ماذا نعرف عن انتخابات "حماس" الداخلیة؟
انطلقت یوم الجمعة الماضیة انتخابات حماس الداخلیة، لاختیار قیاداتها الجدیدة لمدة أربع سنوات قادمة، وسط أجواء دیمقراطیة قل نظیرها ضمن المنطقة، لاسیما وأن الحرکة تتعرض لضغوط کبیرة من الاحتلال الاسرائیلی الذی یعمل على عرقلة الانتخابات بأی ثمن، ومع ذلک حماس ماضیة بکل مصداقیة واحترافیة فی هذه الانتخابات التی یشکل نجاحها صفعة جدیدة للاحتلال الاسرائیلی ویثبت من جدید للعالم وحدة صف المقاومة الفلسطینیة، ونجاح هذه الانتخابات هو ضرورة قصوى لحماس ولجمهور المقاومة.
انتخابات حماس تجری فی ثلاثة أقالیم، غزة والضفة الغربیة والخارج، إضافة إلى قیادة أسرى الحرکة فی السجون وبسریة تامّة. المرحلة الأولى بدأت فی غزة، بعد ذلک سیتم تشکیل مجالس شورى فی محافظات قطاع غزة، من بین الفائزین فی الانتخابات الأولیة، التی تعرف بین أعضاء الحرکة باسم "المحلیات".
وهذه الخطوة تسبق عقد اجتماع لمجالس الشورى المنتخبة، لتشکل من بین أعضائها مجلس الشورى العام لحرکة حماس فی قطاع غزة، والذی أیضا یتم من الاختیار من بینهم، أعضاء المکتب السیاسی لحرکة حماس فی غزة، وهم أعلى هیئة قیادیة فی القطاع.
ومن المقرر أن تجرى انتخابات أخرى لقیادات حرکة حماس فی إقلیم الخارج، وکذلک فی الضفة الغربیة، بذات الطریقة التی تجرى فی غزة، وتحیط الحرکة انتخاباتها بشکل عام، وخاصة فی الضفة الغربیة بسریة تامة، ولا تفصح عن أسماء قادتها هناک، على غرار ما یحصل فی إقلیم غزة وإقلیم الخارج.
على مستوى قیادة حماس، ستکون المنافسة بین الرئیس الحالی للحرکة اسماعیل هنیة، والذی یحظى بشعبیة کبیرة، کما عاد اسم خالد مشعل من جدید للمنافسة فی هذه الانتخابات، ولکن هناک أقاویل بأن مشعل سیکون رئیس الحرکة فی الخارج، وهناک أیضا مسؤول غزة یحیى السنوار، وحتى اللحظة هناک عدم وضوح بالنسبة لمن سیکون رئیس حرکة حماس ولکن فی الغالب سیکون اسماعیل هنیة على اعتبار أنه حکم لدورة واحدة، وبالتالی یحق له أن یستلم زمام الأمور لدورة ثانیة.
وتبدأ العملیة الانتخابیة عادة من القاعدة نحو القمة، فی عملیة متتابعة، تبدأ من العناصر، بناء على معاییر محددة بدقة، وصولا إلى انتخاب القیادة التنظیمیة بمستویاتها المتعددة والقیادة السیاسیة والشوریة، وتنتهی العملیة بجمع مخرجات هذه الانتخابات فی الأقالیم الثلاثة والسجون، لتشکیل قیادة الحرکة داخل وخارج فلسطین، فیتشکل المکتب السیاسی "اللجنة التنفیذیة" ومجلس شورى الحرکة العام.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه العملیة المعقدة والمرکبة تشمل الرجال والنساء على قدم المساواة، حیث یتم تصدیر قیادة نسائیة فی کل المستویات ولکل الملفات. تستغرق العملیة فی العادة عدة شهور حتى تکتمل ویعلن عن نتائجها واستلام القیادات المنتخبة مناصبهم الجدیدة.
حرصت "حماس" على إجراء انتخاباتها بشکل دوری کل أربع سنوات بغض النظر عن الظروف المحیطة بها وخاصة فی بعدها الأمنی، ولَم تتخلف عن ذلک، حتى فی فترات التصعید والحرب واستهداف قیادتها وعناصرها.
