لماذا تراجعت الإمارات والبحرین عن استضافة نتنیاهو؟
بعد أشهر قلیلة من إعلان التطبیع الرسمی للعلاقات بین الإمارات والبحرین مع الکیان الصهیونی، لم یتمکن نتنیاهو حتى الآن من السفر إلى الإمارات والبحرین، وتم تأجیل زیارته الرسمیة على الرغم من عدة إعلانات. حیث کشف التأجیل المتکرر لزیارة نتنیاهو للإمارات والبحرین تدریجیاً عن طبقات الخلاف الخفی بین أبوظبی وتل أبیب.
قبل نحو شهرین، فی منتصف دیسمبر 2020، أعلنت وسائل الإعلام للمرة الثانیة أن بنیامین نتنیاهو ألغى رحلة إلى الإمارات والبحرین بسبب "التطورات السیاسیة الإسرائیلیة". وکان قد مضى على ذلک الیوم نحو ثلاثة أشهر من تطبیع العلاقات بین الإمارات والبحرین والکیان الصهیونی.
بعد ذلک، وقبل أیام قلیلة من بدایة عام 2021، أرجأ رئیس الوزراء الإسرائیلی زیارته إلى البلدین المطبعین الإمارات والبحرین للمرة الثالثة على التوالی، وکانت حجة التأجیل هذه المرة بسبب البروتوکولات الصحیة. فی ذلک الوقت، نقلت رویترز عن مسؤولین إماراتیین قولهم إن الزیارة کانت مقررة الأسبوع المقبل، والتی تم إعادة جدولتها. ووفقا للتقریر، فإن سبب إلغاء زیارة نتنیاهو إلى هذین البلدین المطبعین فی منطقة الخلیج الفارسی هو فرض قیود کورونا والحجر الصحی العام المطبق على فلسطین المحتلة.
هذا وقد تم الإعلان عن إلغاء وتأجیل زیارة نتنیاهو للبحرین والإمارات وکأن هذا العمل هو من قبل السلطات الصهیونیة، ولکن للمرة الرابعة تغیرت زیارة نتنیاهو التی تم ترتیبها مسبقا إلى الإمارات والبحرین، وکان من المقرر أن یسافر إلى الإمارات لمدة ثلاثة أیام، والتی تم تقلیصها إلى ثلاث ساعات، فی حین ذکرت صحیفة یدیعوت أحرونوت أن بنیامین نتنیاهو ألغى زیارته إلى البحرین تماما. ووفق التقریر، فقد جاء قرار نتنیاهو بإلغاء زیارته للبحرین بعد تقلیص مدة رحلته إلى الإمارات من ثلاثة أیام إلى ثلاث ساعات، کما استشهدت مصادر إخباریة إسرائیلیة مرة أخرى بـ "استمرار أزمة کورونا وتمدید إغلاق مطار بن غوریون" کسبب لتغییر جدول زیارات نتنیاهو.
یبدو أنه خلال الإلغاء والتغییرات المتلاحقة لزیارة نتنیاهو للإمارات والبحرین، فإن قضیة کورونا هی مجرد عذر، وهذه التغییرات فی زیارة ما بعد کورونا تتأثر ببعض قرارات مضیفی نتنیاهو فی الإمارات والبحرین.
