العقوبات الأمیرکیة على المقاومة العراقیة: حسابات اللاجدوى
لم تمر سوى ستة أیام على فرض وزارة الخزانة الامیرکیة عقوبات على رئیس هیئة الحشد الشعبی فالح الفیاض، حتى أقدمت على فرض عقوبات مماثلة على رئیس هیئة ارکان الحشد عبد العزیز المحمداوی (ابو فدک).
من دون أدنى شک، فإنه مثلما لم یکن رئیس هیئة الحشد الشعبی فالح الفیاض ورئیس هیئة الارکان ابو فدک، أول من تفرض علیهما الولایات المتحدة الامیرکیة عقوبات ظالمة وجائرة، فإنهما بالتأکید لن یکونا الأخیرین، ما دامت سیاسات واشنطن وتعاملها مع الاخرین قائمة على اساس الغطرسة والاستعلاء والقوة والعجرفة.
قبل الفیاض والمحمداوی، فرضت وزارة الخزانة الامیرکیة عقوبات مماثلة على شخصیات سیاسیة وجهادیة عدیدة، بعضها عراقیة وبعضها الاخر غیر عراقیة، علما ان الشخصیات العراقیة کان لها حصة الاسد من تلک العقوبات.
ففی اواخر عام 2019، اصدرت الخزانة الامیرکیة قائمة بالمشمولین بعقوباتها او بالذین ادرجتهم فی ما یسمى بالقائمة السوداء، ومن بینهم الامین العام لحرکة عصائب اهل الحق الشیخ قیس الخزعلی وشقیقه لیث الخزعلی، ومدیر امن الحشد الشعبی حسین فرحان (ابو زینب اللامی)، ورئیس حزب المشروع العربی خمیس الخنجر، بتهمة انتهاک حقوق الانسان، وقبل ذلک، وتحدیدا فی منتصف شهر تموز-یولیو من ذلک العام کانت وزارة الخزانة قد اقرت عقوبات ضد اربع شخصیات عراقیة، هم، القیادیان فی الحشد الشعبی من المکونین المسیحی والشبکی ریان الکلدانی ووعد القدو، ومحافظ نینوى السابق نوفل العاکوب، ومحافظ صلاح الدین الاسبق احمد الجبوری، وذلک بتهمة التعاون والتنسیق مع ایران ودعم ما تطلق علیه اسم المیلیشیات.
لا غرابة حینما تفرض واشنطن عقوبات على شخصیات ومؤسسات ودول معینة دون شخصیات ومؤسسات ودول اخرى، ارتباطا بطبیعة سیاساتها وتوجهاتها العدوانیة، لا استنادا الى معاییر موضوعیة لحقوق الانسان او احترام القوانین والاعراف والمواثیق الدولیة، ولو افترضنا جدلا ان المعاییر التی وضعتها فی اصدار العقوبات على من صدرت ضدهم کانت صحیحة، فهناک الکثیرون قد تنطبق علیهم تلک المعاییر، بید انها لم تقترب منهم ولم تفعل أی شیء حیالهم.
فکل الذین فرضت علیهم واشنطن عقوباتها وادرجتهم فی قوائمها السوداء هم من المعلنین والمصرحین بکل وضوح بمواقفهم الرافضة لها ولسیاساتها، او انهم یرتبطون بعلاقات ایجابیة جیدة مع المستهدفین الاساسیین من قبل واشنطن، کما هو الحال مع الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة وحزب الله اللبنانی وحرکة انصار الله الیمنیة والحشد الشعبی العراقی، الى جانب قیادات وشخصیات سیاسیة وعسکریة کان لها الدور الاکبر فی محاربة الارهاب الداعشی التکفیری، وفی تحشید الجماهیر وبلورة المواقف السیاسیة الرافضة الاحتلال الامیرکی والداعیة الى انهاء التواجد الاجنبی فی اراضی البلاد..
