ما حجم ارتباط القرار الأوروبی بالسیاسات الأمیرکیة؟

یمکن النظر إلى قراری الساعات الأخیرة بشأن فرض الاتحاد الأوروبی عقوبات على وزیر الخارجیة السوریة فیصل المقداد، والقرار الآخر بانسحاب موسکو من اتفاقیة الأجواء المفتوحة، من خلفیة مشترکة واحدة  وهذه الخلفیة تتعلق بتبعیة الاتحاد الأوروبی للولایات المتحدة وإلحاق قراره بها.

لا حاجة للتبحّر فی علم الفراسة لمعرفة بواطن النظرة الأمیرکیة للنظیر الأوروبی، فالأمر لا یتعلق بالرئیس الأمیرکی دونالد ترامب وإن بدا کذلک، لعل ما فعله الأخیر أنه فقط تخلى عن اللباقة الدبلوماسیة لإخفاء التبعیة الأوروبیة لاغیر، لقد کشف خلال سنوات حکمه ما کان یترفّع الأوربیون عنه، هل هم حقا أسیاد قرارهم؟

فی ساعات متقاربة یمکن رصد قرارین أوروبیین یعکسان الإخفاق الأوروبی فی الخروج من العباءة الأمیرکیة.

فی القرار الأول، ینضم الاتحاد الأوروبی إلى سیاسة الضغط الأمیرکیة ضد سوریا لیصدر عقوبات ضد وزیر الخارجیة السوری الجدید فیصل المقداد، فی خطوة لا تبدو منسجمة مع تراجع صوت المعارک العسکریة فی سوریا ولا فائدة مرجوة منها إلا زیادة التعقید تعقیداً ومساعدة أمیرکا فی وضع العراقیل فی مسار الحل.

أما القرار الثانی، فقد صدر من موسکو مع إعلانها بدء اجراءات الانسحاب من معاهدة الأجواء المفتوحة لأن الاتحاد الأوروبی ظل یسلم المعلومات التی یحصل علیها من موسکو إلى واشنطن، على الرغم من انسحاب الأخیرة من الاتفاقیة.

إذاً الاتحاد الأوروبی على اختلاف دوله وعمق مصالح الاستراتیجیة مع روسیا وشدة تمسکه بمعاهدة أمنیة عالیة الأهمیة لأمنه الاستراتیجی، لم یستطع إغضاب أمیرکا المنسحبة أساساً من الاتفاق، فسارع لتقدیم ما تریده من معلومات مخاطراً بالوصول إلى نقطة توتر عالیة یدفع بنفسه ثمنها.

إعلان موسکو الانسحاب من معاهدة الأجواء المفتوحة رداً على الخطوة الأمیرکیة ذاتها، یظهر أن قیمة الاتفاق کانت بالتوقیع الروسی والأمیرکی فیما الآخرون مجرد ملحقین بواشنطن.

هکذا ارتأت أوروبا أن تؤدی دور التابع للسیاسات الأمیرکیة، مع العلم أن دولاً بقدرات أقل واقتصاد أضعف استقلت بقرارها وحفظت سیادتها أمام محاولات الهیمنة الأمیرکیة، والأمثلة على الانصیاع الأوروبی للقرارات الأمیرکیة کثیرة، لکن یبقى السؤال لماذا؟

ما الذی یجعل أوروبا الجارة لروسیا تنحاز للمصالح الأمیرکیة فیما مصالحها الحیویة السیاسیة والاقتصادیة تقتضی التفاهم مع موسکو، رغم أن ترامب أهان خلال ولایته الأوروبیین بکل معنى الکلمة، وفرض على تجارتهم رسوما إضافیة، کما خرج من اتفاقیات وقعها أسلافه، ومع ذلک یساندونه فی حروبه العبثیة حول العالم.

