تورط حکومی بریطانی وتحرکات برلمانیة لنصرة ثورة البحرین
فی الرابع عشر من فبرایر/ شباط من عام 2011، بدا ذلک الیوم أن البحرین ستکون أولى دول الخلیج الفارسی التی تصل إلیها موجة التغییر التی اجتاحت الدول العربیة فیما اصطلح علیه باسم "الربیع العربی".
وخلال أسابیع قلیلة، وحسب أرقام للحکومة البحرینیة ذاتها، خرج إلى الشوارع ما یصل إلى ثلث سکان البحرین الذی یزید قلیلاً عن ملیون نسمة، لکن حکومة المنامة تمکنت فی 18 مارس/ آذار من تلک السنة من هدم رمز الحراک وهو دوار اللؤلؤة.
بدایة الثورة وتدخل درع الجزیرة!
بین 14 فبرایر و 18 مارس تدفق الآلاف إلى الشوارع و رفع العدید منهم العلم البحرینی، مطالبین بوضع دستور جدید للبلاد، والافراج عن مئات المعتقلین الشیعة الذین احتجزوا منذ أغسطس/ آب من عام 2010، ووضع حد لانتهاکات حقوق الإنسان.هذه الاحتجاجات والمطالب تمت مقابلتها بعنف شدید من قوات الأمن البحرینیة و سقط على إثرها ضحایا وحدثت انتهاکات عدة لحقوق الإنسان، وأجرت هیئة تحقیق دولیة تحقیقات فی هذا الشأن.
لجأ الثوار إلى دوار اللؤلؤة واعتصموا هناک واتخذوه مرکزاً لاحتجاجاتهم وفی تلک الأثناء، طلبت الحکومة البحرینیة من دول مجلس التعاون المساعدة العسکریة لـ "المساعدة فی حمایة أمن المواطنین والمقیمین والبنیة التحتیة". وعقب ذلک وتحدیداً فی 14 مارس/ آذار من عام 2011 دخل البحرین ألف جندی سعودی و500 رجل أمن إماراتی فیما یعرف باسم "درع الجزیرة".
واقتحمت قوات الأمن البحرینیة دوار اللؤلؤة لفض الاعتصام وأسفر ذلک عن سقوط ضحایا بین المدنیین، وردت علیه جمعیة الوفاق وهی أکبر حرکات المعارضة البحرینیة الشیعیة بالانسحاب من البرلمان.
واستمرت بعد ذلک حملات المضایقات والاعتقالات وانتهاکات حقوق الانسان من قبل الأسرة الحاکمة ضد الشعب البحرینی وسط صمت دولی منقطع النظیر.
الموقف الأمریکی البریطانی من الثورة البحرینیة
کانت الولایات المتحدة والمملکة المتحدة تخشیان الإلحاح فی الدفع بالبحرین باتجاه التغییر بسبب القاعدة العسکریة الحیویة التی یملکونها فی هذه المنطقة.
والقاعدة تعرف بمیناء سلمان، وهی مقر الأسطول الخامس الأمریکی وبجانبها أول قاعدة بریطانیة دائمة فی الشرق الأوسط منذ عام 1971 والتی تم افتتاحها عام 2018.
وتبعث البحرین بأمرائها لتلقی التدریب العسکری فی الأکادیمیة الملکیة الحربیة فی بریطانیا، حتى أن إحدى قاعاتها سمیت باسم الملک حمد، حاکم البحرین الذی تلقى تدریبه هناک.
ورأى البعض أن السفیر البریطانی السابق، جیمی بودین، کان شدید التودد للمعارضة، وشدید النقد للحکومة، وانتهى الأمر بأن همشته الحکومة البحرینیة. وقد شهد السفیر أثناء فترة إقامته فی العاصمة البحرینیة، المنامة، أسوأ موجات العنف.
تورط حکومی بریطانیة وصحوة برلمانیة
فی عام 2018 کشفت صحیفة "ذا تایمز" البریطانیة، أنّ ملایین الأموال التی یدفعها المواطنین البریطانیون کضرائب، یجری إنفاقها سراً على هیئات متورطة بارتکاب انتهاکات خطیرة لحقوق الإنسان فی مملکة البحرین، بعدما منعت الحکومة نشر معلومات أساسیة حول صندوق غامض تدیره وزارة الخارجیة.
وأوضحت الصحیفة فی تقریر لها، أنّ طلبات عدیدة استناداً إلى قانون "حریة الوصول للمعلومات"، جرى تقدیمها من أجل الحصول على تفاصیل، حول کیفیة إنفاق "صندوق النشاط المتکامل" (IAF) التابع لوزارة الخارجیة البریطانیة، مبلغ 20 ملیون جنیه إسترلینی سنویاً.
وذکرت الصحیفة حینها أنّه تم رفض هذه الطلبات بحجة الحفاظ على الأمن القومی، واستثناءات أخرى متعلّقة بدور لأجهزة الاستخبارات.
