تطورات فلسطین عام 2020 فی لمحة.. بین الکشف عن صفقة القرن وتطبیع بعض الأنظمة العربیة
کان عام 2020 من أکثر الأعوام تقلباً فی القرن الحادی والعشرین بالنسبة لفلسطین. فشهد هذا العام العدید من التقلبات التی لم یسبق لها مثیل خلال عام واحد، حیث وقعت فی هذا العام أحداث متناقضة تماما فی الساحة الفلسطینیة، وأبقت جناحی التسویة والمقاومة فی جبهتین متقاربتین تماما ومتباعدتین عن بعضهما البعض.
الکشف عن وثیقة صفقة القرن واتحاد الفلسطینیین
رافق بدایة عام 2020 کشف دونالد ترامب عن وثیقة صفقة القرن. اذ إن الکشف عن هذه الوثیقة یعنی عزم ترامب الجاد على تنفیذ هذه الخطة المناهضة للفلسطینیین فی فلسطین والمنطقة. ومع کشف النقاب عن الوثیقة السیاسیة لصفقة القرن ، تم عزل الفلسطینیین المساومین الذین کانوا یتفاوضون مع الصهاینة لسنوات، وألقیت جمیع الاتفاقیات طوال ثلاثة عقود من المفاوضات فی المزبلة. هذا النهج الأمریکی والصهیونی تجاه المساومین الفلسطینیین جاء فی وقت تراجعوا فیه مرارا عن مطالب الشعب الفلسطینی.
أدت الإطاحة بالمساومین الفلسطینیین، لأول مرة، إلى التفاف جمیع الفصائل الفلسطینیة لتشکیل قیادة فلسطینیة مشترکة ووضع استراتیجیة وطنیة لتحریر فلسطین. ومع عقد لقاءات الوحدة بین الفصائل الفلسطینیة، أعید إحیاء ملف "المصالحة الوطنیة الفلسطینیة" وتشکیل مجموعات عمل وطنیة بمشارکة کافة الفصائل الفلسطینیة فی صیف 2020 لتنظیم مصالحة وطنیة تماشیا مع نفس الهدف المتمثل فی إرساء قیادة فلسطینیة واستراتیجیة وطنیة. لکن مع نهایة صیف عام 2020 واحتمال فوز جو بایدن فی الانتخابات الرئاسیة الأمریکیة ، تفاءلت نظرة المساومة مرة أخرى فی استمرار محادثات التسویة وترکت طاولة المصالحة الوطنیة الفلسطینیة.
والآن فی الأیام الأولى من عام 2021 ، یضیعون الوقت فی انتظار وصول جو بایدن إلى السلطة للذهاب إلى طاولة المفاوضات التی لم ینتج عنها طوال ثلاثة عقود سوى التراجع عن مواقفهم ومطالبهم.
محاولة الکیان الصهیونی ضم الضفة الغربیة إلى أراضی عام 1948
فی ربیع عام 2020 ، أجرى الکیان الصهیونی انتخاباته الثالثة على التوالی بعد فشلین فی تشکیل الحکومة فی عام 2019. ففی أعقاب تلک الانتخابات فی نیسان 2020 ، توحد فصیلان متنافسان ، أی تحالف الیمین بقیادة بنیامین نتنیاهو وائتلاف الیسار والوسط بقیادة بنی غانتس، بشکل غیر متوقع. وبینما تشکل هذا التحالف بإصرار ووساطة مسؤولین آخرین مثل رئیس الکیان الصهیونی، وبحجة الأزمة التی سببها کورونا، کان الطرفان یستهدفان بعضهما الآخر.
وبتشکیل حکومة یمکن تسمیتها حکومة اضداد ، ذهب نتنیاهو ، الذی وعد فی شعاراته الانتخابیة الیمین والمتطرفین الدینیین بضم الضفة الغربیة ، لتنفیذ هذا الوعد. حیث أشعلت محاولات الصهاینة موجة معارضة بین الجناح الغربی، ما أدى بشکل فعال إلى فتح وتوسیع الصدع الذی کان یتم الحدیث عنه فی السابق بشکل اقل.
وأثار التصریح عن نیة الصهاینة البدء بضم الضفة الغربیة إلى أراضی عام 1948 موجة معارضة أهمها حدثت فی دول إسلامیة وعربیة وتیارات مرافقة للغرب ووضعها امام مفترق طرق.
من ناحیة ، کان علیهم الحفاظ على الرأی العام فی الدول العربیة والإسلامیة من خلال التظاهر بدعم فلسطین، ومن ناحیة أخرى ، کان علیهم اتباع أسیادهم الغربیین. ومع ذلک کان هناک خلاف حاد بین الغرب حول هذه القضیة ، وحتى داخل أمریکا نفسها ، تم التعبیر عن موقفین متعارضین تماما بشأن الضم.
وأثر عزم الصهاینة على الضم بشدة على الفلسطینیین. فأعلنت فصائل المقاومة معارضتها لهذا العمل وهددت الصهاینة برد فعل إذا تم تنفیذ هذه الخطة ، واکدت على موقفها الدائم بأن الصهاینة لا یفهمون سوى لغة القوة ، واعلنوا للجمیع أن سبب تجرأ الصهاینة على هذا العمل هو استمرار التسویة وتوجه الفلسطینیین المساومین الى طاولة المفاوضات.
