشترکًا من تلک الدول على مواجهة التهدید الذی یشکله الإخوان المسلمون وبعض دول المنطقة حسب قوله.
وفی عام 2020، واصلت ترکیا من طموحاتها السیاسیة بإرسال مرتزقة من الجبهتین السوریة والکردیة إلى لیبیا والقوقاز. وفی أوائل عام 2020 ، ادعى "دونالد ترامب" أنه أبرم صفقة تجاریة کبیرة عُرفت باسم "صفقة القرن" لحل النزاع الإسرائیلی الفلسطینی. ونتیجة لمثل هذه الصفقة، إذا تم تنفیذها، ستکون فلسطین عبارة عن دولة صغیرة فی خریطة العالم، والتی ستنفصل عنها أجزاء کبیرة من الأراضی الغربیة وتنضم إلى إسرائیل. ووفقًا للبیت الأبیض، فإن عشرات الملیارات من الدولارات اللازمة لتنفیذ "صفقة القرن" هذه یجب أن یدفعها الأوروبیون والدول الغنیة بالنفط فی المنطقة. ولکن عدم التوازن فی هذه المقترحات واحتکار "ترامب" لبعض بنود هذه الصفقة، لم یؤد فقط إلى إثارة المعارضة الفلسطینیة، ولکن أیضًا جعل سیاسیة أمریکا سلبیة تمامًا فی عملیة السلام فی منطقة الشرق الأوسط.
وعلى صعید متصل، تحدث الخبیر الفرنسی "بییر فیلیو" حول عملیة اغتیال اللواء الشهید "قاسم سلیمانی" والهجوم الإیرانی الانتقامی على قاعدة عین الأسد، وکتب: "إنه فی النهایة، لم تستطع الولایات المتحدة تقلیص نفوذ إیران المتزاید فی العراق. وبالنظر إلى هذا العجز، قررت إسرائیل والإمارات الاعتراف بتعاونهما. لکن محمد بن زاید آل نهیان، الشخصیة الرئیسیة فی السیاسة الإماراتیة، لم یرغب حتى فی الذهاب بنفسه إلى واشنطن لتوقیع الاتفاقیة".
وأکد هذا الخبیر الفرنسی إلى أن أی تصعید قادم بین واشنطن وطهران، قد یهدد خمسة آلاف جندی أمریکی فی العراق، ویحولهم إلى رهائن محتملین. وقال الخبیر الفرنسی "جان بییر فیلو"، الأستاذ فی تاریخ الشرق الأوسط: "انتهى الصراع المفتوح بین الولایات المتحدة وإیران الذی بدأ فی 27 کانون الأول فی العراق وانتهى فی 8 کانون الثانی بانتصار لا یمکن إنکاره لطهران". ولفت إلى أنه "لا یمکن للبیت الأبیض، المحاصر فی العراق بسبب وجود ساحق فی القوة لصالح إیران، أن یستعید سیطرته فقط عن طریق التصعید الإقلیمی، حیث سیصاحب المکاسب العسکریة المحتملة عواقب سیاسیة واقتصادیة مدمرة". وأکد الکاتب أنه "مع انتصار إیران فی هذه المرحلة، یجب تعلم عدد من الدروس الرئیسیة". ویقول: إن هذه الحرب القصیرة الأمد "کرست الواقع الجیوسیاسی الجدید، حیث تقلص التدخل الأمریکی فی الشرق الأوسط، وفقدت واشنطن حصتها فی مواجهة قوة إیرانیة جذرت نفوذها فی العراق". وقال الکاتب: إن الضربة الإیرانیة التی وقعت فی 8 ینایر/ کانون الثانی، واستهدفت أیضا قاعدة أمریکیة فی کردستان العراق، جعلت البنتاجون یخطط للتراجع إذا تفاقم الوضع فی بقیة البلاد.
إن تطبیع العلاقات الإماراتیة مع إسرائیل لا یضاهی أی تطبیع آخر، فقد حصل المغرب والسودان والبحرین على مکافآت من الولایات المتحدة مقابل تطبیع علاقاتها مع إسرائیل، حیث حصل المغرب على السیادة على الصحراء الغربیة، وتم رفع السودان من قائمة الإرهاب، وأخیراً تم إعطاء البحرین الضوء الاخضر للاستمرار فی عملیات القمع ضد معارضیها. لکن العلاقة بین إسرائیل والإمارات کانت مختلفة تماماً، حیث إنه إضافة إلى التبادلات الاقتصادیة والفنیة العدیدة، فإن التعاون الوثیق بین القوات الخاصة ووکالات الاستخبارات التابعة لدولة الإمارات العربیة المتحدة، تنامى بشکل کبیر وکان لها وجود نشط فی الیمن ولیبیا، وأصبح لدى أبو ظبی وتل أبیب عدد من القواعد البحریة فی البحر الأحمر على طول المحیط الهندی.
ولفت هذا الخبیر الفرنسی أن روسیا، على الرغم من وجودها النشط فی سوریا، والصین، على الرغم من استثماراتها الکبیرة فی المنطقة ، لم تتمکنا حتى الآن على ملء الفراغ الاستراتیجی الذی خلفه الغیاب الأمریکی فی المنطقة. إن المشکلة هی أنه لا موسکو ولا بکین قادرة على تطبیق آلیة متماسکة للقوة والنفوذ فی منطقة الشرق الأوسط. حیث تعتمد روسیا فقط على القوة العسکریة والصین على النشاط الاقتصادی فقط. ولکن لا یمکن لأی من هذین العاملین وحدهما ردم هذه الحفرة العمیقة والخطیرة فی منطقة الشرق الأوسط.
بطبیعة الحال، ربما یکون الاتحاد الأوروبی قادراً على التوصل إلى مشروع متماسک طویل الأجل قائم على القانون الدولی وسیادة القانون والتنمیة الاقتصادیة، لکنه أیضًا غیر قادر على الظهور على المسرح الدولی کقوة رئیسیة وبالتالی فإنه غیر قادر على القیام بذلک فی منطقة الشرق الأوسط.