أسباب القلق الاسرائیلی من فوز حماس بالانتخابات؟
لقد شکل دخول حرکة المقاومة الإسلامیة حماس فی النظام السیاسی الفلسطینی من أوسع أبوابه، متمثلا فی الانتخابات البلدیة والتشریعیة، تحولا تاریخیا مفصلیا فی تاریخ الحرکة، ما یجعلها تقتحم مجالات أرید لها طویلا أن تبقى بعیدة عنها، وحکرا على فئة دون فئة، الأمر الذی دل بصورة قاطعة على مدى النضج الذی وصلت إلیه الحرکة، بفعل التجارب الصعبة والقاسیة التی خاضتها الحرکة على جمیع الأصعدة، السیاسیة والعسکریة والاقتصادیة والمؤسساتیة، ومع جمیع الأطراف، الإسرائیلیة والفلسطینیة والعربیة والدولیة.
دخول حماس إلى معترک السیاسة أزعج الاسرائیلی، وخاصة انها تحظى بشعبیة کبیرة على مختلف الاصعدة، والاهم انها استطاعت الانتصار على اسرائیل فی عدة حروب، ورغم کل الحصار الذی تفرضه اسرائیل على قطاع غزة، لم تتمکن من ارضاخ القطاع ولا حتى حرکة حماس، والیوم هناک قلق کبیر فی الاوساط الاسرائیلیة من فوز حماس فی الانتخابات التشریعیة المقبلة، والتی أعلن عنها رئیس السلطة عبّاس وأصدر مرسومًا بإجراء الانتخابات العامة على ثلاث مراحل. وبموجب المرسوم ستجرى الانتخابات التشریعیة بتاریخ 22 مایو 2021، والرئاسیة بتاریخ 31 یولیو 2021، على أنْ تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشریعی المرحلة الأولى فی تشکیل المجلس الوطنی الفلسطینی.
لدى الجمیع احساس بأن الانتخابات المقبلة ستکون لمصلحة حماس، وأشارت تقاریر اسرائیلیة إلى أنّ المقربین من "أبو مازن"، یعلمون أنّ الاستطلاعات المختلفة التی أجریت، أخیراً، فی الضفة الغربیة المحتلة، "تشیر بوضوح إلى أنّه فی حال جرت الانتخابات التشریعیة فعلاً، فإن حماس ستتفوق على حرکة فتح، وأنّ إسماعیل هنیة سیفوز على أبو مازن فی انتخابات الرئاسة بفارق غیر کبیر.
حتى ان خبیراً إسرائیلیاً أشار إلى أن حماس ترى أن لدیها فرصة جیدة فی الفوز بالانتخابات القادمة فی ظل الضعف الذی یحیط بالسلطة الفلسطینیة وزعامتها، مشیرا إلى أن الحدیث الدائم داخل فتح یتعلق بغیاب محمود عباس ومن سیخلفه، وهو ما یشیر إلى أن انشغال قیادة فتح بمستقبل وراثة رئاسة السلطة الفلسطینیة، ونشوب الصراعات الداخلیة بسببها، یفوق انشغالها بالانتخابات المحلیة، وهذه فرصة ذهبیة ترى حماس أنه لا یجوز تضییعها.
ونقلاً عن مصادر أمنیة وسیاسیة واسعة الاطلاع فی تل أبیب، ذکر موقع "مکور ریشون" العبری أنّه فی إسرائیل یجب علیهم أن یدرکوا أن الانتخابات فی السلطة الفلسطینیة ستنطبق أیضًا على قطاع غزة وعلى شرق القدس وربما أیضًا على الممثلیات فی الخارج، الأمر الذی یمکن أنْ یؤدی إلى سیناریوهات أمنیة متنوعة تشمل تصعیداً على خلفیة صراعات السیطرة، مضیفاً إن الخشیة الکبیرة هی بالطبع من فوز حماس فی کل الساحات، إنْ کان ذلک فی البرلمان أوْ فی الرئاسة، على حدّ تعبیر المصادر.واعتبر الموقع، المعروف بتأییده للیمین الدینیّ الصهیونیّ، اعتبر أنّه على عکس رئیس السلطة الفلسطینیّة، محمود عبّاس، فإنّ حرکة حماس تعرف کیف تستخدم القوة والضغط، فی حین أنّ رئیس السلطة الفلسطینیة الحالی یمکنه أنْ ینصح بشیءٍ واحدٍ فقط هو استمرار الوضع الراهن.
ورأى الموقع أنّه حتى الآن لا یمکن تقییم نتائج الانتخابات، والإدراک هو أنّه من خلال صراعات السیطرة حول الانتخابات، ستظهر تنظیمات کثیرة فی السلطة الفلسطینیة وستحاول تحدید مناطق عبر استخدام القوة، مُشیرًا فی الوقت عینه إلى أنّ واقعًا کهذا یثیر مخاوف کثیرة إلى جانب عدة نقاط تفاؤلیة فی الضفة الغربیة، فالواقع الیوم فی الضفة الغربیة هو الأفضل والأکثر استقرارًا منذ اندلاع النزاع الإسرائیلی- الفلسطینی. ولذلک الأرجحیة لاستفاقة المقاومة فی أرجاء الضفة ضئیلة جدًا، لکنها بالتأکید قائمة، وفق ما أکّدته المصادر فی تل أبیب للموقع العبریّ.
وفی قطاع غزة، لفت الموقع إلى أنّ حرکة حماس هی المسیطرة على زمام الأمور، وفی الحقیقة هی مکبوحة، معتبرًا أنّ هناک فی غزة یوجد أیضاً تنظیمات مارقة لیس لدیها أی مشکلة فی إشعال المنطقة. و"إذا أضفنا لذلک التأثیر الإیرانی على حماس والجهاد الإسلامی الفلسطینی، یصبح لدینا تعقید لیس بسیط".
إضافة إلى ما ذُکِر أعلاه، أوضح الموقع العبریّ أنّ ما أسماها "شرق القدس" والخارج ربما ستکون الساحة الأکثر إرباکًا، وخاصة بسبب غیاب السیطرة الإسرائیلیة على عکس الضفة الغربیة، حیث لدى المؤسسة الأمنیة هناک سیطرة استخباریة واسعة، معتبراً أنّ قطاع غزة المحاصر یعتبر التهدید الأکبر على الساحة الإسرائیلیة من حیث إطلاق القذائف الصاروخیة، أما شرق القدس والممثلیات فی الخارج هما وجع رأس، إذ لا یمکن مقارنة تصعید فی غلاف القدس مع تصعید فی غزة والضفة الغربیة. فالتصعید فی القدس ینعکس بشکل فوری على الضفة الغربیة وغزة، لکن لیس العکس، والمکان الحساس فی منطقة القدس هو بالطبع جبل الهیکل، الذی یهدد الشرق الأوسط کله، وفقًا للمصادر فی تل أبیب.
فی الختام، یجب ان نقول انه فی ظل الشعبیة والجماهیریة التی غدت تتمتع بها الحرکة، لم یعد بالإمکان أن تبقى حرکة تحوز هذا الثقل الشعبی بمنأى عن التقدم بخطوات واثقة نحو المشارکة وبفعالیة فی اتخاذ القرارات المصیریة، یضاف الى هذا الواقع السیئ والمتدهور الخاص بالسلطة الفلسطینیة، فقد أصبحت السلطة لا تمثل فی نظر غالبیة ساحقة من الفلسطینیین أکثر من مشروع اقتصادی لهذا المسؤول أو ذاک، ما جعل من المنطق أن تتقدم القوى الحیة فی المجتمع لتسلم زمام المبادرة.