الطریق للهرب من الضغوط الداخلیة
یتعرض بنیامین نتنیاهو لضغوط داخلیة مکثفة هذه الأیام بسبب التهم الموجهة الیه بالفساد، وفی الوقت نفسه یستعد لا محالة لحملة انتخابیة صعبة. الانتخابات التی أجریت ثلاث سنوات متتالیة فی العام الماضی، ولکن لم تتمکن أی من الأحزاب السیاسیة فی الکیان الصهیونی من الفوز بأغلبیة مطلقة، وأدت الحکومات المهتزة التی تم حلها لعدة أشهر إلى إعادة انتخابها. والآن للجولة الرابعة على التوالی من الانتخابات النیابیة المقرر إجراؤها فی الکیان الصهیونی. إذا فشل فی هذه الجولة من الانتخابات، فسیذهب مباشرة إلى المحکمة بعد مکتب رئیس الوزراء وربما یتم احتجازه مؤقتا، لأن قضیة الفساد الخاصة به مطروحة على طاولة القضاء. ویشهد نتنیاهو حالیا مسیرة احتجاجیة أسبوعیة للمستوطنین، وتظاهر آلاف الأشخاص فی فلسطین المحتلة لیلة السبت الماضی ضد بنیامین نتنیاهو للأسبوع السابع والعشرین. ووفق القناة 12 الإسرائیلیة، طالب محتجون بإقالة نتنیاهو بتهمة الفساد، وحاول عدد من المتظاهرین إغلاق مدخل منزل نتنیاهو وإشعال النار فی صوره.
کما فقد نتنیاهو أقرب حلیف له دونالد ترامب فی امریکا ومع مجیء جو بایدن تتعرض مسیرة نتنیاهو السیاسیة لتحدیات کبیرة.
وعلى الرغم من الکثیر من الضغوط الداخلیة وهزیمة ترامب فی امریکا، والتی یعتبرها البعض مقدمة لهزیمة نتنیاهو فی الکیان الصهیونی، یعتزم رئیس الوزراء الصهیونی المثیر للجدل الآن اظهار زیارته إلى الإمارات والبحرین کإنجاز سیاسی ودبلوماسی. لکن یبدو أن الحظ لیس مع نتنیاهو، فمن ناحیة، تم تقلیص الزیارة إلى الإمارات إلى بضع ساعات بدلاً من بضعة أیام، وفی الوقت نفسه تم إلغاء الزیارة إلى البحرین.
لماذا تراجعت الإمارات والبحرین عن استضافة نتنیاهو؟
من الطبیعی جدا أن إلغاء وتقیید زیارة نتنیاهو للإمارات والبحرین لم یتم من قبل الصهاینة، بل من قبل الدول العربیة المطبعة، لأن زیارة نتنیاهو الطویلة إلى الدولتین العربیتین بشکل عام إنجاز ضروری له، وحقیقة الأمر تشیر إلى أن التغییرات فی خطط سفر نتنیاهو تتم من قبل مضیفیه العرب. وفی الوقت نفسه یبدو ان تراجع الإمارات والبحرین عن الاستقبال الحار لنتنیاهو امر مثیر للاهتمام.
المخاوف الأمنیة
وفقا للخبراء؛ لا تزال البحرین غیر قادرة على استضافة رئیس الوزراء الإسرائیلی بسبب المعارضة الشعبیة، وعلى الرغم من طلب تل أبیب، فإنها تفضل أن تکون أکثر تحفظا. وفی الإمارات قد یکون وضع الاستضافة لنتنیاهو أکثر صعوبة حیث تشعر المشیخات الإماراتیة من جهة بالقلق من بعض المعارضة الداخلیة ومن جهة أخرى تشعر بالقلق من بعض الحرکات التی قد تقوم بها مجموعات إقلیمیة مثل جماعة الإخوان داخل الإمارات. قبل أشهر قلیلة، عندما أُعلن تطبیع العلاقات بین الإمارات والکیان الصهیونی، شهدت بعض المدن الإماراتیة مثل دبی وأبو ظبی عقب ایام قلیلة سلسلة من الحوادث والحرائق التی أثارت مخاوف أمنیة فی الإمارات. حیث دفعت المخاوف نفسها الإمارات إلى تعلیق التأشیرات مؤقتا لنحو 17 دولة حتى معالجة بعض المخاوف الأمنیة. وبناءً علیه، فإن الظروف المحلیة والإقلیمیة لیست مواتیة بعد بما یکفی لاستضافة الإمارات أو البحرین لبنیامین نتنیاهو لعدة أیام.
