معلومات جدیدة عن الضربة الصاروخیة الإیرانیة على قاعدة عین الأسد
عام مضى على الهجوم الصاروخی الإیرانی على قاعدة عین الأسد، ردًا على العملیة الإرهابیة للإدارة الأمریکیة واستشهاد الحاج قاسم سلیمانی وأبو مهدی المهندس وعدد من رفاقهما، بالقرب من مطار بغداد.
وعلى الرغم من أن الرئیس الأمریکی آنذاک دونالد ترامب ادعى فور عملیة إیران أن "صفعة" الجمهوریة الإسلامیة لم توجع على الإطلاق، إلا أن إحصاءات الخسائر المالیة والبشریة للجیش الأمریکی فی عین الأسد قد تم الکشف عنها تدریجیاً.
وعلى الرغم من عدم وجود شک فی أن الحکومة الأمریکیة لم تبلغ حتى الآن عن العدد الفعلی للقتلى والمصابین فی عین الأسد، ولکن لم یکن أمامها خیار سوى الاعتراف بإصابة ما لا یقل عن عشرات من جنودها فی الضربة الصاروخیة الإیرانیة.
بعد مرور عام على العملیة الصاروخیة الإیرانیة، تناولت صحیفة واشنطن بوست فی تقریر لها تحت عنوان "لقد نجا هؤلاء الجنود الأمریکیون من واحدة من أکبر أزمات عصر ترامب، (لکن) بعد مرور عام، ما زالوا یتصارعون (مع تداعیات تلک الأزمة)"، أحداث تلک اللیلة علی لسان القوات الأمریکیة الموجودة فی قاعدة عین الأسد. وما یلی هو نص تقریر واشنطن بوست:
کان الجنود الأمریکیون ینتقلون من ملجأ إلى آخر، مروراً بأنقاض مغطاة بالرماد، وحفر یبلغ قطرها عشرة أمتار، وحفر ملیئة بالوقود على طول الطریق. وتسبب وابل من الصواریخ البالستیة فی فقدان وعی بعض الجنود بشکل مؤقت، وکانت هناک صواریخ أخرى فی طریقها.
وقال الرائد "آلان جونسون" الذی لم یتمکن من الترکیز بعد تعرضه لأمواج عملاقة من انفجار عدة صواریخ، من بینها صاروخ سقط على بعد ثلاثة أمتار من ملجئه: "ما زلت قلقاً. ما زلت أرى کوابیس متکررة حول الهجوم، نفس صوت الصواریخ القادمة نحونا".
قبل عام، عندما أطلقت إیران 16 صاروخًا على القوات الأمریکیة فی العراق، کانت أمریکا على شفا حرب شاملة. أعلن الجیش الأمریکی أن 11 صاروخا أصابت قاعدة عین الأسد الجویة فی غرب العراق، وسقط آخر خارج مدینة "أربیل" شمال العراق، والصواریخ الأربعة الأخرى لم تعمل بشکل صحیح.
بعد أشهر من تصاعد النزاع، هاجمت القوات المدعومة من إیران السفارة الأمریکیة فی بغداد قبل نحو أسبوع من الضربة الصاروخیة. وکان رد فعل إدارة ترامب بعد أیام قلیلة هو غارة جویة بطائرات دون طیار فی بغداد، أدت إلى اغتیال قاسم سلیمانی الجنرال الإیرانی وأقدم أعداء أمریکا.
الرئیس ترامب الذی واجه أسوأ أزمة أمنیة دولیة خلال فترة رئاسته، غیر رأیه فجأةً. غرَّد الرئیس ترامب فی ٨ کانون الثانی بعد ساعات قلیلة من الهجوم الإیرانی بالقول: "کل شیء على ما یرام!".
هذا فی حین أنه بعد مرور عام على الضربة الإیرانیة، تقول القوات المستهدفة فی الهجوم إن أمریکا وإیران کانتا علی وشک إحداث کارثة أکبر.
وعلى الرغم من استخدام إیران لصواریخ ذات 3 أمتار یحمل کل منها 15 کیلوغرامًا من المتفجرات(أقوى الأسلحة التی استخدمت ضد الأمریکیین خلال الجیل الماضی)، ولکن لم یُقتل أی جندی أمریکی فی الهجوم.
