وعود برفع السریّة عن تقریر للاستخبارات الأمریکیة حول خاشقجی.. هل ستأخذ العدالة مجراها؟
من جدید، تعود قضیة الصحافیّ السعودیّ، جمال خاشقجی إلى الواجهة، بعد محاولات السعودیة ممثلة بولی العهد السعودی محمد بن سلمان، التنصل من جریمة تقطیع الصحافیّ المعروف، الذی کان مقیماً فی الولایات المتحدة ویکتب فی صحیفة "واشنطن بوست" الأمریکیّة، حیث تعهدت المرشحة لمنصب رئاسة جهاز الاستخبارات الوطنیّة الأمریکیّة، أفریل هاینس، قبل أیام، بتقدیم ملف التحقیق فی جریمة قتل خاشقجی إلى الکونغرس ورفع السریّة عنه، عقب قیام الرئیس الأمریکیّ السابق، دونالد ترامب بحظر نشره لسنوات بهدف حمایة الریاض.
ذعر سعودیّ
من المؤکّد أنّ التصریحات الأمریکیّة الأخیرة قد أصابت ولی العهد السعودیّ بالذعر، حیث أکّدت المرشحة لمنصب رئاسة جهاز الاستخبارات الوطنیّة الأمریکیّة، أفریل هاینس، أنّها ستوافق على رفع السریّة عن ملف التحقیق فی القتل الوحشیّ لجمال خاشقجی وإبلاغ الکونغرس الأمریکیّ عن المسؤولین عن قتله وفقا للقانون، وذلک خلال جلسة استماع تحضیریة للتصویت على الموافقة على ترشیحها للمنصب.
وفی هذا الصدد، بیّن السیناتور الأمریکی، رون وایدن، أن تعهد هاینز جاء بعد سنتین من القتال، من أجل الشفافیّة ومحاسبة المسؤولین عن الجریمة، ووصف ما حدث بـ "الأمر الکبیر"، وقال: "أصبحنا أقرب ما یمکن إلى تحقیق العدالة لجمال خاشقجی"، فی الوقت الذی یواجه ولی العهد السعودیّ على نطاق عالمیّ، اتهامات بالمسؤولیة عن قتل الصحافیّ السعودیّ فی قنصلیة بلاده باسطنبول فی تشرین الثانی عام 2018.
یشار إلى أنّ هناک معلومات سربت من تقریر الاستخبارات المرکزیّة الأمریکیّة تتحدث أنّ محمد بن سلمان مسؤول بشکل مباشر عن قتل خاشقجی، ومنذ ذلک الحین یحاول الکونغرس الأمریکیّ، إجبار إدارة الرئیس السابق، دونالد ترامب، على الکشف عن النتائج التی توصلت إلیها أجهزة الاستخبارات الأمریکیّة، لکن محاولاته باءت بالفشل، فیما أظهر تحلیل نشره موقع مجلة "فورین بولیسی"، أنّ نشر تقریر وکالة الاستخبارات المرکزیّة من شأنه أن یفی بوعود جو بایدن حول مساءلة قتلة خاشقجی.
وفی هذا الشأن، من غیر الواضح ما إذا کانت إدارة بایدن ستنهی هذا الجدل أم لا، بعد قیام ترامب بحمایة ولی العهد السعودیّ محمد بن سلمان لسنوات عقب جریمة قتل خاشقجی، رغم جهود الکونغرس المکثفة لمحاسبة القتلة، حیث عقد جلسات استماع عدة وأصدر قرارات تدین عملیة القتل وتحمل ولی العهد السعودی المسؤولیّة عن تلک الجریمة.
یذکر أنّ أول رد فعل ملموس من إدارة ترامب على قضیة خاشقجی، کان فرض وزارة الخزانة الأمریکیّة عقوبات على 17 سعودیاً لدورهم فی قتل خاشقجی، لکن ذلک تمکنت إدارة ترامب من حمایة ولی العهد، رغم أنّ العدید من أعضاء الکونغرس اعتبروا أنّ ولی العهد لابد وأنه کان على علم بعملیّة تقطیع خاشقجی، لکن إدارة ترامب امتنعت عن الإقرار بذلک، وقد طلب الکونغرس عام 2019، من مدیر الاستخبارات الوطنیّة الأمیرکیّ تسمیة مَن أمر بقتل الصحافیّ السعودیّ عام 2018، لکن مدیر الاستخبارات زعم أنّ المعلومات یجب أن تبقى سریّة لعدم إلحاق الضرر بما أسماه "الأمن القومیّ الأمریکیّ".
