السجون السعودیّة شاهد على خیانة آل سعود.. ما الذی تریده الریاض من المقیمین على أراضیها؟
فی ظل الضغوطات التی تمارسها السلطات السعودیة على المعتقلین من الجنسیتین الفلسطینیّة والأردنیّة، القابعین فی سجونها منذ سنتین بتهمة دعم القضیة الفلسطینیّة، جدد أهالی المعتقلین فی سجون النظام السعودیّ، مناشداتهم الإنسانیة للإفراج عن أبنائهم معربین عن مخاوفهم من أوضاع أبنائهم الأسرى، وخاصة أنّ الزیارات شبه مقطوعة منذ شهر آذار المنصرم، بذریعة تفشی فیروس کورونا المستجد.
إعلان حرب
منذ بدء السعودیة بالتقارب بشکل کبیر مع الکیان الصهیونیّ المجرم، وترحیبها باتفاقات العار التی أدخلت بعض الدول الخلیجیّة والعربیّة إلى حظیرة التطبیع الأمریکیّ، أعلن نظام آل سعود حربه الضروس على الفلسطینیین، فالعدو کما هو واضح واحد، رغم اختلاف الحیثیات وأسماء الزنازین، حیث أکّدت "المنظمة العربیّة لحقوق الإنسان" فی وقت سابق، أنّ قوات الأمن السعودیّ تعتقل المدافعین عن قضیّة الشعب الفلسطینیّ فی عدة سجون، بینها الحائر وعسیر وأبها وذهبان، دون أن تُوَجَّه لهم أیّ تهمٌ أو یمثلوا أمام القضاء، فضلا عن حرمانهم حقّ الزیارات الأهلیّة أو الاتصال بذویهم.
وفی هذا الشأن، أوضح شقیق أحد المعتقلین الفلسطینیین بسجون المملکة، أنّ والده خسر حیاته نتیجة إصابته بفیروس کورونا، وهو یوصیهم على شقیقهم المعتقل فی زنازین السعودیة منذ عامین دون أن یراه، وأنّ عائلة السجین لا تعلم شیئاً عن ابنها المعتقل، عقب انقطاع الزیارات جراء قرارات منع أصدرتها سلطات آل سعود بعد تفشی فیروس کورونا، قبل عام.
وبالتزامن مع ارتفاع حدة المخاوف من قبل أهالی المعتقلین الفلسطینیین والأردنیین على حیات أبنائهم فی ظل الأوضاع الصحیة الصعبة، وجه رئیس لجنة أهالی المعتقلین الأردنیین، خضر المشایخ، مناشدة للجهات المسؤولة بالریاض، بضرورة الإفراج الفوری عن المعتقلین، والإنجاز العاجل والسریع لمجریات المحاکمة، بما یکفل الإفراج عنهم، قائلاً: "آن الأوان لإغلاق ملف المعتقلین الفلسطینیین والأردنیین فی السعودیة".
ومع وضوح الموقف السعودیّ الرسمیّ بشکل جلیّ تجاه فلسطین، عقب موجة الخیانة الخلیجیّة والعربیّة التی لم تحدث بالتأکید دون موافقة الریاض، تستکمل الریاض فصول خیانتها وتزج بکل من یؤید القضیة المرکزیّة للعرب والمسلمین، فبعد مُضیِّ عامین على اعتقالهم، وجّه المدعی العام السعودیّ فی الریاض اتهامات فضفاضة للعدید منهم، وأبرزها الانضمام لکیان إرهابیّ ودعمه وتمویله، رغم مساهمتهم الکبیرة ببناء بلاد الحرمین، منذ مکوثهم فیها قبل 50 عاماً.
وتشیر الأنباء إلى أنّ معظم المعتقلین تعرضوا على مدار تلک المدة من الإخفاء القسریّ للإهانة والتعذیب، وغیرها من ضروب المعاملة الوحشیّة وغیر الآدمیّة، کما جرت جلسات محاکماتهم السابقة دون تمکینهم من توکیل محامین للدفاع عنهم، إذ منعت السلطات السعودیّة محامین سعودیین من المرافعة عنهم أو حضور جلسات المحاکمة، فی الوقت الذی یعیش فیه أهالیهم معاناة بکل ما تعنیه الکلمة من معنى، ناهیک أن بعضهم قد توفی فی ظل غیاب آخرین عن أراضی المملکة ممن فقدوا وظائفهم.
أکثر من ذلک، حصل القادة السیاسیون فی مملکة آل سعود على الفتاوى الوهابیّة لخلق الشرعیّة لأفعالهم الإجرامیّة فی البلاد دون رقیب أو عتید، ما حول المحاکمات غیر القانونیّة التی تجریها الریاض بحق المعتقلین الأردنیین والفلسطینیین، إلى محاکمات سیاسیّة - أشبه بالتی أجرتها عقب تقطیع الصحافیّ السعودیّ جمال خاشقجی - غیر مبنیّة على أیّ أساس قانونیّ، وتؤکد منظمات حقوقیّة أنّ جهات التحقیق حاولت إلباسها لبوساً جنائیّاً لتشویه سمعة المعتقلین، وتبریر ما تعرضوا له من انتهاکات.
