هل ینجح محمد بن سلمان فی تحسین سمعته عالمیّاً؟
فی ظل الحدیث عن إطلاق ولی العهد السعودی، محمد بن سلمان، مشروع مدینة "ذا لاین" الواقعة ضمن مدینة "نیوم" على ساحل البحر الأحمر شمال غرب السعودیة، نشرت صحیفة "نیزافیسیمایا غازیتا" الروسیّة تقریراً یتحدث عن المخاوف من استمرار سیاسة تهجیر القبائل المحلیة، فی إطار مشروع نیوم المستقبلیّ، بعدما افتتح محمد بن سلمان مشروع مدینة "ذا لاین"، کاشفاً عن مدینة عصریة تحت شعار "مدینة ملیونیّة فی نیوم تحاکی الطبیعة دون ضجیج وکربون"، ولکن بالتأکید على حساب سکان المنطقة والقبائل المقیمة هناک.
مخاوف جدیّة
وفق الصحیفة الروسیّة، فإنّ المشروع الذی تتراوح تکلفته بین 100 و200 ملیار دولار یقوم على إنشاء مدینة توصف بأنّها "صدیقة للبیئة" یبلغ طولها 170 کیلومترًا بطرق سریعة تحت الأرض، وتأمل سلطات آل سعود فی أن یستقر بالمدینة حوالی ملیون نسمة بحلول عام 2030، مع تأمین حوالی 380 ألف وظیفة، فیما أوضح ولی العهد السعودی أنّ العمود الفقریّ للاستثمار فی مشروع "ذا لاین" سیکون الدعم الذی تقدمه الحکومة السعودیّة والصندوق السیادیّ السعودیّ، إضافة إلى الاستثمارات المحلیّة والأجنبیّة.
وفی هذا السیاق، تُعتبر مدینة "ذا لاین" جزءا من مشروع نیوم الذی أعلن عنه محمد بن سلمان عام 2017 ویتضمن إنشاء مدینة تبلغ مساحتها 26.5 ألف کیلومتر مربع شمال شرقی المملکة، وهو المکان الوحید الذی تتساقط به الثلوج فی البلاد، ویدعی مهندسو المشروع، أنّ المدینة ستحافظ على 95% من طبیعة المنطقة وتسمح بالسفر من نقطة إلى أخرى فی مدة لا تزید على 20 دقیقة، وتتکفل الروبوتات والذکاء الاصطناعیّ بتثبیت معظم الخدمات والبنیة التحتیة تحت الأرض.
وفی الوقت الذی أشارت فیه الصحیفة الروسیّة إلى أنّ مشروع نیوم یأتی فی إطار سعی السعودیة لتنویع مصادر الدخل وجذب المستثمرین الأجانب فی ظل انخفاض أسعار النفط والاتجاه العالمیّ نحو الطاقات البدیلة، أکّدت أنّ مشروع مدینة "ذا لاین" الذی أعلن عنه ولی العهد خلال الأیام المنصرمة، یثیر مخاوف العدید من المدافعین عن حقوق الإنسان، والذین یخشون من أن تنفذ الحکومة السعودیة هذا المشروع دون مراعاة حقوق سکان المنطقة، وأن تستمر فی سیاسة تهجیر القبائل المحلیّة، لإتمام مشروعها الاقتصادیّ غیر آبهة بنتائجه على أصحاب الأراضی هناک.
وعلى هذا الأساس، یرى نشطاء حقوقیون أنّ حدیث السلطات السعودیة عن مراعاة الطبیعة لم یشمل الالتزام بالحفاظ على الهویّة السکانیّة للمنطقة، وقد قدم عدد من الحقوقیین فی أیلول 2020 شکوى إلى منظمة الأمم المتحدة حول قیام سلطات آل سعود بإجبار عدد من سکان قبیلة الحویطات على مغادرة أرضهم، وارتکبت تجاوزات ضد کل من یرفض تطبیق الأوامر.
أکثر من ذلک، یرى العدید من الخبراء الاقتصادیین أن المستثمرین الغربیین کانوا فی البدایة متحمسین للاستثمار فی مشروع نیوم السعودیّ، لکن الکثیر
منهم عدِلوا عن ذلک بعد تورط ولی العهد السعودیّ فی جریمة تقطیع الصحافیّ السعودیّ المعروف، جمال خاشقجی، داخل قنصلیّة بلاده فی إسطنبول الترکیّة.
ومراراً أکّدت المفوضیة السامیة لحقوق الإنسان التابعة الأمم المتحدة، ضرورة مقاضاة المسؤولین عن مقتل جمال خاشقجی ووجوب صدور أحکام تتناسب مع حجم الجریمة بحق قاتلیه، وقد اعتبرت أنّ الأحکام التی أصدرتها السعودیة قبل مدة، حول تلک القضیّة تفتقر للشفافیة، وقد اعتبرت مقررة الأمم المتحدة المعنیّة بحالات الإعدام خارج القضاء، أغنیس کالامار، أنّ الأحکام الصادرة عن السلطات السعودیة فی قضیة مقتل خاشقجی، بلا شرعیة قانونیّة أو أخلاقیّة، حیث جرت بعد عملیّة قضائیّة لیس فیها أیّ نزاهة أو عدالة أو شفافیّة.