التحدیات
أولاً: هناک تحدیات کثیرة تواجه انجاح هذه الانتخابات، فالحرکة ستجری انتخاباتها الداخلیة فی ساحات متعددة ولشهور، فی الوقت الذی انخرطت فیه وبکل قوة فی التحضیر للانتخابات العامة، وشکلت اللجان المختلفة وکلفت المئات من عناصرها للانطلاق فی کل مجال ومیدان للترتیب لانتخابات عامة حرة ونزیهة، تلیق بوطن مثل فلسطین وحرکة بحجم حرکة "حماس"، تنهی الانقسام وتحقق الوحدة. قطعاً فإن القیادة الجدیدة ستحترم قرار الانخراط فی الانتخابات العامة والتحضیر لها، وتبنی على ما أنجز فی هذا المضمار، فهذا قرار المؤسسة وخیارها ولیس قرار فرد أو مجموعة أو إقلیم فیها.
ثانیاً: إذاً التحدی الأول هو انجاح الانتخابات بصورتها الدیمقراطیة، لأن نجاحها یعنی انتصار سیاس جدید لحرکة حماس على الاحتلال الاسرائیلی، الذی یعمل لیل نهار على افشار هخذه الانتخابات، لإظهار الحرکة ضعیفة وهشة ولا تملک قاعدة شعبیة، لذلک نجاح الانتخابات سیکون افضل رد على الکیان الاسرائیلی.
الناطق باسم الحرکة، سامی أبو زهری، قال عبر صفحته على تویتر: "هذه الانتخابات التی تجرى فی مواعیدها رغم قسوة الظروف؛ هی علامة فخر کبیر لحرکة حماس وسر قوتها وتماسکها". وشدد على أن حماس ستبقى وفیة لشعبها وأمتها ماضیة بکل قوة حتى التحریر بإذن الله.
ثالثاً: یعد ملف المصالحة من أکثر الملفات إلحاحاً أمام حرکتی حماس وفتح معاً، لأجل إنهاء الانقسام، بعیداً عن الارتهان بالإدارة الأمیرکیة المنحازة إلى الکیان الإسرائیلی، وتدخل أطراف خارجیة فی الساحة الفلسطینیة.
بینما ثمة إشکالیة تواجه الحرکة فی علاقتها مع مصر، والتی ما تزال رواسبها قائمة رغم سعی "حماس" لمعالجة التوتر القائم بین القاهرة وغزة، فیما خلقت التفاعلات المرتبطة بالتغیرات الجاریة بالمنطقة تحدیات أمام الحرکة، ستنسحب على علاقاتها الإقلیمیة والدولیة فی المرحلة القادمة، مما یضعها فی مأزق.
بکل الأحوال وفی ظل المعاییر والثقافة المنتشرة فی عالمنا العربی، والتی کثیرا ما تستغل الظروف الأمنیة "المتوترة" لفرض حالة الطوارئ وتبریر التفرد وخنق الحریات وانتهاک حقوق الإنسان وفی مقدمتها حقه فی التعبیر عن رأیه، فإن إصرار "حماس" على إجراء هذه العملیة، رغم کل المخاطر، هو نموذج یحتذى فی منطقتنا من أنّ الظروف لیست مبررا بأی حال لإسقاط الممارسة الدیمقراطیة وسحق الحریات، بل العکس فإن هذه الممارسة والتزام دوریتها، حقق للحرکة الکثیر من المکاسب والإیجابیات، ولعل أهمها القضاء على "تقدیس الأفراد" فی العمل التنظیمی وضخ دماء جدیدة فی عروق التنظیم وإفساح المجال للطاقات الشابة للتقدم، وتصحیح المسارات أحیاناً إذا حصل تراخی أو تراجع أو خطأ.
وهنا یمکن الإشارة إلى أن "حماس" مقارنة مع کثیر من التنظیمات الفلسطینیة تتمتع بمعدل تغییر قیادی غیر مسبوق، فبعض هذه التنظیمات قیادتها لم تتغیر من عقود، کما أن متوسط العمر القیادی فی "حماس" أصغر بکثیر من معظم التنظیمات الفلسطینیة، والتی یحکمها قیادات تجاوزت أعمارهم السبعین والثمانین ربیعاً.