بعد الإفراج عن لجین الهذلول.. ماذا عن معتقلی الرأی فی السعودیة؟
جاهداً یحاول ولی العهد السعودی، محمد بن سلمان تلمیع سجله المشین فی حقوق الإنسان لتخفیف سخط المجتمع الدولیّ، وبالأخص إدارة الرئیس الأمریکیّ الجدید، جو بایدن، حیث أطلقت أجهزة الأمن السعودیة مؤخراً سراح الناشطة السعودیّة المعروفة، لجین الهذلول بعد 1001 یوم من الاعتقال، ما أثار جدلاً واسعاً وأشعل التعلیقات بشأن قرارات الاعتقال والإفراج وتأثیر الإدارة الأمریکیّة على هذا الملف، فیما سارع الکثیر من النشطاء العرب إلى المطالبة بإخلاء سبیل باقی المعتقلین فی السعودیة وإغلاق ملف معتقلی الرأی فی بلاد الحرمین الشریفین.
مطالب النشطاء
من جدید عادت قضیة معتقلی الرأی فی السعودیة إلى الواجهة، حیث ترکزت مطالبات النشطاء السعودیین والعرب على إطلاق سراح عدد من الرموز المعتقلین الذین یتمتعون بشعبیّة واسعة على مستوى العالم العربیّ والخلیجیّ، عقب إطلاق سراح الناشطة البارزة فی مجال حقوق النساء، لجین الهذلول، بعد اعتقال دام لنحو 3 سنوات، بتهمة تتعلق بالأمن القومیّ، وفق زعم السلطات السعودیة وقتها.
وفی هذا الشأن، رحب الرئیس الأمریکیّ، جو بایدن، بإطلاق سراح الهذلول متحدثاً أنّها کانت مدافعاً قویّاً عن حقوق المرأة، وأنّ إخلاء سبیلها إجراء صحیح، فیما تصدرت الهذلول اهتمام النشطاء العرب على شبکات التواصل الاجتماعیّ، حیث تباینت المواقف بین منتقد للقرار العربیّ الراضخ للإدارة الأمریکیّة، وبین مسارع إلى المطالبة بإطلاق باقی المعتقلین فی الزنازین المنشرة فی المملکة.
وحول هذا الموضوع، أطلق النشطاء العرب هاشتاغ #لجین_حرة على موقع تویتر، والذی سرعان ما تصدر قوائم الوسوم الأعلى تداولاً على تویتر وفیسبوک وشبکات التواصل المختلفة فی العدید من الدول العربیة، وفق مواقع إخباریّة.
یشار إلى أنّ حساب "معتقلی الرأی" على تویتر، والذی یعد من أهم الحسابات الناشطة فی هذا المجال ویتابع منذ سنوات أخبار المعتقلین فی السعودیة، "لجین حرة ولکن قیدها الآن هو المنع التعسفیّ من السفر"، مطالباً السلطات برفع هذا الحظر والعمل على محاسبة جمیع من قام بتعذیبها وبالإشراف علیه، الذی أنکره القضاء السعودیّ غیر المستقل، وأضافت الصفحة الحقوقیّة أنّ المدة الطویلة التی قضتها الناشطة السعودیّة فی المعتقلات، قد تبدو سهلة بالنسبة للقارئ، لکنها کانت قاسیة بشدة على من قضاها خلف القضبان.
وما ینبغی ذکره، أنّ سلطات آل سعود شنت العدید من حملات الاعتقال منذ تولی الانقلابیّ، محمد بن سلمان منصب ولایة العهد، وفی العام 2017 اعتقلت السلطات الداعیة المعروف، سلمان العودة، بسبب تغریدة على تویتر حول الأزمة الخلیجیة، کتب فیها: "اللهم ألف بین قلوبهم لما فیه خیر شعوبهم"، وهی التغریدة التی فهمتها سلطات الریاض على أنّها اعتراض على قرار مقاطعة أو حصار قطر الإخوانیّة، کما تم اعتقال شقیقه خالد، بسبب تغریدة انتقد فیها اعتقاله.
