فی ظل المخاطر التی تواجه فلسطین.. هل یؤتی مرسوم الرئیس الفلسطینیّ أُکُله؟
فی ظل المخاطر التی تواجه القضیّة الفلسطینیّة الیوم، وانجرار العدید من الدول العربیّة نحو اتفاقات التطبیع مع العدو الصهیونیّ الغاصب، أصدر رئیس السلطة الفلسطینیّة، محمود عباس، مؤخراً مرسوماً بشأن تعزیز الحریات العامة، ووفق وکالة الأنباء الرسمیّة "وفا"، فإنّ المرسوم الأخیر أکّد توفیر مناخات الحریات العامة، على أن یکون ملزماً لکل الأطراف فی الأراضی الفلسطینیّة، بما فیها حریة العمل السیاسیّ والوطنیّ، وفقاً لأحکام القانون الأساسیّ والقوانین ذات الصلة، فی سیاق التحضیرات التی تجری لعقد الانتخابات القادمة، الشیء الذی لاقى ترحیباً على الساحة الفلسطینیّة.
ضجت المواقع الإخباریّة الفلسطینیّة، بنبأ المرسوم المهم الذی أصدره الرئیس الفلسطینیّ، والذی ینص على حظر الملاحقة والاحتجاز والتوقیف والاعتقال وکل أنواع المساءلة خارج القانون، لأسباب تتعلق بحریة الرأیّ والانتماء السیاسیّ، کما تضمن المرسوم الذی ضم 9 مواد، بنداً حول إطلاق سراح المحتجزین والموقوفین والمعتقلین، والسجناء على خلفیة الرأیّ أو الانتماء السیاسیّ، أو لأسباب حزبیّة أو فصائلیّة، على کافة الأراضی الفلسطینیّة.
وفی الوقت الذی وُصفت فیه تلک الخطوة بالجیدة فی حال تم تطبیقها على أرض الواقع، نص المرسوم الجدید على توفیر الحریة الکاملة للدعایة الانتخابیّة بکل أشکالها التقلیدیّة والإلکترونیّة، إضافة إلى النشر والطباعة وتنظیم اللقاءات والاجتماعات السیاسیّة والانتخابیّة وتمویلها، وتوفیر فرص متکافئة فی وسائل الإعلام الرسمیّة لمختلف القوائم الانتخابیّة دون أیّ تمییز، وفقا لأحکام القانون الفلسطینیّ.
وفی هذا الشأن، نوه المرسوم إلى أنّ عناصر الشرطة تتولى بلباسها الرسمیّ دون غیرها من الأجهزة والتشکیلات الأمنیّة، حمایة مراکز الاقتراع والعملیة الانتخابیّة فی فلسطین، وضمان سیرها بنزاهة، إضافة إلى توفیر الدعم الکامل للجنة الانتخابات المرکزیّة وطواقمها للقیام بمهامها على أکمل وجه، عقب إعلان الفصائل الفلسطینیّة قبل أقل من أسبوعین عن اتفاقها على آلیات إجراء الانتخابات العامة فی محادثات أجرتها على مدار یومین فی العاصمة المصریّة القاهرة، وکان الرئیس عباس قد أصدر منتصف الشهر الفائت، مرسوماً بإجراء انتخابات تشریعیّة فی أیار/ مایو القادم، ورئاسیة فی تموز وذلک لأول مرة منذ أکثر من 15 عاماً.
وفی هذا السیاق، طالبت حرکة "حماس" بتطبیق المرسوم الرئاسیّ المربوط بتعزیز الحریات العامة فی الأراضی الفلسطینیّة، على أرض الواقع بالضفة الغربیّة، وتعلیقاً على المرسوم الصادر عن الرئیس الفلسطینیّ، قال الناطق باسم الحرکة، حازم قاسم، أنّ المطلوب تطبیق المرسوم بشکل واقعیّ وإخراجه إلى حیز التنفیذ فی الأیام القادمة، لافتاً إلى أنّ الفصائل الفلسطینیّة طالبت بفتح مجال الحریات فی الضفة الغربیّة لکی تتمکن من إجراء انتخابات حرة ونزیهة.
یشار إلى أنّ توقیت إصدار المرسوم جاء کجزء من التوافقات التی جرت بین الفصائل الفلسطینیّة فی القاهرة مع اختتام حواراتها یومی 8 و9 شباط الجاری، تمهیداً للانتخابات الفلسطینیّة والبرلمانیّة والرئاسیّة التی یتم التحضیر لها فی کل من الضفة الواقعة تحت سیطرة حرکة "فتح"، وقطاع غزة التی تدیرها حرکة "حماس"، وهذه لیست المرة الأولى التی یعلن فیها محمود عباس عن إجراء انتخابات ومن ثم یتراجع عنها، بل هی الخامسة على الأقل، فیما یبدو أنّ عباس جاداً إلى حد ما هذه المرة حیث تدفعه ظروف عدة لإنجاز العملیة الانتخابیّة وإرسال رسالة إیجابیّة للإدارة الأمریکیّة الجدیدة، برئاسة جو بایدن، أو تعزیز شرعیته فی البلاد کما یقول الفلسطینیون.
