لماذا قد یصبح الاتفاق الکردی مع دمشق أکثر احتمالا من أی وقت مضى؟
خلال السنوات العشر للأزمة السوریة، کانت هناک دائما رغبة ودافع متبادل بین الجهات الفاعلة المحلیة والأجنبیة للتوحد من أجل الوصول إلى السلطة فی مجال المعادلات السیاسیة والعسکریة، ویرجع ذلک أساسا إلى أن البلاد أصبحت مکانا للمنافسات الجیوسیاسیة بین القوى الإقلیمیة. وفی غضون ذلک، حاول الأکراد السوریون دائما، على الرغم من تحالفهم مع امریکا، الحفاظ على جسر اتصال بینهم وبین القطب المعادی للغرب ای وروسیا والحکومة المرکزیة، مما أدى إلى الحد الأدنى من المواجهة العسکریة مع الجیش السوری وحلفائه خلال سنوات الحرب على الرغم من خلافات سیاسیة بین الطرفین.
أثار الأکراد والحکومة السوریة مرارا وتکرارا قضیة المفاوضات لحل خلافاتهم والتوصل إلى اتفاق تعاون مشترک، والذی فشل إلى حد کبیر حتى الان. لکن السؤال المطروح الآن هو الى أی حد یمکن الأمل فی مستقبل المفاوضات بین الأکراد والحکومة السوریة؟ ومن جهة أخرى، إلى أی مدى قد تتفق الفصائل السیاسیة الکردیة السوریة فیما بینها على اجراء مفاوضات واتفاق مع الحکومة المرکزیة؟
أکراد سوریا قلقون من ترکیا ومن الضیاع فی التعامل مع امریکا
على الرغم من أن الأکراد یلعبون حالیا دورا مستقلاً بسبب فراغ السلطة الناتج عن الأزمة السوریة ویحتلون جزءا کبیرا من الأراضی السوریة، لکن الواقع هو أن تدفق التطورات فی منطقة غرب آسیا لا یضمن بأی حال استمرار وبقاء سلطاتهم فی شکلها الحالی. وفی الواقع، قبل عام 2011 کان الأکراد السوریون أقل الأکراد شهرة فی منطقة غرب آسیا بأکملها ولم یکن لدیهم مکانة قویة فی البنیة الاجتماعیة والسیاسیة لسوریا.
وفی السنوات التی تلت عام 2014، سیطر الأکراد السوریون، تحت امرة الامریکان على حوالی 23 بالمائة من الأراضی السوریة، لکن شهر العسل الکردی تراجع بسرعة خلال رئاسة دونالد ترامب. وفی السنوات التی تلت عام 2016، أصبحت الحکومة الترکیة العدو الأکبر للأکراد السوریین، وتحت ذریعة انتمائهم إلى جماعة حزب العمال الکردستانی الإرهابیة، هاجمت المناطق التی یسیطر علیها الأکراد غرب وشرق الفرات.
لکن فی ظل الوضع الجدید، یشعر الأکراد بقلق عمیق من بدء جولة جدیدة من الهجمات الترکیة وتزاید موجة الضغط علیهم من أنقرة، وأهم مظاهرها یمکن تقیّمها فی قطع الحکومة الترکیة للمیاه عن المدن الکردیة فی محافظة الحسکة. وعلى الرغم من أنه کان یُعتقد فی البدایة أن إدارة بایدن على عکس ترامب، من المرجح أن تتخذ نهج الدعم الاقصى للأکراد، فإن إعلان المسؤولین الأمریکیین یظهر الآن أن دعم واشنطن لهم لیس شاملاً ودائما ومضمونا. حیث شدد المتحدث باسم وزارة الدفاع الامریکیة جون کیربی مؤخرا على أن "مهمة القوات المتمرکزة فی المناطق الخاضعة للسیطرة الکردیة السوریة هی الترکیز على محاربة داعش ولیس حمایة آبار النفط".
یشیر اتجاه هذه الاحداث إلى أن تکرار تاریخ الثقة الساذجة للأکراد فی امریکا حیث انه لن یؤدی فی النهایة إلى شیء سوى الهزیمة والخیانة والإذلال بالنسبة لهم، وبالتالی فإن السیناریو المنطقی للأکراد السوریین قد یکون فی العودة إلى احضان الحکومة المرکزیة والاتفاق مع بشار الأسد.
على الأقل فمن وجهة نظر دمشق، الأکراد هم جزء من الشعب السوری ولهم هویتهم الخاصة ویجب أن یظلوا فی مناطق إقامتهم، ولکن من وجهة نظر جهات فاعلة مثل ترکیا، فان المناطق الشمالیة من سوریا یجب أن تکون مصحوبة بالتغییر الدیموغرافی وان یتحول الاکراد الى اقلیات فی هذه المناطق. وفی ظل هذه الظروف فان وجود الأکراد معرض لضرر اجتماعی ودیموغرافی وأمنی، لذا فإن الاتفاق مع الحکومة المرکزیة قد یکون الخیار الأنسب للأکراد السوریین.
أکراد سوریا على طریق اتفاق شامل مع الحکومة المرکزیة
بالنظر إلى محنة الأکراد فی المعادلات السیاسیة المستقبلیة للأزمة السوریة، على الرغم من الانقسامات داخل الأحزاب الکردیة، فإن تسییسهم فی السیاق الجدید یشیر إلى أن موضوع الاتفاق مع دمشق ربما یکون على جدول الأعمال بجدیة أکبر من ذی قبل. وفی هذا الصدد، أفادت مصادر مطلعة بأن قادة أکراد سوریین ومسؤولین فی الحکومة المرکزیة التقوا بوساطة روسیة وقیّموا نتائج هذه المحادثات بالإیجابیة. وبحسب هذه المصادر، فقد جرت المباحثات على مدى أربعة أیام وحققت نتائج إیجابیة وبناءة، وعاد الوفد الکردی إلى الحسکة بعد أن توصل الجانبان إلى اتفاقات أولیة بإشراف روسی.
هذا وتشیر الدلائل إلى أن الوفد الکردی إلى دمشق توصل إلى اتفاقات أولیة، بما فی ذلک إطلاق سراح جمیع الأسرى العسکریین والمدنیین من سجون قوات سوریا الدیمقراطیة (قسد)، ورفع الحصار عن مناطق سیطرة الحکومة السوریة فی الحسکة والقامشلی. ورفع العلم السوری على دوائر ومؤسسات هذه المناطق بعد عودة الموظفین إلى هذه مکاتبهم. وتعد هذه الاتفاقات الأولیة بأنهم فی الوضع الجدید یأملون أکثر من أی وقت مضى فی التوصل إلى اتفاق وتسویة مع الحکومة المرکزیة.