تخفیف ضغوطات
کشفت صحیفة "وول ستریت جورنال" الأمریکیّة، قبل مدة، أنّ محمد بن سلمان یحاول تخفیف الضغوطات على السعودیة من جانب أمریکا، لذلک فقد أمر بإصدار حکم على الناشطة السعودیّة المعروفة، لجین الهذلول، والذی یتضمن سجنها لفترة طویلة، لکن یسمح بخروجها، وصدر هذا القرار مع دخول الرئیس الأمریکیّ الجدید إلى البیت الأبیض، والذی تعهّد فی السابق بفتح ملف حقوق الإنسان فی المملکة، لکن السلطات السعودیة رغم إفراجها عن الهذلول ستُبقِی على لجین بعُهدتها، ولن تسمح لها بالسفر إلى الخارج، فی الوقت الذی تتحدث فیه الناشطة السعودیّة وفق ما ینقل أشقاؤها، عن تعذیب، وتحرّش، وتهدید، طالها وهی تقبع خلف الزنازین.
ومن المعروف بالنسبة للجمیع أنّ محمد بن سلمان یتحکم ببلاد الحرمین، وقد غیر مدة عقوبة الناشطة لجین الهذلول، حیث أمرت محکمة فی الریاض، قبل شهر، بسجن الهذلول 5 سنوات و8 أشهر بعد اتهامها بالتحریض على تغییر النظام السعودیّ وخدمة أطراف خارجیة، وأرفقت الحکم بوقف تنفیذه لمدة سنتین و10 أشهر.
یُذکر أنّ شقیق الناشطة السعودیة المعتقلة فی السجون السعودیة، ولید الهذلول، کشف 7 مطالب للناشطة الحقوقیّة، مع اقتراب موعد الإفراج عنها، وذکر فی تغریدات على حسابه فی "تویتر"، أنّ طلبات الناشطة الأساسیّة، تترکز على فتح تحقیق مستقل حول من أمر وخطط ونفذ اختطافها من أبوظبی إلى الریاض، إضافة إلى فتح تحقیق مستقل بحق من أمر وخطط ونفذ اختطافها من سجن ذهبان إلى سجن سریّ بمدینة جدة، وفتح تحقیق مع القاضی إبراهیم اللحیدان، لحذفه فقرات من صحیفة الادعاء (قائمة الشهود)عندما أرسل کامل ملفها إلى المحکمة الجزائیّة المختصة، وتلبیة طلب لجین الهذلول باستدعاء الشهود المذکورین فی صحیفة الادعاء الأساسیّة، ومحاکمة جمیع الصحف السعودیة التی شوهت سمعتها، وإلغاء حظر السفر عن جمیع أفراد عائلتها.
وقبل مدة، طالبت منظمة الأمم المتحدة، ووزارة الخارجیّة الفرنسیة الریاض بالإفراج السریع عن لجین الهذلول، فیما انتقدت منظمة "هیومن رایتس ووتش" عجلة السلطات فی إدانة الهذلول بالتجسس، فی محاکمة لم تطبق الإجراءات القانونیّة، ناهیک عن المطالبات التی وُجّهت للسعودیة من قبل شخصیات سیاسیّة أوروبیّة وأمریکیّة مختلفة، بعد أن اعتقلت السلطات السعودیة الناشطة السعودیة المعروفة منذ أیار عام 2018، وهی واحدة من أبرز الناشطات السعودیّات، اللواتی طالبن بمنح المرأة حُقوقاً فی قیادة السیارة، وعلى صعید حُقوق السفر، والزواج، وهی حُقوق جرى منح المرأة السعودیّة بعضها، لکن الهذلول کانت وراء القضبان.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الإفراج عن الهذلول ومنعها من السفر لا یُعتبر حُریّة، فیما لم تُعلّق الریاض أبداً على تحذیرات شقیقة لجین، وتحمیل السلطات مسؤولیّة تعریض حیاتها للخطر، فی ظل وجود بایدن فی البیت الأبیض، الذی یُحتّم التعامل مع حیاة الهذلول بقدر أکبر من المسؤولیّة، وخاصة أنّ الإدارة الأمریکیّة بدأت بفتح ملفّات السعودیّة، واتخذت قراراً بتجمید بیع السلاح للریاض، بغض النظر عن ملف تقطیع الحافیّ السعودیّ المعروف، جمال خاشقجی، الذی تم تقطیعه فی قنصلیّة بلاده فی إسطنبول.
