الحریری یغنی على لیلاه... والشعب اللبنانی یقتل بأزمات لا حل لها!
یبدو أن الأمور فی الداخل اللبنانی لیست فی أحسن أحوالها، فهناک تعنت من عدة أطراف سیاسیة للوقوف فی وجه أی حل سیاسی یخلص لبنان من أزماته، والأسباب مجهولة، قد یکون الأمر مصالح شخصیة وحسابات خاصة ولکن النتیجة المزید من المعاناة لشعب لبنان الذی أصبح یعانی من ظروف معیشیة صعبة وقاسیة لم تعد تطاق، والوضع أصبح أقرب للانفجار أکثر من أی وقت مضى.
على المستوى السیاسی وتشکیل الحکومة، لیس هناک أی بوادر لحلحلة الأوضاع، فجمیع الاتصالات بین رئیس الحکومة المکلف سعد الحریری والرئیس اللبنانی میشال عون تعطلت، ولیس هناک أی أمل بتشکیل حکومة جدیدة، وما زاد الطین بلة، أزمة کورونا التی تجتاح لبنان دون التمکن من السیطرة علیها.
الحریری یفرض شروطاً ولا یرید التنازل عنها، وبالتالی لا تشکیل جدید للحکومة، وهذا ما أکده ایضا الرئیس عون، فهناک خلافات فی مجالات عدة ولم یتوقف الامر عند تقسیم الحقائب الوزاریة وتوزیع الحصص، فالتیار الوطنی الحر لم یعد یرید "الحریری" رئیسا للحکومة ویعتبرونه "غیر مؤهل"، وما زاد الامور تعقیدا الفیدیو الذی تم تسریبه من مقر الرئاسة، والذی یجمع الرئیسین عون وحسان دیاب، تناول فیه رئیس الجمهوریة الحریری بکلام وصفته مصادِر مستقبلیة بأنه "لا یلیق بالموقع". فعون الذی أکد لدیاب، وفق الفیدیو، أن "لا تألیف الحکومة"، اتهم الحریری بأنه "یکذب"، و"لم یقدّم أی ورقة".
مصادر مطلعة أکدت أن رئیس الحکومة المکلف، الذی سعى بعد استقالته فی الماضی من رئاسة الحکومة، على خلفیة التظاهرات الشعبیة التی انطلقت فی 17 تشرین الأول من العام 2019، إلى رمی کل مشاکل البلاد على کاهل "التیار الوطنی الحر"، لم یقصّر فی زیادة حدّة التوتر، من خلال طریقة تعامله مع رئیس التیار أو رئیس الجمهوریة، فهو یدرک جیداً أنه لا یستطیع أن یؤلّف حکومة بعیداً عن رغبة "الثنائی الشیعی" أو رئیس "الحزب التقدمی الاشتراکی" النائب السابق ولید جنبلاط، إلا أنّه فی المقابل یرید تجاهل عون وباسیل.
فی ظل هذا الواقع المأزوم، یبدو أن رئیس الحکومة المکلف قرّر الاهتمام بأمور أخرى، أبرزها السعی إلى إبراز قدرته على الحضور فی الساحتین الإقلیمیّة والدولیّة، من خلال الزیارات الخارجیّة التی یقوم بها، بالتزامن مع تسریب معلومات عن دور کبیر یقوم به على مستوى الوساطات بین بعض العواصم، بانتظار ما قد یحصل من تطورات، فی المرحلة المقبلة، على المستوى المحلی.
فی هذا الإطار، أشارت مصادر سیاسیة، إلى أن رئیس الحکومة المکلف یسعى من خلال ما یقوم به للإیحاء بأنه بوابة لبنان إلى العالم الخارجی، بعد أن فشل رئیس حکومة تصریف الأعمال بلعب أیّ دور یذکر على هذا الصعید، على قاعدة أن هذا الأمر من المفترض أن یعزّز الموقع الذی یتفاوض منه، فی مؤشر إلى أنه یرید أن یردّ من خلال ذلک على محاولات دفعه إلى الاعتذار عن تألیف الحکومة.