ومع ذلک، وفقًا للإحصاءات النهائیة، أصیب 110 جنود أمریکیین بأضرار فی الدماغ؛ واحتاج البعض إلى دخول المستشفى لفترة طویلة والعنایة المرکزة فی "مرکز والتر رید الطبی العسکری الوطنی" بالقرب من واشنطن.
فی أعقاب الضربة الصاروخیة الإیرانیة عام 2020 على قاعدة عین الأسد، وبینما کان الرئیس الأمریکی دونالد ترامب لا یزال یصر على عدم إصابة أی جندی أمریکی فی الهجوم، تم الکشف عن تحلیق طائرة عسکریة أمریکیة واحدة على الأقل بمهمة إسعاف جوی من العراق إلی قاعدة "رامشتاین" الجویة فی جنوب ألمانیا، فی الساعات التی تلت الهجوم علی عین الأسد.
بعد أیام من الهجوم، کشف الجیش الأمریکی عن عدد الإصابات، قائلاً إن تصریح ترامب السابق بشأن "عدم وقوع إصابات" استند إلى معلومات کانت لدى البنتاغون فی ذلک الوقت.
الحقیقة هی أن خطورة إصابات ٢٩ شخصاً من الجیش الأمریکی، بمن فیهم جونسون، فی هذا الهجوم الذی أطلق علیه الإیرانیون "عملیة الشهید سلیمانی"، کانت کبیرةً لدرجة أنهم حصلوا على وسام "القلب الأرجوانی". والجدیر بالذکر أن الحکومة الأمریکیة لم تعترف بعد بعدد القتلى فی هجوم إیران على قاعدة عین الأسد.
شعر عدد من القوات الأمریکیة بالغضب والیأس بعد الضربة الصاروخیة الإیرانیة. ولا یزال الناجون من الهجوم یفکرون فی لیلة یبدو أنها طغت علیها بشکل متزاید أحداث أخرى فی العام، منها تفشی فیروس کورونا، ونقاش وطنی متوتر حول العنصریة، وواحدة من أکثر الانتخابات الرئاسیة إثارةً للجدل فی التاریخ الأمریکی.
هذا فی حین أن المقدم "جوناثان جوردن" ضابط العملیات بوحدة القوات الجویة الذی کان فی عین الأسد فی تلک اللیلة، قال: "لقد کان الحادث مروعًا لدرجة أننی لا أستطیع حتى إن أتخیل أنه حتى شخص واحد نجا منه دون آثار نفسیة أو عاطفیة".
الاستعداد للهجوم
بعد اغتیال سلیمانی مباشرةً، بدأت القوات الأمریکیة فی جمیع أنحاء الشرق الأوسط تقریبًا فی الاستعداد لرد إیرانی محتمل.
وفی هذا الصدد، قال الرقیب "صموئیل لیفاندر" عضو الوحدة الفنیة للقوات الجویة الأمریکیة وطاقم سرب العملیات الخاصة بالطیران والذی کان موجوداً بشکل مؤقت فی عین الأسد، إنه حتى الموظفین المدنیین المعینین لطهی الطعام لم یعودوا یأتون إلى القاعدة. کما بدأت وحدة لیفاندیر تدریجیًا فی استکشاف عدد الأشخاص الذین یمکن استیعابهم فی طائرات SV-2 الخاصة، إذا احتاجوا إلى الفرار على الفور.
فی الـ 7 من کانون الثانی، أصبحت الشدة الحقیقیة للتهدید واضحةً: لم ترغب إیران فی إطلاق صواریخ یمکن أن یقتل کل منها شخصین أو ثلاثة أشخاص، بل کان من المقرر إطلاق صواریخ أقوى بکثیر على القوات الأمریکیة عبر الحدود العراقیة وعلى بعد کیلومترات.
یقول جوردن إنهم وضعوا خطةً مع المقدم "استیسی کلمن"؛ قرَّر کلمن سحب نصف القوات البالغ عددها 160 تحت قیادته على طائرة سی -130 إلی قیادة جوردن. وکان على النصف الآخر من القوات البقاء مع کلمن واللجوء إلى الملجأ. یوضح جوردن: "فی ذلک الوقت کنا مستعدین للتدمیر الکامل(للقاعدة)".
وفی مکان آخر من القاعدة، کان عدد کبیر من قوات العملیات الخاصة الأمریکیة یستعد لمغادرة القاعدة على متن ثلاث طائرات من طراز SUV-22، لکل منها 24 مقعدًا.