انقلاب مواقف
مع انقلاب الموقف السیاسیّ للسعودیة وتحوله إلى داعم حقیقیّ للعدو الصهیونیّ المُستبد، یؤکّد أحد أقرباء المعتقلین الفلسطینیین بالسعودیة، أنّ الظروف السیاسیّة والإقلیمیّة هی التی أدت إلى حملة الاعتقالات الأخیرة، بعد أن أصبحت بلاد الحرمین محرمة على الفلسطینیین وداعمیهم، فیما تحولت إلى مرتع للصهاینة، تخدم المشاریع الاقتصادیّة لقاتل الأطفال الصهیونیّ، وتقدم له "فرصة ذهبیّة" من الناحیة الاقتصادیّة.
علاوة على ذلک، لم تغیر الحملات التضامنیّة مع المعتقلین الفلسطینیین والأردنیین فی السعودیة من المنهج الاستبدادیّ لسلطات المملکة الداعم للکیان الغاشم، والتی تهدف إلى الإفراج عن المعتقلین، وضمان حصولهم على جمیع حقوقهم القانونیّة والإنسانیّة، والیوم عقب وصول الرئیس الأمریکیّ الجدید، الدیمقراطیّ جو بایدن، إلى سدة الحکم وحدوث المصالحة الخلیجیّة، حان الوقت لإعادة النظر بالإجراءات السعودیة الظالمة بحق الفلسطینیین والأردنیین المقیمین فی البلاد منذ سنوات طویلة، ویجب على جمیع النشطاء والمنظمات الحقوقیّة ومنظمات المجتمع المدنیّ، والصحفیین ووسائل الإعلام الحرة المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان، إلى التفاعل مع القضیة بمختلف الوسائل، لتکوین رأی عام یضغط على الریاض للإفراج عن المعتقلین.
وما ینبغی ذکره، أنّ السلطات السعودیة قد شنت حملة اعتقالات واسعة فی صفوف الفلسطینیین وداعمیهم وکفلائهم، شملت ما یقارب الـ 70 شخصاً، وتم توجیه اتهامات باطلة ضدهم من قبل المدعی العام السعودیّ فی الریاض، وکانت حرکة المقاومة الإسلامیّة فی فلسطین "حماس"، التی یحاکم ممثلها فی الریاض، محمد الخضری ونجله هانی، قد دعت سلطات المملکة لوقف المحاکمات، لعدد من أنصارها، وإطلاق سراحهم دون قید أو شرط مسبق، لکن السعودیّة لم تستجب أبداً لتلک المطالب ولم تعلق علیها حتى.
ومن المثیر للاهتمام أنّ السعودیّة تحارب قضیّة فلسطین بید، وتدعم الکیان الصهیونیّ الدمویّ بالید الأخرى، ولابد من التذکیر بأنّ أبوظبی وتل أبیب مقبلتان على إقامة مشروع بحریّ یربط مدینة إیلات بمدینة جدة السعودیة، حیث کُشف عن المخطط خلال زیارة وفد إماراتیّ إلى الأراضی الفلسطینیّة المحتلة الواقعة تحت سلطة العدو، قبل بضعة أشهر، بعد جولة میدانیة فی میناء مدینة إیلات "أم الرشراش المصریّة"، على ساحل خلیج العقبة فی البحر الأحمر، والتقى الوفد بمسؤولین صهاینة، قاموا بزیارة مماثلة إلى أبو ظبی لبحث التفاصیل المتعلقة بتنفیذ المشروع.
إضافة إلى ذلک، تحاول تل أبیب استغلال فرص نقل النفط الخلیجیّ إلى أوروبا، من خلال الاجتماعات التی عقدت بین وزارتیّ الخارجیّة والدفاع فی حکومة الاحتلال، قبل أشهر، وشارک فیها مسؤولون کبار من شرکة النفط الحکومیّة "کاتشا"، ویتضمن المخطط الصهیونیّ تفعیل خط "إیلات عسقلان" فی الاتجاهین، بحیث یتم عبره نقل النفط الخلیجیّ إلى الدول الأوروبیّة، إضافة إلى نقل نفط أذربیجان وکازاخستان، اللتین تربطهما علاقات قویة مع الکیان الصهیونیّ، إلى إفریقیا وجنوب شرق آسیا.
بناء على ذلک، من غیر المعقول أن تتناسى المنظمات الدولیّة والحقوقیّة السجناء القابعین داخل السجون فی غیاهب النسیان، لکی یرضی محمد بن سلمان أسیاده فی تل أبیب، للتعتیم على انعدام الحقوق المدنیّة والسیاسیّة منذ تولیه ولایة العهد عام 2017، حیث عمدت سلطاته على تنفیذ حملات کبیرة من الاعتقالات التعسفیّة بحق المعارضین، والناشطین، والمثقفین، إضافة إلى المنافسین من العائلة الحاکمة.
بالنظر إلى کل الوقائع، ترغب السعودیّة من الفلسطینیین والأحرار المقیمین على أراضیها أن یکونوا مجردین من وطنیّتهم وقضیّتهم وأحاسیسهم، وإلا سیحصلون على "إقامة دائمة" داخل الزنازین المنتشرة فی البلاد بتهمة دعم قضیة المسلمین والأحرار فی العالم، فی الوقت الذی أصبح فیه "دعم فلسطین" من المحرمات داخل بلاد الحرمین الشریفین التی یسیطر علیها نظام آل سعود الوهابیّ، الداعم الأول للتنظیمات الإرهابیّة فی العالم.