وفی هذا الخصوص، لم تعلن الریاض عن أیّ دلیل لإثبات مزاعمها، حیث تقول عائلة الهذلول إن الدلیل الوحید المقدم ضد لجین فی المحکمة، کان تغریدات عن قیادة المرأة للسیارة ومقاطع فیدیو لها تناقش وصایة الرجل على المرأة والذی ألغی بعد وقت لائق من اعتقالها، کما اتهمت شقیقة الناشطة، لینا الهذلول المقیمة فی بروکسل، السلطات السعودیة بتعذیب لجین بالصعق الکهربائی والجلد، إضافة إلى التحرش الجنسیّ، وهذا ما نفته السعودیة.
وکانت السلطات السعودیة قد اعتقلت الناشطة الهذلول البالغة 31 عاماً وحاکمتها بموجب نظام "مکافحة جرائم الإرهاب وتمویله"، وبدت الهذلول التی ظلت إلى حد کبیر فی الحبس الانفرادیّ وأضربت عن الطعام لمدة أسبوعین فی تشرین الثانی، احتجاجاً على ظروف سجنها، ضعیفة جسدیاً فی المحکمة، وکان جسدها یرتجف ویصاب بإغماء.
وبناء على ذلک، أصبحت قضیة الناشطة لجین الهذلول تشغل الرأی العام العالمیّ لأسباب مختلفة بعضها سیاسیّ لا أکثر، لیبقى السؤال الأهم ماذا عن السعودیین الذین یقبعون فی سجون المملکة المنتشرة فی البلاد؟، لأسباب تنافی المنطق والقانون، فإما أن تصفق للسلطات السعودیة أو أن تقبع فی سجونها، حیث إنّ الشعب السعودیّ، لم ینسَ بعد المواطن حزام الأحمری، الموظف فی میناء جدة البحری، الذی اعتقلته السلطات قبل أشهر على خلفیة بثه مقطع فیدیو أبدى فیه رفضه وجود ملهى لیلیّ قرب منزله فی جدة، وأصدرت حکماً بسجنه لمدة 4 أعوام وغرامة بقیمة 80 ألف ریال سعودیّ.
ورغم أنّ المملکة رضخت فی قضیة الهذلول لإرضاء واشنطن، لکنها منذ سنوات لم تأبه من ردود الأفعال المحلیّة والدولیّة من اتخاذ مثل هکذا قرارات تعسفیة، رغم أنّها تواجه مشاکل دولیّة کبیرة ومعقدة بینها جریمة تقطیع الصحافیّ السعودیّ المعروف، جمال خاشقجی، وملف سجناء الرأیّ والمدافعات عن حقوق الإنسان فی السعودیة، ناهیک عن حرب الیمن التی أماطت اللثام عن وجوه حکام السعودیة.
ومراراً، بیّنت الکثیر من التقاریر الإعلامیة أنه من غیر المعقول أن تتناسى المنظمات الدولیّة والحقوقیّة بقیة السجناء القابعین داخل السجون فی غیاهب النسیان، معللة رضوخ محمد بن سلمان فی هذه القضیة، بالتعتیم على انعدام الحقوق المدنیّة والسیاسیّة منذ تولیه ولایة العهد عام 2017، حیث عمدت سلطاته على تنفیذ حملات کبیرة من الاعتقالات التعسفیّة بحق المعارضین، والناشطین، والمثقفین، إضافة إلى المنافسین من العائلة الحاکمة.