کما کان هناک خلاف حاد بین المساومین الفلسطینیین، الذین خلصوا إلى أنهم إذا أصروا على نهجهم السابق ، فسیتم طردهم قریبا من الضفة الغربیة التی تحاصرها المستوطنات الصهیونیة.
أدت محاولات ضم الضفة الغربیة إلى قیام السلطة الفلسطینیة بقطع العلاقات مع الکیان الصهیونی. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء شکلی وتم فی فترة زمنیة قصیرة، خلق نوعا من القیود فی التعاون الأمنی ولم یتسبب فی قطع هذه العلاقات تماما، إلا أن هذا التقیید للتعاون الأمنی من قبل السلطة الفلسطینیة مع الصهاینة کان إجراء لم یتم تطبیقه عملیاً من قبل الى هذا الحد أبدا وتمتع بأهمیة بالغة. لدرجة أنه أجبر الصهاینة على اتخاذ إجراءات لإعادتها، مثل کتابة رسالة طلب إلى أبو مازن من قبل قائد قطاع الضفة الغربیة فی الجیش الصهیونی.
لکن جدیة الصهاینة فی تنفیذ خطة الضم، إضافة إلى قطع العلاقات، قرّبت السلطة الفلسطینیة من المصالحة الوطنیة والوحدة مع فصائل المقاومة، وکانت احدى دوافع رام الله الجادة لعقد لقاء لبنان – رام الله المشترک. والذی جرى عقب تطبیع الامارات العلاقات مع الکیان الصهیونی.
تطبیع العلاقات بین الدول العربیة وإثبات شرعیة المقاومة
کان من الأحداث المهمة على الساحة الفلسطینیة بدایة عملیة جدیدة لتطبیع العلاقات بین الدول العربیة والکیان الصهیونی. ما حدث فی شکل تطبیع للعلاقات مع الکیان الصهیونی من قبل بعض الدول العربیة وعلى رأسها الإمارات العربیة المتحدة ، کان فی الواقع اعلان للعلاقات التی کانت مستمرة طوال العقدین الماضیین. کانت علاقات الکیان الصهیونی الواسعة مع المسؤولین فی الإمارات والبحرین والسعودیة وعمان والسودان والمغرب وقطر موضوع تغطیة إعلامیة إقلیمیة على مدى العقد الماضی ، والتی کانت تنشرها بشکل أساسی مصادر صهیونیة. حیث کان تواجد الفرق الریاضیة والوفود الأکادیمیة والعلمیة على ما یبدو جزءا من هذا المشروع، الذی أصبح علنیاً بالکامل فی عام 2020.
کان لإعلان هذه العلاقات نتیجتان مهمتان على المقاومة. أولاً، خیبت آمال المساومة الفلسطینیین من هذه الدول، التی کانت تسمی نفسها داعماً لفلسطین، وأظهرت أنهم من خلال التظاهر بدعم فلسطین ، کانوا یتحرکون فی الاتجاه المعاکس للشعب الفلسطینی ، ویصبون الماء فی طاحونة أعداء العالم الإسلامی والشعب الفلسطینی.
ثانیاً، أثبت للجمیع شرعیة نهج المقاومة. حیث ان تطبیع علاقات الدول العربیة مع الکیان الصهیونی تم فیما ینتظر الفلسطینیون المساومون، ان تنفذ هذه الخطوة فی إطار ما تسمى "عملیة السلام فی الشرق الأوسط" للولایات المتحدة عام 1990 ، بعد حل القضیة الفلسطینیة مع الصهاینة وإقامة دولة فلسطینیة مستقلة کمکمل لحل القضیة الفلسطینیة.
لکن المساومین الفلسطینیین رأوا فجأة أن الدول التی تظهر نفسها على أنها مؤیدة لهم تقف بخنجر من الخلف إلى جانب أعدائهم ومغتصبی الشعب الفلسطینی. حیث أثبتت هذه القضیة للجمیع أن الصهاینة لا یفهمون سوى لغة القوة، والمقاومة هی التی تتحدث بحق عن مواجهة الصهاینة باللغة التی یفهمونها.
عموماً، کان عام 2020 فی فلسطین عام تأثیر ما تسمى "صفقة القرن" لترامب. ما اثر على فلسطین فی هذا العام هو النتائج التی نجمت عن هذه الخطة. لکن اللافت للنظر أن نتیجة هذه التداعیات، وإن لم تکن فی المیدان لمصلحة الفلسطینیین، کانت فی مجال التوجهات التی أثبتت شرعیة المقاومة وعدم جدوى التسویة. کما أظهرت هذه القضیة، إضافة إلى توسع نهج المقاومة فی الرأی العام الإقلیمی والعالمی، فجوة جدیة فی الجناح الغربی تجاه القضیة الفلسطینیة، وشهدنا تفاقمها هذا العام.