البحریة الإیرانیة تسجِّل رقمًا قیاسیًا جدیدًا... هذه المرة "صواریخ تُطلق من الحاویات"

مع دخول الصواریخ إلى ساحة الحرب البحریة، تغیرت طریقة القتال فی میاه العالم إلى الأبد، وحیث کانت المدافع الخفیفة والثقیلة وفی النهایة الطوربیدات العامل الحاسم فی المعارک السطحیة، شهدت العقود الأخیرة وصول سلاح جدید، بمدى ودقة أکبر، ساعد فی جعل حتى السفن الصغیرة تهدیدًا کبیرًا للوحدات العملاقة فی البحر.

بشکل عام، الصواریخ المضادة للسفن هی صواریخ کروز، ویتم حملها بواسطة السفن السطحیة القتالیة داخل حاویات أسطوانیة أو مکعبة فی الغالب، وتُطلق عند الحاجة.

بالطبع، فی السنوات الأخیرة، اتبعت بعض أهم القوات البحریة فی العالم فکرة استخدام المنصات التجاریة عسکریًا، وأصبحت ناقلة نفط أو سفینة حاویات کبیرة یمکنها استیعاب قوات ومعدات کبیرة، نظرًا لحجمها الکبیر، أصبحت نماذج ذات أداء قتالی أو دعم قتالی.

وقد ازدهرت هذه الفکرة فی العالم منذ عدة سنوات، وبالطبع فی إیران، أطلقت بحریة الحرس الثوری الإیرانی الخطوة الأولی فی هذا المجال منذ فترة من خلال سفینة "الشهید رودکی".

فی البحریة التابعة لجیش جمهوریة إیران الإسلامیة، فإن سفینة "مکران" الحربیة هی سفینة بحریة جدیدة للجیش، تزن 12 ألف طن وهی فی الواقع سفینة تشبه سفینة الشهید رودکی، لکنها أکبر حجماً، وقادرة على استیعاب طائرات هلیکوبتر ثقیلة مثل سلسلة RH-53 والطائرات بدون طیار، ومن بین قدراتها قضایا الدعم مثل نقل واسترجاع القوارب السریعة الخاصة لهجوم القوات الخاصة وخدمات المستشفیات.

لکن بالمقارنة مع سفینة الشهید رودکی، للوهلة الأولى، لم ترد أنباء عن وجود صواریخ وأسلحة ثقیلة خاصة على سفینة مکران، لأنه فی سفینة الشهید رودکی کانت قاذفات صواریخ کروز ومنظومة "الثالث خرداد" واضحةً جیداً.

لکن نظرةً فاحصةً على الصور التی نشرت من سفینة مکران، تکشف عن حاویتین کبیرتین على سطح السفینة، متباعدتین وتواجهان بعضهما البعض على لوح معدنی. وبالنظر إلى أن الحاویات المذکورة تبدو من النوع القیاسی 40 قدمًا، فإن أبعادها ستکون 12 مترًا بالنسبة إلی الطول و2.34 متر عرضًا و2.28 متر ارتفاعًا. نتیجةً لذلک، من الممکن استیعاب أربعة صواریخ من نوع "أبو مهدی" فی کل منها، وحتى هناک خیارات مثل الصواریخ البالیستیة من عائلة "فاتح" یمکن ترکیبها بداخلها.

هذا النوع من أنظمة نقل وإطلاق الصواریخ غیر مسبوق فی بحریة الجیش أو الحرس الثوری الإیرانی، ویتم تنفیذه لأول مرة فی إیران. وتجدر الإشارة إلى أن جمهوریة إیران الإسلامیة قد تکون أول مستخدم تشغیلی لهذا النوع من حاملات الصواریخ فی العالم.

ولکن إذا أردنا إلقاء نظرة على تصمیمات متشابهة فی العالم، فلا یوجد سوى عدد قلیل من الأسماء المحددة. لکن قبل أن نتحدث عن المستخدمین، نتناول فوائد هذا التصمیم.

عندما نتحدث عن حاملة صواریخ فی شکل ومظهر حاویة، یجب أن نقول إن سرعة النقل والتحویل السریع لسفینة تجاریة إلى سفینة ذات قدرة عسکریة، عامل مهم وحیوی فی هذا الصدد.

کل ما هو مطلوب لإطلاق هذا الصاروخ، بما فی ذلک الصواریخ نفسها وأنظمة الرادار والتحکم والقیادة، یمکن تجمیعه فی عدة حاویات بفضل التقدم فی صناعة الإلکترونیات فی العالم وتقلُّصها.

والمسألة الأخرى هی أنه عندما نتحدث عن حاویة، فإن الهدف لیس مجرد سفینة. یمکن وضع هذه الناقلة خلف عدد من الشاحنات الکبیرة أو حتى القطارات ویمکن نقلها واستخدامها فی أماکن مختلفة بسرعة.

وأخیرًا، هناک حاجة إلى هوائیات اتصال أو کابلات ألیاف ضوئیة لتوصیلها ببعضها البعض، وبعد ذلک یکون لدینا قاذفة صواریخ ویمکننا إطلاق أی صاروخ منها نحو الهدف.

روسیا وبدء التنافس بمقترح بشأن الحاویات

کان الجیش الروسی من أوائل الدول التی عالجت بجدیة قضیة حاویات الصواریخ التی یمکن ترکیبها على السفن التجاریة.

أطلقت هذه الدولة اثنین من أشهر صواریخ الکروز فی سوق التصدیر بشکل محمول فی حاویات، أحدهما نموذج تصدیری لصاروخ کروز مضاد للکالیبر والآخر هو صاروخ کروز المضاد للسفن من سلسلة KH-35.

