لبنان فی مرکب وجعجع فی مرکب آخر..ما الذی یسعى إلیه جعجع الآن؟

یحاول قدر المستطاع رئیس حزب القوات اللبنانیة سمیر جعجع اتخاذ مواقف بعیدة على المناخ السیاسی العام فی لبنان، واطاق تصریحات ناریة هنا وهناک ضد هذا الحزب وذاک فی محاولة للفت اأنظار نحوه من جدید، بعد أن خسر جمیع تحالفاته السیاسیة وکذلک قاعدته الشعبیة إن کان یملک قاعدة، ویمکن توصیفه الیوم بأنه سیاسی معزول یحاول اتخاذ نهج خاص به، بهدف تعزیز حضوره فی الشارع المسیحی على وجه التحدید، فی محاولة منه للوصول إلى رئاسة الجمهوریة خلفاً للرئیس میشال عون، ولکن هل یمتلک المقومات الحقیقیة لاستلام منصب رئیس جمهوریة وهو الخارج من السجن بظروف غامضة؟. الأهم ماذا قدم للبنان وشعب لبنان خلال تواجده على الساحة السیاسیة؟.

عقب اندلاع ما یسمى ثورة الـ"17 من أکتوبر" الشعبیة وجد جعجع نفسه مع موجة الثورة تارة، من خلال المشارکة فی قطع الطرقات والتظاهر بواسطة أنصاره فی المناطق التی یتقاسمها مع جبران باسیل فی المتن وکسروان، وتارة من خلال تبنی مطالب "الثوار" بالاقتصاص من السیاسیین "کلن یعنی کلن" واضعاً نفسه خارج إطار المحاسبة رغم مشارکته فی السلطة منذ العام 2005، وارتکابه أفظع المجازر خلال فترة الحرب الاهلیة.

فی الأسبوع الماضی خرج جعجع مهاجماً "حزب الله" اللبنانی ورد على تصریحات الأمین العام لحزب الله السیّد حسن نصر الله منتقداً صواریخ المقاومة التی ساهمت فی حمایة لبنان وأرضه وشعبه والتی تشکل رادعا لاسرائیل للتعدی على السیادة اللبنانیة، وهو الذی کان طلب قبل فترة من مسؤولی القوات الابتعاد عن السجالات والمماحکات السیاسیة.

جعجع وفی تصریحات خاصة لصحیفة "القدس العربی"، اعتبر ان رده جاء لأن: "من الصعب أن یبقى ساکتاً على قول نصر الله إنه لولا هذه الصواریخ لا أحد یسمع بلبنان ویهتّم به، لأن مواقفه لیست فی السیاسة بقدر ما هی نقطة تتعلق بوجودنا وتاریخنا وکیاننا وتتناقض مع التاریخ والجغرافیا".

یبقى السؤال هل ارتکب "حزب الله" مجازر فی لبنان کما فعل جعجع وهل اغتال شخصیات سیاسیة لبنانیة وطنیة کما فعل جعجع، عن أی تاریخ وجغرافیا یتحدث، فمجزرة اهدن شاهدة على تاریخ جعجع، أما الجغرافیا فکان جعجع یطوعها لخدمة العدو الاسرائیلی الذی تحالف معه ابان الحرب الاهلیة اللبنانیة.

جعجع هاجم أیضا الرئیس اللبنانی میشال عون، اذ لم یعد متمسکا به، لکنه فی الوقت ذاته یرى "أن طرح انتخابات رئاسیة مبکّرة هو ذرّ للرماد فی العیون ومن یطرحه لا یطرح خطوة إنقاذیة بل یطرحه إما فشّة خلق وإما لغایة فی نفس یعقوب لإیصال مرشح معیّن فی هذه الظروف".

مع العلم ان جعجع کان أکثر المطالبین بالانتخابات المبکرة، ربما کان یأمل أن ینتخبه اللبنانیون رئیسا لهم، ولکن عندما تأکد أن ذلک لن یحصل، أصبح تائها لایرید عون ولایرید انتخابات مبکرة، اذا ماذا یرید؟.

أما عن التشکیلة الحکومیة فیرى أنها "متأخرة وهذا أمر قدّرناه منذ اللحظة الأولى انطلاقاً من طبیعة المجموعة الحاکمة وسعیها الى مصالحها الخاصة بالرغم من کل ما یحدث فی لبنان".