واشنطن، ومن خلال منابرها السیاسیة ووسائل اعلامها ومراکزها ومؤسساتها البحثیة، تصف الرافضین والمقاومین لها بالقتلة والارهابیین، بینما تغض الطرف عن الجرائم البشعة التی ارتکبتها وما زالت ترتکبها الانظمة والحکومات التابعة والخاضعة لها، مثلما هو الامر مع السعودیة والامارات وما اقترفتاه من جرائم ضد الشعب الیمنی المسالم والمظلوم، بدعم ومبارکة الولایات المتحدة والکیان الصهیونی وقوى غربیة اخرى، ناهیک عما یتعرض له الشعب الفلسطینی یومیا من انتهاکات انسانیة فظیعة على ید الکیان الصهیونی الغاصب.
کیف لا تفعل واشنطن ذلک وهی التی تحتل المرتبة الاولى بتطبیق سیاسة الکیل بمکیالین، ای سیاسة النفاق والازدواجیة والخداع والتضلیل، التی بلغت مستویات عالیة جدا فی عهد الرئیس الامیرکی المهزوم دونالد ترامب(2017-2021)؟
وبالنسبة للعقوبات ضد القیادات العلیا للحشد الشعبی، فإنها من حیث توقیتاتها والفاصلة الزمنیة بینها والمبررات والحجج المطروحة، تبدو وکأنها جزء من الحملات التی یراد من ورائها اضعاف الحشد ورفع وتیرة الضغوط السیاسیة والاعلامیة علیه، فی ذات الوقت، السعی الى تعزیز محاصرة ایران، وتحجیم نفوذها وحضورها فی المنطقة.
فهذه المرة انحصرت العقوبات ـ بصرف النظر عن تأثیرها ومدى فاعلیتها ـ بشخص رئیس هیئة الحشد وبعده رئیس هیئة ارکان الحشد، وکما نوهنا فی أول هذه السطور فإن الخزانة الامیرکیة لم تنتظر طویلا بعد أن أصدرت عقوباتها ضد الفیاض، حتى تلحقها بالعقوبات ضد ابو فدک، وبینما کانت حججها فی فرض العقوبات ضد الاول تتمثل بمزاعم قتل المتظاهرین، اتهمت الثانی بالانضمام الى تنظیم "داعش" الارهابی! بینما کان هو من ابرز الذین تصدوا لذلک التنظیم فی المیدان منذ الایام الاولى لاجتیاحه بعض مدن ومحافظات العراق فی صیف عام 2014، فضلا عن ذلک، فانه کان صاحب الدور المحوری والمؤثر فی الهدنة التی أعلنتها فصائل المقاومة بعد صداع الصواریخ المزمن الذی سببته لواشنطن، ولعل اللقاء الملفت للمبعوثة الاممیة فی العراق جینین بلاسخارت به ـ أی بأبو فدک ـ قبل شهور قلائل، اشار بوضوح الى ذلک الدور المحوری والمؤثر.
لا تستبعد بعض القراءات، ان یکون ذلک الاستهداف مقدمة لادراج الحشد الشعبی على قائمة العقوبات، مثلما حصل مع الحرس الثوری الایرانی، وحزب الله اللبنانی، وحرکة انصار الله الیمنیة، فی ذات الوقت، هناک من یرى أن الخطوات الأخیرة للخزانة الأمیرکیة لا تخرج عن سیاق انفعالات وتخبطات ترامب وهو یعیش أیامه الأخیرة فی البیت الأبیض، ویتهیأ لمغادرته مرغمًا لا مختارًا.
وفی کلتا الحالتین، من الخطأ إهمال إو إغفال حقیقة أن المسارات والخطوط العامة للسیاسة الامیرکیة لا تتبدل بتبدل الشخوص، ولا تتأثر کثیرًا بهویة سید البیت الابیض، الا بحدود معینة، فحتى لو کانت العقوبات ضد قیادات الحشد مرتبطة بشکل أو بآخر بانفعالات ترامب، فإن رحیله لا یعنی أن الحشد سیخرج ـ سواء بفتح الیاء أو بضمها ـ من دائرة الاستهداف الامیرکی، وهذا ما ینبغی وضعه بعین الاعتبار، خصوصًا مع تصاعد المطالبات السیاسیة والشعبیة العراقیة بإنهاء التواجد الأجنبی فی البلاد، وصیاغة اطار جدید للعلاقة بین واشنطن وبغداد.