وتشمل مشاریع "صندوق النشاط المتکامل" وفق الصحیفة، تمویل برنامج للأمن والعدل فی البحرین، یثیر الجدل و"ینبغی إخضاعه للمراجعة"، بحسب ما قالت لجنة الشؤون الخارجیة فی البرلمان.
ولکن یبدو أن البرلمان البریطانی کان متنبهاً للسیاسات الخاطئة للحکومة البریطانیة تجاه البحرین وتشیر العدید من النقاشات داخل البرلمان البریطانی بغرفتیه (مجلسی اللوردات والعموم) إلى تصاعد الضغط على الحکومة البریطانیة لتغییر سیاساتها تجاه البحرین التی تمیزت بما یلی: اولاً الدعم المطلق للحکومة وعدم التأرجح فی الموقف تجاهها فی کل الظروف، ثانیاً: تقدیم الدعم السیاسی والأمنی بدون حدود، ثالثاً: حمایتها على المستوى الدولی ومنع صدور قرارات تنتقدها حتى فی المجال الحقوقی. رابعاً: التصدی لکافة التحدیات التی تواجه الحکومة هناک وکذلک معارضیها بأسالیب تهدف لتحجیم نشاطهم وتوفیر درع واقیة ضد تأثیرها. هذه السیاسة الجدیدة ـ القدیمة کانت تعنی عدم إمکان ممارسة ضغوط مباشرة على الحکم هناک.
وقد تعرضت تلک السیاسة للفحص والامتحان بعد ثورة 2011 التی شهدت خرقاً مروعاً لحقوق الإنسان.
التدخل البریطانی فی هذه الحقبة اتخذ أشکالاً عدیدة وکان على مستویات ثلاثة: اولها ارسال فریق من دائرة الاشراف على السجون البریطانیة للسیطرة على سجون البحرین المکتظة بالنزلاء. ثانیها: تشکیل مؤسسات باسم حقوق الإنسان من اجل تحیید الجهات الدولیة التی تنتقد الملف الحقوقی للنظام فی البحرین، ومن هذه المؤسسات: مکتب التظلمات، والهیئة الوطنیة لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى.
رسالة برلمانیة للمطالبة بفرض عقوبات على الحکومة البحرینیة
وآخر هذه التحرکات البرلمانیة کانت فی الذکرة العاشرة للثورة البحرینیة حیث وجّه 11 نائباً فی مجلس العموم البریطانی رسالة إلى وزیر الخارجیة دومینیک راب ینتقدون فیها انتهاکات حقوق الإنسان فی البحرین، ویطالبون باتخاذ إجراءات ضد المنامة.
والرسالة تشیر إلى أنها تهدف إلى لفت الموقعین علیها الانتباه إلى ما وصفته بالانتهاکات التی حدثت فی المملکة "کنتیجة مباشرة للانحلال السیاسی منذ 2011″، ولحث حکومة المملکة المتحدة على الدعوة للإفراج الفوری عن السجناء السیاسیین والمعتقلین فی سجون البحرین.
وأشارت الرسالة البرلمانیة إلى أنه فی فبرایر/شباط 2011 بدأ أکثر من نصف سکان البحرین الاحتجاج على عدم المساواة الهیکلیة والفساد والقمع ونقص التمثیل الحکومی، مضیفة أن الحکومة البحرینیة ردت على ذلک بقوات الأمن، مما أدى إلى اعتقال الآلاف، وسقوط مئات الجرحى وعشرات القتلى من الأبریاء.
وتابعت الرسالة أن الحکومة البحرینیة استهدفت کل من تجرأ على التعبیر عن الرأی المعارض من خلال الهجمات الإعلامیة والمحاکمات العسکریة ومداهمات المنازل والاعتقال التعسفی، وحتى القتل خارج نطاق القضاء، مضیفة أن حکومة المملکة "فشلت منذ ذلک الحین فی تنفیذ الإصلاحات الدیمقراطیة الموعودة وتشکیل مجلس وطنی منتخب شعبیًا".
أهداف غیر معلنة!
یبدو أن سیاسة الصمت البریطانی الرسمی بشقها الحکومی هدفها أکبر مما یفهمه البرلمانییون أو ربما تکون هذه الأصوات البرلمانیة هی لتضلیل الرأی العام بأن البرلمان البریطانی یقف بجانب الشعوب الحرة ولکنه ضمنیاً یؤید حکومة بلاده فی سیاساتها،
فبعد الخروج البریطانی من الاتحاد الأوروبی تحاول بریطانیا الدخول بقوة فی منطقة الشرق الأوسط وتعتبر دول الخلیج الفارسی منصة لها للدخول فی هذه المنطقة وهی تحاول المحافظة على النظام الحاکم فی البحرین لحمایة قاعدتها العسکریة هناک ولضمان موطئ قدم لها فی المنطقة.
