الصهاینة لا یثقون بالجیش الاسرائیلی.. الاسباب والتداعیات
هناک تغییر واضح فی نظرة الصهاینة إلى جیشهم الاسرائیلی، وهذا أمر لم یکن معتاداً فی السابق، وهذا ما أکده نوعام أمیر الخبیر بشؤون الاحتلال الإسرائیلی العسکریة، بتقریره فی صحیفة "مکور ریشون"، موضحاً: أن تواتر التقاریر حول أداء جیش الاحتلال، داخلیا وخارجیا، وقضیة انتظام المتدینین الحریدیم فی صفوفه، "فضلا عن التنبؤات بفشله فی الحرب القادمة، واستمرار إطلاق البالونات الحارقة من غزة، کلها أسباب أدت إلى تراجع ثقة الجمهور الإسرائیلی بجیشه".
الحدیث عن تراجع ثقة الصهاینة بالجیش الاسرائیلی لیست بالأمر الجدید، فالأمر بدأ منذ حروب لبنان ولاسیما حرب تموز التی کسرت شوکة الاسرائیلی ودفعت جمیع الاسرائیلیین لفقدان الثقة بمؤسستهم العسکریة، وهناک الکثیر من المؤشرات على تراجع هذه الثقة، ویمکن استشفاف ذلک من الصراعات الدائرة فی أروقة السیاسة الاسرائیلیة بین نتنیاهو وغانتس، ونشر تقاریر کاذبة من المؤسسة العسکریة حول قدرات المقاومة فی غزة وفضح هذه الأکاذیب، وخاصة فیما یتعلق بملف "البالونات الحارقة".
على مستوى الاحصائیات، أکدت معطیات المعهد الإحصائیة تراجع ثقة الإسرائیلیین بالجیش إلى أدنى مستوى، وبلغت 81 بالمئة مقارنة بـ90 بالمئة فی الفترة نفسها من 2019، وهی النسبة الأدنى منذ 2008، بسبب فشله فی حرب لبنان الثانیة، ما یطرح السؤال عن سبب فقدان الجمهور الإسرائیلی للثقة فی الجیش.
هناک غضب أیضاً داخل "اسرائیل" من التمییز بین الاسرائیلیین، ودعم طائفة "الحریدیم" فی فترة حکم نتنیاهو، الأمر الذی سبب موجة غضب عارمة من الصهاینة ولا سیما ان "الحریدیم" یرفضون الالتحاق بالخدمة الالزامیة، ولکن نتنیاهو لا یرید اغضابهم لأنهم یمثلون قاعدته الشعبیة، ومع ذلک هم معزولون عن المجتمع ویعیشون فی اماکن خاصة بهم، ویمارسون طقوسهم الخاصة، التی سببت أزمة مع انتشار فیروس کورونا، اذ لایلتزم الحریدیم بالاجراءات الوقائیة ولا یعیرون ای اهمیة لفیروس کورونا، الأمر الذی اغضب بقیة الصهاینة، والحریدیم لایندمجون مع البقیة، وبهذا الخصوص، ذکر موقع "واللا" الإسرائیلی، أنه أجرى مناقشة حول الموضوع فی لجنة النهوض بالمرأة بالکنیست، والتی أعلنت أن هناک مجموعة من الحواجز تجعل من الصعب على المجتمع الأرثوذکسی المتطرف الاندماج فی المجتمع.
هناک أسباب أخرى تحدث عنها الخبیر الاسرائیلی تتعلق بما یوجهه عدد من کبار الجنرالات لأداء الجیش المتراجع، ولا سیما یتسحاق بریک مفوض عام الجنود، الذی هزت تقاریره الدولة بأکملها، لأنه بشجاعة کبیرة وقف فی وجه المؤسسة العسکریة الأقوى، ونشر تقاریر مفزعة عن الاستسلام والصمت داخل الجیش الإسرائیلی، وتطرق لانکشاف الجیش، وتراجع ثقة الجمهور به بعد حرب لبنان الثانیة نظرا لعدم استعداد الجیش للحرب".