ومن الجدیر بالذکر أنّ الکونغرس مرر مشروعین فی آذار وحزیران عام 2019، لمنع المساعدات العسکریّة الأمیرکیة للسعودیة، لکن ترامب استخدم حق النقض "الفیتو" دون سابق إنذار ضد کلا الإجراءین، ما حافظ على تدفق الأسلحة إلى النظام السعودیّ، وقد مرر الکونغرس فی کانون الثانی 2019، أحکاماً تطالب الإدارة الأمریکیّة بتقدیم تقریر علنیّ یحدد هویة الأفراد المتورطین فی قتل خاشقجی، وقد لاقى مشروع القانون إجماعاً نادراً بین الحزبین الجمهوریّ والدیمقراطیّ لمعرفة هویة القتلة، وهذا ما تجاهله ترامب.
علاوة على ذلک، قدم عضو الکونغرس الأمریکیّ ورئیس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، قدم آدم شیف، مشروع قانون حمل اسم "جمال خاشقجی" فی أکتوبر 2020، لضمان أن تحاسب واشنطن مرتکبی عملیات القتل خارج نطاق القضاء وغیرها من الانتهاکات الجسیمة لحقوق الإنسان ضد الصحفیین، لکن وبالرغم من الجهود الکبیرة للکونغرس، رفض مکتب الدفاع الوطنیّ الأمیرکیّ، رفع السریة عن تقریر قدمه مدیر الاستخبارات یتضمن وفق تقاریر إعلامیّة معلومات استخباراتیّة حول الدور المحوری لولی العهد فی جریمة خاشقجی.
دعاوى قضائیّة
باعتبار أنّ الصحافیّ خاشقجیّ کان یقیم فی الولایات المتحدة، فإنّ قضیة تقطیعه ترتبط ارتباطاً وثیقاً بواشنطن، حیث تقدمت شرکة “جینر آند بلوک” للمحاماة ومنظمة "DAWN" الأمریکیّة، قبل أشهر، بدعوى قضائیّة ضد ولی العهد السعودی و28 شخصاً آخرین، بالنیابة عن خطیبة خاشقجی، المواطنة الترکیّة خدیجة جنکیز، أمام القضاء الأمریکیّ، وتتهم جنکیز، محمد بن سلمان، بإصدار أمر قتل خاشقجی وهی التهمة التی وجِّهت للسعودیّة من جهات حقوقیّة ودولیّة عدة، فیما تنفیها الریاض على المستوى الرسمیّ.
منظمة “الدیمقراطیة الآن فی العالم العربی” التی أسسها خاشقجی قبل مقتله، تدعی کذلک على المتهمین، التسبب بتعطیل نشاطاتها، وتوجه اتهامات لولی العهد بإصداره أوامر القتل بهدف وقف ترویج خاشقجی عبر منظمته للدیمقراطیة والإصلاح السیاسی فی العالم العربی، وتسعى الدعوى القضائیّة إلى تحمیل ولی العهد السعودیّ المسؤولیة المباشرة عن جریمة تقطیع خاشقجی، وتهدف إلى الحصول على وثائق تکشف حقیقة ما جرى.
وبذلک ربما یواجه ولی عهد السعودیة "خطراً محدقاً" فی حال اعتمدت الدعوى القضائیة على أدلة استخباراتیّة تثبت تورطه، بمعنى آخر فإنّ ابن سلمان الذی أدخل نفسه بالکثیر من الأزمات الداخلیّة والقضایا الخارجیّة المعقدة، سیتحمل المسؤولیة المباشرة عن اغتیال الصحافیّ جمال خاشقجی، رغم محاولته إغلاق ملف الجریمة عبر سلسة أحکام أصدرتها السعودیة حول تلک القضیّة، لکنها لم تقنع السعودیین أنفسهم.