وتؤکد هذه المصادر أن ذلک لا یلغی الدور الذی من الممکن أن یقوم به بعض "المصلحین"، خصوصاً "حزب الله" والبطریرک المارونی الکاردینال مار بشارة بطرس الراعی، تقریب وجهات النظر، لکنها تلفت إلى أنّ المهمة باتت أصعب من الماضی، بسبب تعاظم الخلافات إلى الحدود القصوى، الأمر الذی یتطلب معالجة دقیقة لا یبدو أن ظروفها متوافرة فی الوقت الراهن، بالرغم من کل الصعوبات التی تمر بها البلاد.
ومع التعقیدات التی تزداد، وتعثّر الإفراج عن الحکومة، قالت مصادر مطّلعة على الملف الحکومی إن "التسریبات من شأنها أن تؤخر التألیف وتزید من الصعوبات"، وتساءلت "ما إذا کانت هذه التسریبات مقصودة لدفع الحریری إلى الاعتذار". ولفتت المصادر إلى أن ما قیل عن مسعى یقوده حزب الله بین عون والحریری لتقریب وجهات النظر وتعجیل التألیف، إذا ما صحّ، فإنه بالتأکید بات أمام صعوبات وعراقیل أکبر.
أمام هذا الاهتراء، انتقل ملف تألیف الحکومة إلى مرحلة جدیدة من المناکفات، إما أن تُفضی الى تسویة أو انفجار. فبعد الخلاف على الحصص والحقائب والأسماء، صارت المعرکة فی مکان آخر، یتضح فیها أن رئیس الجمهوریة العماد میشال عون لا یرید أن یکون سعد الحریری هو الرئیس المکلف بتألیف الحکومة، بینما یردّ المقرّبون من الأخیر بالتأکید أن "لا اعتذار ولا تنازل".
کورونا یغزو لبنان
ینتشر فیروس کورونا بقوة فی لبنان ولم یعد بمقدور الدولة السیطرة علیه، والأصعب من هذا ان الدولة اللبنانیة لا تملک امکانیات لمواجهة الفیروس، فلا مشافی تکفی ولا أسرة والمشافی الخاصة لا تملک سوى 1250 سریراً لمرضى کورونا والضغط یقع على کاهل المستشفیات الحکومیة، والارقام تتزاید کل یوم وفی هذا الاطار أعلنت وزارة الصحة، أمس، وفاة 53 شخصاً خلال 24 ساعة، ما رفع إجمالی ضحایا الوباء إلى 1959، فیما وصلت معدلات الوفیات إلى 280 شخصاً فی الملیون، وهو رقم یفوق ذلک المسجل فی الهند (110 فی الملیون) التی تحتل المرتبة الثانیة عالمیاً فی إجمالی الإصابات. کذلک سُجلت 3144 إصابة (18 منها وافدة) من أصل 12 ألفاً و371 فحصاً فقط (نصف المعدل المعتاد للفحوصات)، ما یعنی أن نسبة إیجابیة الفحوصات بلغت 25%!
الحال الراهنة مرشحة للاستمرار على ما هی علیه أقله ستة أشهر إضافیة، وهو الموعد الذی یفترض أن یتبیّن معه خیر الإدارة الأمریکیة الجدیدة من شرّها فیما یتعلق بملفات المنطقة. وهذا یعنی أن صورة البلاد فی المرحلة المقبلة ستکون على الشکل التالی: عهد محاصر، فراغ حکومی، برلمان معطّل، استنزاف مالی واقتصادی، اتساع بؤر التوتر وبؤس اجتماعی ومعیشی متفاقم.
فی المحصّلة، الحکومة باتت "أسیرة" الخلافات الشخصیّة، التی یقدّم المسؤولون عنها مبررات متعددة لتعزیز وجهة نظرهم، بینما تغیب المخارج الدستوریّة، التی من الممکن أن تنهی الأزمة بطریقة أو بأخرى، بانتظار تسویة من الممکن أن تحصل فی أیّ وقت، مع العلم أن تأخّر موعدها یدفع ثمنه جمیع اللبنانیین دون استثناء.