لا یبدو أن الأوروبیین یسعون لاستعادة أمجادهم عندما کانوا یقودون العالم، من یراقب سیاساتهم فی السنوات الأخیرة یخرج بخلاصة أن الاتحاد الاوروبی ارتضى أن ینزوی تحت العباءة الأمیرکیة رغم  کمّ الإهانات التی صدرت عن ترامب تجاهه على مدى سنوات رئاسته، تلک الإهانات التی استدعت ردوداً أوروبیة خجولة لعل أبرزها کان لرئیس المجلس الأوروبی دونالد توسک عندما دعا ترامب وواشنطن إلى احترام حلفائهما.

لکن الغضب الأوروبی لم یخرج عن هذا الإطار لا بل اتضح أن ترامب نجح فی ترویض سیاسات الاتحاد الأوروبی لتصبح انعکاساً للقرارات الأمیرکیة، وهذا بدا جلیاً من خلال التقنین الأوروبی فی العلاقات مع الصین وروسیا لکنها بدت مکشوفة أکثر فی تعاملها مع الملف النووی الإیرانی.

الکاتب والمحلل السیاسی کامل حواش أکد أنه "فی العلاقة بین ترامب وأوروبا کانت 4 سنوات صعبة نتمنى أن تنتهی"، مشیراً إلى أن "خروج روسیا من معاهدة الأجواء المفتوحة قد یکون بسبب تسریب المعلومات لواشنطن".

حواش قال إن "ما یوحد التوجه الأمیرکی والأوروبی ضد إیران هو رفض حصولها على السلاح النووی"، موضحاً أن "ترامب کان دائماً یعطل کل شیء ولا یؤمن بالاتفاقات متعددة الأطراف".

فی الملف النووی، تضغط أوروبا مجدداً على إیران، وفی أحدث المواقف الاوروبیة تجاه الملف، اعتبرت کل من فرنسا وألمانیا وبریطانیا أن إنتاج طهران معدن الیورانیوم لا یتمتع بمصداقیة مدنیة وله آثار عسکریة خطیرة.

البیان یأتی رداً على إبلاغ إیران الوکالة الدولیة للطاقة الذریة أنها تتقدم فی إنتاج معدن الیورانیوم لیشکل وقوداً لأحد المفاعلات، وأشارت الدول الثلاث إلى أنه بموجب خطة العمل الشاملة المشترکة یجب التزام الجانب الإیرانی بعدم إنتاج معدن الیورانیوم وعدم إجراء البحوث والتطویر فی مجال تعدین الیورانیوم لفترة 15 سنة

ودعا البیان طهران إلى العودة للامتثال الکامل بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووی "إذا کانت جادة فی الحفاظ على الاتفاقیة".

مدیر المرکز العربی للدراسات السیاسیة والاجتماعیة ریاض الصیداوی لفت إلى أن "أمیرکا تمنن أوروبا لتحریرها من هتلر"، معتبراً أن "أوروبا مستعمرة أمیرکیة منذ الحرب العالمیة الثانیة".

الصیداوی قال، إن "فرنسا هی الدولة الاکثر حماسة وعدوانیة ضد سوریا ربما لأسباب استعماریة"، منوهاً إلى أنه "لدى فرنسا رغبة عمیقة فی إزالة النظام فی سوریا".

وأشار إلى أن "بیان الثلاثی الأوروبی حول انتاج إیران لمعدن الیورانیوم سیاسی أکثر منه تقنی"، مشدداً على أن "أوروبا وجدت أن مصلحتها بالتحالف مع الأمیرکیین خوفاً من النمو والازدهار الصینی".

إذاً، یکاد التمایز الأوروبی الأمیرکی فی المواقف السیاسیة لا یتجاوز حد الاختلافات الهامشیة، فللأمر أبعاد سیاسیة تتعلق بالمصالح المشترکة وأبعاد فکریة تتعلق بجذور الفکر الاستعماری المشترک بین الطرفین، وأبعاد اقتصادیة  تتعلق بهیمنة الدولار الأمیرکی وقوته.