الاستیاء الإماراتی
من ناحیة أخرى، فإن إلغاء وتقلیص زیارة نتنیاهو للمنطقة یرجع إلى استیاء الإمارات وبعض الخلافات بین أبوظبی وتل أبیب. حیث أفادت وسائل إعلام إماراتیة، عند تطبیع علاقات الدولة مع الکیان الصهیونی بأن هذا التطبیع تم مقابل وقف الاستیطان فی الأراضی الفلسطینیة بعد 1967، کما أکد بعض المسؤولین الإماراتیین هذا الشرط. فی الواقع، بالإعلان عن هذا الشرط ، حاولت الإمارات إضفاء الشرعیة على جهود التطبیع لصالح الفلسطینیین ووسط المسلمین، لکن بعد تطبیع علاقات أبو ظبی مع تل أبیب، لم تتوقف المستوطنات فحسب، بل أعلنت حکومة نتنیاهو بأن لدیها المزید من الخطط للاستیطان. وفی هذا الوضع، ومع استمرار الاستیطان فی الأراضی الفلسطینیة، تعرف الإمارات أنها لم تحقق شیئًا لإضفاء الشرعیة على عملها، ویبدو أن الدولة فعلت شیئًا لم یؤت بنتیجة على الرغم من التکلفة الباهظة لمکانتها فی العالم الإسلامی. ولعل إلغاء زیارة ولی عهد الإمارات، محمد بن زاید، إلى تل أبیب یمکن فهمه أیضا فی سیاق الخلافات نفسها بین الإمارات والکیان الصهیونی حول استمرار الاستیطان بعد تطبیع العلاقات.
خداع ترامب للإمارات
کانت الإمارات تأمل فی تسلیم طائرات مقاتلة أمریکیة من طراز F-35 من خلال تطبیع علاقاتها مع الکیان الصهیونی، ووقع ترامب فی الإجراء الأخیر والساعات الأخیرة من وجوده فی البیت الأبیض عقدا لتسلیم طائرات F-35 المقاتلة للإمارات مقابل تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی، لکن الرئیس الأمریکی الجدید بایدن ألغى قرار ترامب فی الدقیقة الـ 90 ولا توجد أنباء عن تسلیم مقاتلات F-35 إلى الإمارات.
فی الواقع، خان ترامب الإمارات، وعلى الرغم من وعده بتسلیم مقاتلات F-35 مقابل تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی، أرجأ توقیع اتفاقیة تسلیم هذه المقاتلات حتى أربعة أشهر بعد توقیع اتفاقیة التطبیع. وأکد البیت الأبیض الصفقة التی سرعان ما علقها الرئیس الأمریکی الجدید. توقعت الإمارات أن یتم تسلیم طائرات F-35 المقاتلة فور تطبیع العلاقات مع تل أبیب فی أوائل الخریف، لکن إدارة ترامب تعهدت بالتوقیع علیها فی اللحظة الأخیرة فی البیت الأبیض. لکن لم یدم هذا العقد سوى بضعة أیام أخرى.
خروج الإمارات خاویة الوفاض فی تطبیع العلاقات مع تل أبیب
وبناءً علیه ترى الإمارات نفسها قد خرجت خاویة الوفاض فی تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی، وترى نفسها خاسرة فی المیدان، حیث انه رغم تطبیعها العلاقات مع الکیان الصهیونی لم یتوقف بناء المستوطنات فحسب بل انها لم تتسلم الطائرات المقاتلة التی وعدت بها وفی ظل هذه الظروف من الطبیعی أن السلطات الإماراتیة لن تکون راغبة فی استقبال نتنیاهو فی أبو ظبی، وربما لهذا السبب، بعد أربعة أشهر من التأجیل وتغییر موعد زیارة نتنیاهو، تم تحدید هذه الزیارة بساعات قلیلة فقط بدلا من عدة ایام إضافة الى عدم تأکیدها حتى الان.