وأوضح أن "السبب الرابع یتعلق بإشعال حماس للطائرات الورقیة والبالونات الحارقة فی قطاع غزة، حیث اختار الجیش تجاهلها، رغم أنها لا تشکل خطرا وجودیا على إسرائیل، إلا أن الطائرات الورقیة تحدت الجیش فی السنوات الأخیرة، ولکن بسبب عدم الرد فی بدایة الموجة، وبجانب الصور الیومیة للحرائق فی آلاف الأفدنة المشتعلة فی مستوطنات غلاف غزة، فقد فضل الجیش احتواء الأحداث، وألحق بنفسه أضرارا کبیرة".
صراعات داخل اروقة الحکم الاسرائیلیة
بما ان نتنیاهو یکسب دعمه من الیمنیین المتطرفین، فإنه یحارب جمیع الیساریین، ویصف زعماء الجیش الاسرائیلی والمؤسسة الامنیة بأنهم یساریون، ولذلک یعمد إلى تجاهلهم فی الأشهر الماضیة فی قرار أو فعل یقوم به، وهذا ما خلق أزمة حادة بین الجانبین، وتدهورت العلاقة بعد أن ذهب نتنیاهو وحیدا إلى نیوم فی السعودیة والتقى ولی العهد السعودی محمد بن سلمان إلى مستویات منخفضة جدا، لأن الاستراتیجیة الأمنیة والسیاسة الخارجیة، یدیرها رئیس الوزراء بنیامین نتنیاهو مع رئیس الموساد یوسی کوهین ورئیس مجلس الأمن القومی مائیر بن شبات.
على سبیل المثال: شکلت رحلة نتنیاهو السریة مع کوهین للقاء ولی العهد السعودی محمد بن سلمان دون إبلاغ المؤسسة العسکریة، وقرار وزیر الحرب بینی غانتس بتشکیل لجنة تحقیق فی فضیحة شراء الغواصات، مؤشرات على عمق الأزمة الحاصلة فی دوائر صنع القرار الإسرائیلی.
دفع هذا الأمر بغانتس للإعلان أن تسریب رحلة السعودیة خطوة غیر مسؤولة، لکن ما یحدث الیوم هو عرض ترویجی لما قد یحدث فی حالة الطوارئ، کالمواجهة العسکریة بقطاع غزة، لأن السلوک الإشکالی لمجلس الوزراء خلال حرب غزة الأخیرة الجرف الصامد فی 2014، وما شمله من اتهامات متبادلة، وتسریبات فی الاتجاه المعاکس، وصعوبة فی اتخاذ القرارات، سیبدو مثل لعبة أطفال فی المواجهة القادمة.
لعل ما قد یفسّر خریطة الانقسام الداخلی فی دوائر صنع القرار الإسرائیلی، أنه یقع ضمن ثلاث جبهات: الأولى یقودها نتنیاهو ودائرته الضیقة مثل رئیس الموساد ورئیس مجلس الأمن القومی، والثانیة غانتس ووزیر الخارجیة غابی أشکنازی، والثالثة رئیس الأرکان أفیف کوخافی ورئیس الشاباک نداف أرغمان.
من الصعب تجاهل الضرر التراکمی الذی أصاب مکانة الجیش، مع تقلص دوره فی صنع القرار، لأن إخفاء اتفاقیات التطبیع مع الدول الخلیجیة، وصفقة السلاح بین أمریکا والإمارات، وعدم إطلاع مطبخ کبار الوزراء، یجعل مثلث العلاقات بین رئیس الوزراء ورئیس الموساد ورئیس مجلس الأمن القومی تجاوز منذ فترة طویلة الممارسة المقبولة فی إسرائیل، فیما یتعلق بصنع القرار فی القضایا السیاسیة والأمنیة.