ووفقًا لتقریر تم تقدیمه فی حفل توزیع الأوسمة لعدد من القوات فی قاعدة عین الأسد ونشرته لأول مرة Air Force Times، قدر لواندیر أن الطائرات یمکن أن تستوعب عدداً أکبر بکثیر، وفی النهایة أُخرج 194 منهم من القاعدة، لکن کان على الباقی البقاء.
ویقال إن الرقیب نول یارنز، وهو ضابط کبیر فی سلاح الجو، قد لجأ إلى هیکل محصن وطلب من القوات الخاضعة لقیادته إحضار أقنعتهم الکیمیائیة؛ للحذر. وکان یعلم أن هذه الصواریخ قادرة أیضًا على حمل أسلحة کیمیائیة.
بدوره قرر جونسون، الذی عمل مع الجنود فی جزء آخر من عین الأسد، تسجیل رسالة فیدیو لابنه "جاک" البالغ من العمر 7 سنوات، قال فیها إنه یرید ترک کلماته الأخیرة إذا "حدث شیء سیء لبابا".
"الهجوم، الهجوم!"
بحلول منتصف اللیل، کان المطار هادئًا. على حد تعبیر الرقیب "بریان مودی"، أحد أفراد الوحدة الفنیة وعضو فی فریق أمن القوات الجویة فی عین الأسد، "مثل مدینة أشباح". کان مودی، وهو عضو فی الحرس الوطنی لولایة کنتاکی، یستقل سیارةً مضادةً للألغام مع زملائه للتأکد من أن القاعدة آمنة. وقد تمرکزت القوات الأخرى فی أبراج مراقبة مع الحرص على عدم مهاجمتها فی نفس الوقت. وکانت جمیع القوات الأخرى الموجودة فی القاعدة قد لاذت بالملاجئ تقریبًا.
کانت الساعة قد تجاوزت الواحدة صباحًا عندما خرج تحذیر من مکبرات الصوت فی القاعدة:"الهجوم! الهجوم! أسرعوا إلی الملاجئ!".
سقط الصاروخ الأول فی حوالی الساعة 1:34 صباحًا على بعد نحو90 مترًا من نفس السیارة المضادة للألغام التی کان فیها فریق مودی؛ وقد سقط بعض الحطام على غطاء محرک السیارة.
جونسون، الذی تم إرساله إلى عین الأسد ضمن وحدة طیران تابعة للجیش، لجأ مع عدد من الجنود الآخرین إلى أحد الخنادق على الأرض. هذا الخندق، التی کانت جوانبه مفتوحةً ومدعومةً بأکیاس الرمل الخرسانیة، کان مصمماً لتحمل الصواریخ الصغیرة ولیس الصواریخ الکبیرة.
لا یتذکر جونسون الانفجارات الثلاثة الأولى على الإطلاق، قائلاً إن السبب هو أن الصاروخ الثالث جعله هو والجنود الآخرون داخل الخندق یفقدون وعیهم ولفترة وجیزة. سقط هذا الصاروخ على مسافة 65 متراً من خندقهم. وسقط الصاروخ الرابع علی بعد نحو 275 متراً عن الخندق. وسُمعت صفارات الصاروخین الخامس والسادس بعد نحو 40 ثانیة؛ حیث سقط أحدهما على بعد 110 أمتار، والآخر على بعد 35 مترًا فقط. تذوَّق جونسون بدایة الأمر "الغبار بنکهة الأمونیا" على أسنانه، ثم فقد وعیه مرةً أخری.
الخلاص فی خضم الفوضى
فی نقطة أخرى من القاعدة، ظهرت تهدیدات جدیدة مع بدء الحریق. فی الفترة الفاصلة بین سقوط الصاروخین، خلص مودی وبقیة فریقه إلى أنهم سیکونون أکثر أمانًا إذا غیَّروا مکانهم. قال الرقیب "درو دافنبورت"، وهو أحد قوات الطیران الآخرین والذی کان یستقل سیارةً مضادةً للألغام، إنهم توجهوا إلى نقطة تطل على قاعدة کانت تبدو فارغةً، وأطفأوا الأنوار وانتظروا.
بدا وکأن خطتهم کانت جیدةً؛ بالطبع مؤقتاً. عندما أطلقت الصواریخ التالیة، استعدّ رکاب السیارة للانفجار. سقط أحد الصواریخ على بعد نحو 45 متراً من سیارتهم، فاجتاحت موجة الانفجار السیارة، وارتفعت النار والدخان والحطام فی السماء. یقول دافنبورت: "لم یکن لدی الوقت حتى لأخاف. ان جسدی کله ملیئ بالأدرینالین. لکن یمکننی أن أتذکر بوضوح السحابة الفطریة واللون الأحمر والبرتقالی اللامع للانفجار. لقد کان أحد أکثر الأشیاء رعباً التی رأیتها فی حیاتی".