یجب الا ننسى أن جعجع حارب ویحارب جمیع الحکومات اللبنانیة التی تشکلت ویتم تشکیلها، فبعد استقالة حکومة الرئیس الحریری فی خریف العام الماضی رفض جعجع تسمیته لرئاسة الحکومة مجدداً ولم یسمّ حسان دیاب التی حاولت لم شمل اللبنانیین، لکنها لم تعمّر أکثر من ستة أشهر واستقالت إثر الانفجار الزلزالی الذی أصاب مرفأ بیروت فی الـ4 من أغسطس الماضی، ولم یسمّه مرة ثانیة ولم یقبل بتسمیة المرشح الذی اختاره الحریری وهو السفیر مصطفى أدیب وهذا برهان واضح على تردّی العلاقة مع من کان أقرب حلفائه حتى فترة لیست ببعیدة.

ثم کانت القشة التی قصمت ظهر البعیر عندما رفض تسمیة الحریری إلى رئاسة الحکومة بعد أن رشّح الأخیر نفسه لتنفیذ مضمون المبادرة الفرنسیة التی أعلنها الرّئیس إیمانویل ماکرون وإعلان جعجع عدم المشارکة فی الحکومة العتیدة.

یتساءل الشّارع اللبنانی الیوم: أین هو جعجع؟ یقولون إنه وحید "لا مع ستّی بخیر ولا مع جدّی بخیر" وفق المثل الشعبی. خلاف عمیق مع العهد ومع باسیل، وتباعد فی المواقف خصوصاً الانتخابیة مع جنبلاط، وعداء مستجد مع الحریری ناهیک عن أزمة ثقة کبیرة مع "الکتائب".

الکل فی مرکب وجعجع فی مرکب آخر. أحلامه الرئاسیة قد تتکسّر مرة جدیدة عندما یحین الاستحقاق الرئاسی التالی ویجد النواب أنفسهم أمام خیار من اثنین: باسیل أو فرنجیة ولا إمکانیة لورود اسمه فی المنافسة. جعجع یعلّل کل مواقفه بالثوابت والمبدئیة، لکن ذلک لا یبرر العزلة التی فرضها على نفسه ولم یدفعه إلیها أحد.

ربما عزلته بسبب مواقفه السیاسیة التی تحمل نفسا عنصریا، فهو من طالب بعزل وحصار مخیمات اللاجئین الفلسطینیین فی لبنان، ضمن إجراءات اقترحها لمحاصرة وباء کورونا العالمی بلبنان، ما أثار ردود فعل غاضبة ورفضًا وشجبًا من مؤسسات حقوقیة وشخصیات لبنانیة وفلسطینیة.

وقالت المؤسسة الفلسطینیة لحقوق الإنسان "شاهد"، ومقرها لبنان، "إن من شأن هکذا دعوات أن تشیر، خطأ، إلى أن المخیمات الفلسطینیة هی سبب انتشار کورونا، علما أنه لم تسجل حتى الآن أی حالة إصابة بوباء کورونا لأی لاجئ فلسطینی سواء فی المخیمات أم خارجها".

ولاننسى أنه قال فی احدى الجلسات المغلقة مع ولید جنبلاط زعیم الحزب التقدّمی الاشتراکی فی منزل النائب نعمة طعمة، "إنّه سیمضی فی المُواجهة ضدّ حزب الله حتّى النّهایة"، مُؤکّدًا "أنّ لدیّ 15 ألف مُقاتل، ونحن قادرون على هذه المُواجهة لأنّ الحزب بات یُعانی من ضعفٍ کبیرٍ نتیجة الأوضاع فی لبنان وفی الإقلیم"، وعندما حذّره السیّد جنبلاط من خُطورة أقواله هذه ردّ "نحن الیوم أقوى ممّا کُنّا علیه أیّام بشیر الجمیل، وحزب الله أضعف ممّا کان علیه أبو عمّار (یاسر عرفات)".

لا نَعرِف ما هی المعاییر التی اعتمد علیها جعجع فی قِیاسه وتقدیره لقُدراته وقُدرات “حزب الله”، ولکنّنا، وبحُکم رصدنا للوقائع على الأرض ومُعایشتها نعتقد، بل نجزم، أنّ مُقاربته هذه غیر دقیقة، لأنّ أیّ مُواجهة بین قوّات حزبه ونظیرتها فی الجانب المُقابل، أیّ “حزب الله” ستکون نتائجها فی غیر صالحه وحُلفائه، حتّى لو کان یحظى بدَعمِ الولایات المتحدة والسعودیّة والإمارات ودولٍ أُخرى مثلما قال.