احتضان حرکة طالبان فی طهران... إیران تمد یدها للسلام
دخلت الاضطرابات السیاسیة فی أفغانستان مرحلة جدیدة مع اتفاق العام الماضی بین طالبان والولایات المتحدة ، ما أجبر الأطراف الأجنبیة ، وخاصة الجهات الإقلیمیة ، على التعبئة لحمایة مصالحها من المخاوف المحتملة. فی هذا الصدد ، استضافت جمهوریة إیران الإسلامیة ، بصفتها قوة إقلیمیة وجارة لأفغانستان تتابع عن کثب التطورات السیاسیة الأخیرة ، للمرة الثانیة فی الأشهر الأخیرة ، وفدا رفیع المستوى من مسؤولی طالبان برئاسة الملا غنی برادر الشخصیة البارزة فی طالبان وکبیر المفاوضین فی محادثات الدوحة للسلام.
وبشأن جدول أعمال المحادثات ، قال المتحدث باسم طالبان محمد نعیم فی وقت سابق إن الجانبین سیناقشان "العلاقات بین طهران وکابول والقضایا المتعلقة باللاجئین الأفغان فی إیران والوضع السیاسی والأمنی فی أفغانستان والمنطقة".
تاریخ خلافات طالبان السیاسیة والعقائدیة وعداءها لإیران لا یخفى على أحد ، وهنالک قلق ایرانی من عودة الحرکة إلى الساحة السیاسیة الأفغانیة. لکن السؤال الآن لماذا ترحب الجمهوریة الإسلامیة بقادة هذه الحرکة وتدعوهم للتفاوض؟ من ناحیة أخرى ، ما هو مضمون هذه المحادثات وما هی آثارها على الساحة السیاسیة للتطورات فی أفغانستان؟
مصالح ومخاوف إیران الأمنیة والاقتصادیة
إیران لها حدود مشترکة مع أفغانستان تمتد بطول 815 کم. لقد تأثرت طهران وکابول وتأثرتا ببعضهما البعض من خلال عوامل مثل الجغرافیا والتاریخ والاقتصاد والثقافة. إن صعود حرکة طالبان وأحداث 11 سبتمبر 2001 والوجود الأمریکی فی أفغانستان والحرب وانعدام الأمن فی البلاد جعل التطورات فی هذا البلد أکثر أهمیة فیما یتعلق بأمن إیران القومی. ما لا شک فیه أن أحد الموضوعات المهمة التی ستناقش مع وفد طالبان هو مناقشة المخاوف الأمنیة لإیران.
بعد عقدین من الحرب بین الولایات المتحدة وحلفائها فی أفغانستان للقضاء على طالبان ، ما یمکن رؤیته الیوم هو سیطرة طالبان على نصف أفغانستان. هذا إلى جانب مؤشرات على وجود مستقبل لطالبان فی أفغانستان ، ما یؤکد حاجة إیران الملحة لحمایة مصالحها الأمنیة ، وخاصة على طول حدودها الشرقیة. یحظى أمن الحدود الشرقیة بأهمیة کبیرة بالنسبة لإیران بسبب وجود مجموعات إرهابیة تعمل ضد أمن المواطنین الإیرانیین فی المدن الشرقیة وأحیانًا فی الاراضی أفغانستان وباکستان.
من ناحیة أخرى ، تساور إیران مخاوف من وجود تنظیم داعش الارهابی فی أفغانستان ، والذی جعل فی السنوات الأخیرة ، بعد الهزائم فی سوریا والعراق ، من أفغانستان مکانًا للتجنید والأنشطة الارهابیة.
کما ان المخدرات هی مصدر قلق إیرانی رئیس آخر بشأن التطورات فی أفغانستان. حیث یتم إنتاج أکثر من 70 بالمئة من الأفیون فی أفغانستان ، وعلى الرغم من إعلان مکافحة المخدرات کواحدة من مهام الناتو ، إلا أن الحرب لم تؤثر فی إنتاج المخدرات فی البلاد. من ناحیة أخرى ، کان انعدام الأمن وسنوات الحرب فی أفغانستان أحد أسباب الوجود الکبیر للاجئین الأفغان فی إیران.
یعد الحفاظ على العلاقات الاقتصادیة والتعاون السیاسی الودی مع أفغانستان من النقاط المهمة الأخرى لإیران فی مستقبل معادلاتها السیاسیة. تتمتع طهران وکابول بعلاقات وثیقة وودیة فی مختلف القطاعات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة ، وقد تعاونت الحکومة الإیرانیة مع الحکومة الأفغانیة فی مختلف المجالات خلال الـ19 عامًا الماضیة ، وأهمها مشروع سکة حدید هرات - خواف .ا
المساهمة فی عملیة السلام
الجزء المهم الآخر من دعوة وفد طالبان لزیارة طهران هو بسبب الجمود فی محادثات الدوحة للسلام واتفاق طالبان مع الولایات المتحدة.
صرحت إیران مرارًا أنها ستجری أی مفاوضات مع طالبان بعلم حکومة کابول وستقدم تفاصیل المفاوضات إلى الحکومة. فی الأیام الأخیرة ، بعد أن أعلنت الإدارة الأمریکیة الجدیدة أنها ستراجع الاتفاق الذی تم التوصل إلیه بین طالبان وإدارة دونالد ترامب لسحب القوات الأمریکیة من أفغانستان ، وهی المرحلة الثانیة من محادثات الحکومة الأفغانیة وطالبان ، والتی بدأت فی 6 ینایر (کانون الثانی) فی قطر ووصلت إلى طریق مسدود وفی المقابل شهدت تصاعد موجات العنف.
جهود الولایات المتحدة لفرض اتفاقیات ثنائیة مع طالبان على الشعب الأفغانی والحکومة الأفغانیة (فی حین أن هناک اتفاقیات غیر معلنة وراء الکوالیس) هی أیضًا مصدر قلق لخصوم الولایات المتحدة مثل إیران وروسیا ، وبالتالی فإن جهود الحفاظ على عملیة التفاوض بین الحکومة المرکزیة وطالبان ، ومن ناحیة أخرى ، منع تصعید العنف والتأکید على ضرورة عدم الثقة بالوعود الأمریکیة وضرورة الحفاظ على إنجازات الشعب الأفغانی فی إرساء الدیمقراطیة ، تأتی فی مقدمة وجهات نظر طهران بشأن محادثات السلام.