ومن الجدیر بالذکر أنّ الرئیس الفلسطینیّ حصل على تفویض قویّ لدعم أجندته بمواصلة ما تُسمى "المحادثات السلمیّة" مع الکیان الصهیونیّ الغاشم، ووقف المقاومة المسلحة للاحتلال المعتدی، ولا یزال عباس فی السلطة منذ 16 عاماً فی الوقت الذی یرزح فیه الفلسطینیون تحت وطأة الاحتلال الإجرامیّ، وقد استطاع عباس وفقاً لمجلة "فورین بولیسی" قبل مدة، وضع کل المؤسسات الفلسطینیّة تحت سیطرته، فهو لا یترأس فقط حرکة "فتح"، کبرى الأحزاب الفلسطینیّة فی الضفة الغربیّة والحزب الفلسطینیّ الحاکم، بل السلطة الوطنیّة التی أنشئت بموجب اتفاقیات "أوسلو" ومنظمة التحریر الفلسطینیّة التی تمثل الفلسطینیین فی الداخل والشتات.
وبناء على ذلک، فإنّ احتکار مفاصل القرار الفلسطینیّ جعل الکثیر من أبناء فلسطین یعتقدون بأنّ الانتخابات فی الظرف الحالیّ لن تکون حرة ونزیهة، وکانت آخر مرة عقدت فیها انتخابات برلمانیة فی العام 2006، وفازت فیها حرکة حماس بشکل حاسم، لکن الکیان الصهیونیّ والمانحین الغربیین لم یعترفوا بها لأنهم یعتبرون حماس "حرکة إرهابیة" وفق ادعائهم، ولهذا قامت الدول المانحة بتقدیم دعم لا محدود لحرکة فتح التی قامت بمحاولة انقلابیّة مدعومة من واشنطن فی غزة، ثم سیطرت حماس على القطاع ما أدى لحالة انقسام طویلة بین الحرکتین.
ووفقاً لبعض التوقعات، فإنّ الانتخابات ستواجه "إشکالیة شرعیّة" فی حال فوز الطرف غیر المرغوب فیه بالانتخابات، تماماً کما حدث مع حماس عام 2006 عندما رفض المانحون الدولیون وفی مقدمتهم الولایات المتحدة التعامل بجدیة مع فوزها، وهناک من یرى أنّ إجراء العملیة الانتخابیّة یجب أن یسبقه إصلاحات جذریّة لمؤسسات السلطة إضافة إلى تفعیل کامل لمنظمة التحریر الفلسطینیّة التی تعتبر الممثل الوحید للشعب الفلسطینیّ التی تحولت لمجرد تابع للرئیس الفلسطینیّ وأداة لإطالة حکمه، ما یعنی أنّه فی حال بقاء محمود عباس فی السلطة بعید الانتخابات، فلن یحدث "تجدد دیمقراطیّ" فی فلسطین، ما یؤکد أنّ الانتخابات هی مجرد أداة للتقرب من الإدارة الأمریکیّة الجدیدة والظهور بمظهر الملتزم بالمبادئ الدیمقراطیّة أمام المانحین.
ومراراً دعت الفصائل الفلسطینیّة لتغلیب ملف المصالحة الفلسطینیّة على کافة الملفات الأخرى، وعدم الرهان على عودة العلاقات مع الکیان الصهیونیّ فی إشارة إلى قیام حرکة "فتح" بالتراجع عن قرار قطع التنسیق الأمنیّ مع تل أبیب، مؤکّدة على ضرورة توحید الصف الفلسطینیّ من أجل تحدی الاحتلال الغاصب ومقاومة التهوید والضم والاستیطان المستمر.
وتدرک الفصائل الفلسطینیّة حجم المخاطر التی تواجه القضیة الفلسطینیّة، والمتمثلة بـ "صفقة القرن" الرامیة إلى تصفیّة القضیّة، والتطبیع الذی شکل طعنة فی ظهر هذا البلد، ناهیک عن مخططات الاستیطان والضم التی لا تتوقف عن قضم ونهب أراضی الفلسطینیین، لذلک لا یمکن أن یواجه الفلسطینیون التحدیات إلا بوحدة وشراکة حقیقیة من خلال الاتفاق على استراتیجیّة وطنیّة یعیدون فیها بناء مؤسساتهم، ویطلقون ید المقاومة لیدفع الاحتلال الصهیونیّ الثمن، فی ظل اجماع الفصائل الفلسطینیة على اختیار طریق المقاومة لتحریر الأراضی المحتلة والانعتاق من هیمنة الکیان المعتدی.