وقالت المسؤولة الأمّمیةّ قبل أشهر، أنّه من الضروریّ عدم السماح بأن تؤدی الأحکام السعودیة إلى تخفیف الضغوط الدولیّة فی إطار هذه القضیّة، مؤکّدة أهمیّة أن تقوم حکومات الدول وعلى وجه الخصوص أعضاء مجلس الأمن، الذین راقبوا بصمت عملیات المحاکمة، بکل ما بوسعها لتحقیق انتصار العدالة، موضحةً ضرورة أن تنشر الاستخبارات الأمریکیّة تقدیراتها بشأن مدى مسؤولیّة ولی العهد السعودیّ، محمد بن سلمان، عن اغتیال خاشقجی.
وکانت منظمة منظمة “هیومن رایتس ووتش” المعنیة بالدفاع عن حقوق الإنسان، والتی تتخذ من مدینة نیویورک الأمریکیّة مقراً لها، قد قادت حملة عالمیّة لتحریر نشطاء تحتجزهم السلطات السعودیة بشکل غیر قانونیّ ومحاسبة المسؤولین عن انتهاکات سابقة، وذکرت المنظمة، فی بیان، أنّ رئاسة مجموعة الـ20 التی عقدت فی الریاض قبل بضعة أشهر منحت حکومة ولی العهد السعودیّ محمد بن سلمان "درجة غیر مستحقة من الهیبة الدولیّة" بالرغم من اعتدائها المستمر على الحریات.
علاوة على ذلک، فإنّ السعودیة خسرت انتخابات مجلس حقوق الإنسان، التی جَرت قبل بضعة أشهر قلیلة، فی قاعة الجمعیّة العامة للمنظمة الدولیّة، والذی یضم 47 دولة حول العالم، وکانت آسیا والمحیط الهادئ هی المنطقة الوحیدة التی جرى التنافس على تمثیلها فی انتخابات 2020، حیث حصلت السعودیة، على أقل الأصوات بین الدول المتنافسة، فیما یتطلب الفوز بعضویة المجلس الحصول على ثلثی أصوات أعضاء الجمعیة العامة أی نحو 193 دولة.
عزلة دولیّة
نتیجة "السیاسات الصبیانیّة" لولی العهد السعودیّ محمد بن سلمان، تقترب السعودیّة یوماً بعد آخر من هاویّة العزلة الدولیّة، وإنّ استراتیجیّاته المفضوحة لمحاولة تلمیع انتهاکاته فی مجال حقوق الإنسان، والتغطیّة على الصورة القبیحة التی طبعها عن بلاده فی الأذهان الدولیّة لن تفلح بهذه السهولة، وإنّ إعلان المشروع الأخیر للریاض ما هو إلا محاولة جدیدة من ابن سلمان لتحسین صورته بعد الفضائح الکبیرة التی وثّقت منهجه الدمویّ فی التعاطی مع شعبه ومع الدول الأُخرى.
ولم تفلح فی السابق فعالیات محمد بن سلمان لشراء المواقف الدولیّة والتغطیة على جرائمه بحق مواطنیه، والآن من الصعب أن تقنع الریاض الرأی العام العالمیّ بأنّها أصبحت دولة مثالیّة فی لیلة وضحاها، حیث إن خلق "صورة مختلفة" للمملکة على الصعید الدولیّ، بعد الفضائح الکبیرة التی وثقت المنهج الدمویّ الذی یتبعه حکام السعودیة للبقاء فی سدة الحکم، یحتاج إلى وقت طویل وإثباتات عملیّة مقنعة وجادة، وإنّ الإعلانات الکثیرة والتغطیات الإخباریّة المکثفة للمشروع الجدید فی مدینة نیوم لا تعدو عن کونها محاولة سعودیّة لتخفیف سخط المجتمع الدولیّ من خلال إعطاء صورة إیجابیّة وحضاریّة عن المملکة.
یشار إلى أنّ محمد بن سلمان یسعى بکل ما أوتیّ من قوة لتحسین سمعته الدولیّة، والدلیل الإضافیّ على ذلک ما ذکره الموقع الاستقصائیّ الفرنسیّ “میدیابارت”، قبل عشرة أیام، والذی انتقد انطلاق النسخة الجدیدة من سباق "رالی باریس داکار" لمنافسة للسیارات على أشد الطرق وعورة والتی تنظمه منظمة ASO الشهیر مجدداً من السعودیة، وفی مقال بعنوان “رالی داکار فی خدمة الدیکتاتوریّة السعودیة”، أشار الموقع إلى أنّ منظمی السابق لم یبیعوا المملکة تنظیمه من أجل الترویج لریاضة السیارات فی الشرق الأوسط، ولکن لمساعدة النظام الدیکتاتوریّ السعودی لتحسین صورته الدولیّة، بمبارکة من الرئاسة ووزارة الخارجیة الفرنسیتین، المصممتین على صرف النظر عن الطغاة والدیکتاتوریین عندما یکونون زبائن جیدین لصناعات الأسلحة الفرنسیّة.
یذکر أنّ الریاض تواجه الکثیر من المشاکل الدولیّة الکبیرة بینها قضیة سجناء الرأیّ والمدافعات عن حقوق الإنسان فی البلاد، والحرب على الیمن ومسألة المصیر المریع للمهاجرین الإثیوبیین والناشطین والمدونین السعودیین المحتجزین فی سجون النظام السعودیّ، إضافة إلى قضیة الاحتجاز التعسفیّ من خلال قیام سلطات بن سلمان بتنفیذ حملات کبیرة من الاعتقالات التعسفیّة بحق المعارضین، والناشطین، والمثقفین، إضافة إلى المنافسین من العائلة الحاکمة.