استغرق هبوط أربعة صواریخ على القاعدة أکثر من ساعة، وکانت المسافة بین کل منها نحو 15 دقیقة. قام الفریق، الذی کان یستقل سیارةً مضادةً للألغام وقوات أمنیة أخرى، بدوریات سریعة فی المنطقة الواقعة بین الصواریخ لتفقُّد القوات الأخرى داخل القاعدة.
یقول مودی إن من بین القوات التی احتاجت للمساعدة، جندیان محاصران فی برج مراقبة مشتعل. لقد سقط صاروخ بالقرب من البرج، ولم یتمکن الجندیان من النزول من البرج الذی یبلغ ارتفاعه 4 أمتار بسبب النیران. ولمساعدتهم، أحضر فریق القوات الجویة مرکبتهم المضادة للألغام إلى جانب البرج، وتمکن الجندیان من القفز على عربتهم بدلاً من القفز على الأرض من أعلى البرج.
من ناحیة أخرى، احتاج أحد المقاولین العسکریین فی القاعدة، والذی أصیب بجروح خطیرة فی عینه، إلى المساعدة. یقول جونسون إن "روبرت جونز" الاختصاصی الطبی، أخذ المقاول إلى خندق آخر سریعاً. جونز، الذی یحمل الآن رتبة رقیب، حصل لاحقًا على وسام التقدیر الخاص للجیش تقدیراً لـ "بسالته".
اجتیاز الکارثة
عند شروق الشمس، ورغم مضی ساعات علی الهجوم الإیرانی، لم یکن هناک أحد تقریبًا فی القاعدة یتحرک من مکانه. یقول لیفاندر إن طائرة فریقه SV-22 حلَّقت فوق القاعدة فی الصباح الباکر؛ عملیاً لم یغادر أحد الملجأ، وکانت الحظائر لا تزال مشتعلةً. عندما عاد لیفاندر وزملاؤه إلى مهاجعهم، شاهدوا منظفات ید کانت قد اقتُلعت عن الحائط، ومصابیح مائلة ومعلقة، ومولدات طاقة قد تعطَّلت. حصل لیفاندر والعدید من زملائه فی وقت لاحق على وسام "صلیب الطیران المتمیز" لعملهم.
کان الجنود الذین نجوا فی ملاجئهم لا یزالون مترددین فی مغادرتها، حتى بعد صدور رسالة "الوضع الأبیض". یقول جونسون إن بعضهم کانوا یبکون؛ وکانوا یجهشون فی البکاء، وتقیأ آخرون.
سأل جونسون، الذی هو جراح طیران، عما إذا کان أی شخص بحاجة إلى رعایة طبیة. لم یرد أحد بالإیجاب، ما دفعه إلى تقدیم تقریر أولی عن "عدم وقوع إصابات" إلى البنتاغون؛ وهو نفس التقریر الذی أعلنه ترامب لاحقًا.( بالطبع، هذا التفسیر لواشنطن بوست یبدو سطحیًا جدًا ولا یصدَّق).
یقول جونسون: "الحقیقة هی أن جمیع القوات ظهرت علیها أعراض تلف فی الدماغ، لکنها کانت ضئیلةً مقارنةً بما تحملناه طوال اللیل".
بدأت القوات الموجودة فی عین الأسد الاختبار بعد صدور التقریر الأولی. والجرحى الذین ظهرت علیهم أعراض حادة غادروا العراق. جونسون نفسه عانى من تلف فی الدماغ، وقضى أسابیع فی ألمانیا یخضع للعلاج الطبیعی وعلاج النطق والعلاج المهنی وعلاج حرکات العین والرعایة النفسیة. وأخیرًا، عاد إلى الشرق الأوسط لإکمال خدمته.
یقول دافنبورت ومودی إنهما لم یتضررا فی الهجمات، لکنهما یتساءلان کیف مرت أمریکا بهذا الحادث مرور الکرام. یقول دافنبورت: "أعتقد أنه أمر محبط للغایة. هناک من لا یعرف فی الأساس أن هذا الأمر قد حدث".