کما تم تحدید وبناء حاملة الصواریخ والغرفة المتعلقة بنظام التحکم والقیادة لهذه الصواریخ فی نفس الحاویات، وعرض الروس هذه الأنظمة لأول مرة فی عام 2012 فی معرض ماکس الجوی الشهیر.

الصینیون وترقیة الصواریخ المحمولة علی الحاویات

فی عام 2016، نظر الصینیون فی ترقیة لهذا النوع من التصمیم، وإضافة إلى القدرة على إطلاق صواریخ کروز، ناقشوا أیضًا إطلاق صواریخ مدفعیة لإطلاقها من داخل الحاویات.

ما عرضه الصینیون کان مزیجاً من قاذفات صواریخ کروز قصیرة المدى من سلسلة WS-43 وقاذفات صواریخ مدفعیة. وهذا التصمیم أکثر ملاءمةً للقوات البریة، نظرًا لطبیعة الأسلحة المحددة لها.

صاروخ کروز WS-43 هو سلاح تکتیکی قصیر المدى بمدى 60 کم ورأس حربی یزن 20 کجم، ویمکنه الطیران لمدة 30 دقیقة فی منطقة معینة وینتظر هدفه المحدد.

منذ عدة سنوات والکیان الصهیونی یستثمر فی مجال المدفعیة المیدانیة، فی شکل صواریخ قصیرة المدى وصواریخ بالیستیة، وأحد هذه المنتجات یسمى صاروخ LORA البالیستی التکتیکی، والذی تم أیضًا تصدیره إلى جمهوریة أذربیجان واستخدم فی حرب کاراباخ الأخیرة، وطبعاً فشل فی تحقیق هدفه البسیط المتمثل فی تعطیل جسر تواصل، على الرغم من إصابته للهدف.

منذ فترة، یجری الإسرائیلیون اختبارات تجریبیة باستخدام هذا الصاروخ من البحر لجذب عملاء، کما یختبرون نماذج حاویات الإطلاق والشاحنات من السفینة وفی البحر، وبالطبع لم یجد هذا النموذج زبوناً أو معجباً فی المرحلة البحریة.

هل تبحث أمریکا عن أسطول تجاری صاروخی؟

قد یُطرح سؤال مفاده بأنه إذا کانت هذه الخطة خیارًا جیدًا من حیث المبدأ، فلماذا کان لدیها عدد قلیل من العملاء حتى الآن.

رداً على ذلک، یجب القول إن حاجة إیران إلى التواجد فی المیاه البعیدة وفی نفس الوقت امتلاک قدرات صاروخیة وهجومیة ودفاعیة، دفعتها إلى تسلیح السفن فی مشاریع مثل الشهید رودکی أو مکران.

بعد الکشف عن خطة الشهید رودکی، أثار بعض الأشخاص فی الفضاء الإلکترونی بعض الأسئلة والغموض حول هذه الخطة. لکن یبدو أن الجیش الأمریکی سیُضاف قریبًا إلى نادی السفن التجاریة المجهزة بالصواریخ داخل الحاویات، لیتبین أن الجیش الإیرانی هذه المرة دخل هذا المجال الخاص والحدیث قبل الولایات المتحدة.

المعهد البحری الأمریکی(USNI)، الذی تأسس فی عام 1873 من قبل عدد من ضباط البحریة الأمریکیة لمناقشة مستقبل البحریة الأمریکیة بعد الحرب الأهلیة، ولا یزال ینشط حتى یومنا هذا معهدًا للأبحاث، قد توصل مؤخرًا إلى تقریر مثیر للاهتمام حول حاجة البحریة الأمریکیة إلى زیادة حجم صواریخها باستخدام السفن التجاریة.

ونصح التقریر البحریة الأمریکیة بشراء سفن تجاریة وتطویر صواریخ وأنظمة قتالیة فی شکل حاویات، بتکلفة أقل بکثیر من السفن الحربیة ومجموعات حاملة طائرات مقاتلة، لزیادة قدرة البحریة الأمریکیة على حمل وإطلاق الصواریخ فی مواجهة الصین.

بالطبع، هذه لیست المرة الأولى التی یتم فیها اقتراح فکرة إطلاق صواریخ من حاویات فی الولایات المتحدة. لأول مرة فی عام 2016، تم تقدیم خطة لتجهیز سفن سلسلة LCS بقوة نیران شدیدة مع حاویات تحمل الصواریخ.

ویبدو أن فکرة تسلیح السفن الحربیة الکبیرة أصبحت أکثر جدیةً فی الولایات المتحدة، وقد أعلنت البحریة الأمریکیة أنها ستجهز سفینةً هجومیةً برمائیةً واحدةً على الأقل من فئة سان أنطونیو بصواریخ کروز المضادة للسفن/صواریخ أرض-أرض من سلسلة NSM للعام المقبل.

فی الواقع، تجدر الإشارة إلى أن تطویر خلایا الإطلاق العمودی وحالیاً الصواریخ المحمولة علی الحاویات، بالإضافة إلى تحویل السفن التجاریة إلى فئة الدعم القتالی وقاذفات الصواریخ، أضاف تدریجیاً فئةً جدیدةً فی البحریة العالمیة، وأصبحت القوات المسلحة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة من بین الدول الرائدة فی هذا المجال بأول سفینة عملیاتیة مزودة بصواریخ تطلق من الحاویات، ومع استمرار هذه العملیة بشکل قوی، ستکون القوات المسلحة الإیرانیة واحدةً من أهم القوى البحریة فی المیاه الدولیة حتی عقد آخر، بما یضمن أمن وضمان حریة حرکة السفن التجاریة من وإلی الجمهوریة الإسلامیة.