العراق.. تشیرنوبیل الأمریکیة فی الشرق الأوسط
رغم مرور سنوات على الغزو العسکری الأمریکی للعراق عام 2003 بمبررات کاذبة مثل تدمیر أسلحة الدمار الشامل، إلا أن الأبعاد المختلفة للجرائم العسکریة الأمریکیة ضد الشعب العراقی لم یتم الکشف عنها بالکامل، حیث تظهر بین الحین والآخر صفحة جدیدة من الملف الکبیر للعواقب المدمرة لهذه الحرب والقتل الصامت والتدریجی للمواطنین العراقیین على ید الجیش الأمریکی.
دعوى عراقیة ضد أمریکا فی محکمة سویدیة خاصة
ومنذ شهر، أفادت مصادر طبیة عراقیة مرة أخرى عن مقتل أطفال عراقیین بسبب استخدام أسلحة محظورة خلال الحرب التی قادتها الولایات المتحدة ضد بلادهم.
لکن فی الوقت الراهن، فقد أعلن مستشار لجنة العلاقات الخارجیة النیابیة هاتف الرکابی، یوم الثلاثاء، أنه تم رفع دعوى قضائیة أمام محکمة سویدیة خاصة تطلب تلقی تعویضات عن الإشعاع النووی الناجم عن الحروب السابقة ضد العراق.
وبحسب التقریر الذی طرحه الرکابی فی مجلس النواب العراقی، فإن أمریکا استهدفت العراقیین ثلاث مرات فی أعوام 1991 و 1999 و 2003. بالإضافة إلى ذلک، هاجم الکیان الإسرائیلی مفاعل تموز العراقی عام 1981 حیث تسببت الهجمات فی مقتل مئات الآلاف من العراقیین بسبب التعرض للإشعاع وظهور سرطانات مختلفة وجلطات دماغیة، فضلاً عن ولادة أطفال مشوهین، ولا تزال الأرضی العراقیة متأثرة بالإشعاع.
ودعا المسؤول العراقی "جمیع المنظمات البیئیة ومن لدیه معلومات حول التلوث الإشعاعی وآثار الیورانیوم المنضب إلى إبلاغ الفریق القانونی".
وأضاف: "فی إطار هذه الشکوى ، تم الاتصال بأکادیمیین عراقیین یعیشون فی فرنسا وکندا والدنمارک وبلجیکا، واعلنوا استعدادهم لتقدیم المساعدة فی اطار فریق من المحامین فی محاولة لإصدار قرار من مجلس الأمن لتعویض العراق عن الخسائر الناجمة عن تدمیر المنشآت النوویة فی البلاد".
وقال الرکابی لصحیفة الصباح العراقیة، إن المأساة الکبرى هی أن النظام العراقی لم یفعل أی شیء خلال کل هذه السنوات ، ولم یطهر البلاد من التلوث، ولم یطلب من المجتمع الدولی إجبار الولایات المتحدة حلفائها إلى تطهیر العراق أو تعویضه.
وثائق على استخدام أمریکا للیورانیوم المنضب
غزت الولایات المتحدة وحلفاؤها العراق فی عام 2003 ، بمزاعم تدمیر أسلحة الدمار الشامل، ولکن لم تکن هذه الأسلحة موجودة بالفعل فحسب، بل أظهرت الأبحاث أن الولایات المتحدة وحلفائها استخدموا أسلحة الیورانیوم فی الهجوم.
تشیر الإحصائیات الصادرة عن المستشفیات العراقیة، وخاصة فی الفلوجة والبصرة والنجف، إلى ارتفاع معدل الموالید المشوهین طیلة هذه السنین ، کما أن أمراضًا مختلفة مثل سرطان الدم وأنواع السرطان الأخرى تظهر بشکل مقلق عند الرضع فی البصرة والفلوجة.
وقال "احمد مخلف حماد" مدیر الشؤون الاعلامیة فی مستشفى الفلوجة مرکز محافظة الانبار غربی العراق أنه رغم مرور ستة عشر عاما على الحرب ، یولد أکثر من ألف طفل عراقی کل عام فی مدینة الفلوجة مشوهین بسبب استخدام أمریکا لأسلحة محظورة على مستوى العالم.
وأضاف أن "الفسفور الأبیض" والأسلحة الفتاکة الأخرى التی استخدمها الجیش الأمریکی فی الحرب ضد العراق ما زالت لها آثار مدمرة على شعبنا.
وذکر حماد أن تشوهات خلقیة ووراثیة عالیة المستوى ظهرت فی الفلوجة بعد خمس سنوات من الحرب ، وأن ما لا یقل عن 1000 طفل عراقی یولد مشوهاً کل عام بسبب الیورانیوم المنضب والفوسفور الأبیض أثناء الحرب الهجوم الأمریکی على هذه المدینة فی عام 2004 و فی عام 2005.
جریمة أمریکا الصامتة فی العراق
إلى جانب العراقیین ، نشرت منظمات ومؤسسات دولیة مختلفة نتائج أبحاثها حول استخدام الولایات المتحدة للأسلحة المحظورة فی العراق فی السنوات الأخیرة ، وأیدت استخدام الیورانیوم المنضب فی الحرب ضد المدنیین.
وفی هذا السیاق، ذکرت مؤسسة "بیس جروب" الهولندیة قبل بضع سنوات أن الإشعاع الذی استخدمه الأمریکیون فی الأسلحة غیر التقلیدیة فی العراق کان أعلى بعدة مرات من الانفجار فی محطة تشیرنوبیل للطاقة النوویة فی روسیا.
وبحسب التقریر، فإن نحو 60 فی المائة من العائلات فی مختلف المدن العراقیة تتعرض لواحد من أکثر أنواع ملوثات الیورانیوم والکیماویات شیوعاً، اذ تعتبر هذه القضیة التحدی الصحی الأکبر للعراق.
وفی اکتوبر 2016، حصلت ما یسمى بـ "شبکة المعلومات الإقلیمیة الشاملة" ومقرها نیروبی ، وسط کینیا ، على وثائق جدیدة لانتهاکات الولایات المتحدة للقانون الدولی لم تُنشر من قبل. وکانت هذه الوثائق نتیجة لتقاریر وتحلیل للعینات تم وضعها فی متناول جامعة جورج واشنطن فی عام 2003 ، لکن النتائج ظلت سریة.
وتشیر هذه الوثائق إلى أن الجیش الأمریکی استخدم طائرات مقاتلة من طراز A-10 ما لا یقل عن 116 مرة لاستهداف أهداف عسکریة سهلة، مثل المقرات والمرکبات والشاحنات، بأسلحة تحتوی على الیورانیوم المنضب. من ناحیة أخرى، تحدثت تقاریر المنظمات غیر الحکومیة والطبیة المحلیة والدولیة حول حالات الاصابة بالسرطان فی بعض المحافظات العراقیة عن استخدام أمریکا للأسلحة المحظورة فی الحرب ضد العراق.
تُظهر هذه الوثائق استخدام الیورانیوم المنضب ضد العراقیین أن الولایات المتحدة، بصفتها الدولة الوحیدة التی استخدمت الأسلحة النوویة فی الحرب، لم توقف هذه العملیة ولا تزال تواصلها بأشکال أخرى.