کذلک، قادت ترکیا تحرکات دولیّة مختلفة للحیلولة دون إغلاق القضیة قبل تحقیق العدالة ومحاکمة المسؤولین عن تلک الجریمة التی نُفذت على أراضیها، ومطلع تموز الماضی، بدأت محکمة ترکیّة فی إسطنبول محاکمة غیابیّة لعشرین سعودیاً متهماً باغتیال خاشقجی، بینهم النائب السابق لرئیس الاستخبارات، أحمد عسیری، والمستشار السابق فی الدیوان الملکیّ، سعود القحطانی، المقربان من ولی العهد.
وقد جاء تعلیق المفوضیة السامیة لحقوق الإنسان التابعة الأمم المتحدة لاذعاً، حول المحاکمة السعودیة فی قضیّة مقتل الصحفیّ جمال خاشقجی، حیث شدّدت على ضرورة مقاضاة المسؤولین عن مقتله ووجوب صدور أحکام تتناسب مع حجم الجریمة، وأوضحت أنّ المحاکمة التی أجرتها الریاض فی تلک القضیة، افتقرت للشرعیّة والمحاسبة، موضحة أنّ القضیة شابها خلل فی تحدید المسؤولین الحقیقیین عن الجریمة، واعتبرت مقررة الأمم المتحدة المعنیّة بحالات الإعدام خارج القضاء، أغنیس کالامار، أنّ الأحکام الصادرة عن السلطات السعودیة، بلا شرعیة قانونیّة أو أخلاقیّة، لأنّها جرت بعد عملیّة قضائیّة لیس فیها أیّ نزاهة أو عدالة أو شفافیّة.
وفی سلسلة تغریدات سابقة لها عبر تویتر، بیّنت کالامار أنّه تم الحکم بالسجن على 5 مغتالین مرتزقة مدة 20 عاماً، إلا أنّ المسؤولین رفیعی المستوى، الذین یقفون وراء إعدام خاشقجی لا یزالون أحراراً، منوهة بأنّه لم یتم التطرق إلى اسم ولی العهد السعودیّ، الأمیر محمد بن سلمان، وکانت المفوضیة قد أعدت تقریراً خاصاً بطلب من الأمین العام للأمّم المتحدة، أنطونیو غوتیریش، قبل عام تقریباً، حول قضیة اغتیال خاشقجی، وتوصلت إلى استنتاج یقول إنّ هناک أدلة کافیّة على ارتباط ولیّ العهد السعودیّ بتلک الجریمة البشعة، فیما تشیر المعطیات إلى أنّ الأحکام النهائیة للسلطات السعودیّة جاءت بعدما أعلن أبناء القتیل خاشقجی عن عفوهم عن قتلة والدهم فی أیار المنصرم، بعد ضغوط أو إغراءات من قبل محمد بن سلمان، وفق مواقع إخباریّة.
ومن الجدیر بالذکر، أنّ الصحفیّ السعودیّ، جمال خاشقجی، المقیم فی الولایات المتحدة الأمریکیّة منذ عام 2017 والمعروف بانتقاداته للسلطات السعودیة، قد اغتیل فی 2 تشرین الأول عام 2018، داخل قنصلیّة بلاده فی اسطنبول الترکیّة على ید فریق اغتیال سعودیّ خاص، فیما لم یتم حتى الآن العثور على جثته.
خلاصة القول، کلنا نعلم أنّ إدارة دونالد ترامب کانت تبتز السعودیّة إلى أبعد الحدود من خلال منع نشر تفاصیل جریمة تقطیع خاشقجی، والیوم بعد وصول الرئیس الجدید جو بایدن إلى سدة الحکم من المتوقع أن تسعى الإدارة الأمریکیّة إلى ابتزاز الریاض بشکل أکبر بعد هذه التطورات، وخاصة بعد أن تخلت الحکومة الترکیة عن التزاماتها فی تلک المسألة إرضاء للقیادات السعودیّة، وبذلک تطوى صفحة الجریمة التاریخیّة کأنّها لم تکن رغم حساسیّتها العالمیّة، ویفلت المجرمون الحقیقیون من العقاب بعد أن اکتسبت "قضیة خاشقجی" بعداً سیاسیّاً أفقدها البعد الإنسانیّ.