الانتخابات الفلسطینیة بین الرافض والمتحفظ والموافق
لا تزال ترددات ما قبل الانتخابات الفلسطینیة تصل إلى مسامعنا، بین رافض لهذه الانتخابات على مستوى الأحزاب والحرکات والجبهات وبین متحفظ علیها وبین من قبل بها دون أی تحفظ، وکانت حرکة الجهاد الاسلامی أول من قاطع هذه الانتخابات على اعتبار أنها مسقوفة باتفاق أوسلو الذی یعترف باسرائیل ویمنحها أکثر من 79% من الأراضی الفلسطینیة، فی المقابل الجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین کانت حتى وقت قریب غیر واضحة فی موقفها من الانتخابات إلى أن أعلنت المشارکة بها یوم الأحد الماضی لکنها تعارض اتفاق اوسلو وتتحفظ على اتفاق القاهرة، بینما فتح وحماس یشارکان فی هذه الانتخابات دون ای تحفظات.
قرار الجبهة الشعبیة جاء یوم الاحد الماضی عبر بیان من الجبهة نفسها، جاء فیه أن الجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین، قررت المشارکة فی الانتخابات التشریعیة القادمة.
هدف الجبهة من المشارکة هو التقلیل من تفرد الرئیس الفلسطینی محمود عباس بالقرارات، وتفعیل منظمة التحریر الفلسطینیة من خلال انتخابات المجلس الوطنی.
وأشارت الجبهة إلى أن أحد أهداف المشارکة فی العملیة الانتخابیّة هو الدفع باتجاه بناء وتفعیل منظمة التحریر الفلسطینیة وفق وثیقة الوفاق الوطنی (وثیقة الأسرى) والعمل على انتخاب مجلس وطنی فلسطینی جدید وتوحیدی یضم الجمیع، بهدف إعادة إحیاء القضیة الفلسطینیّة بأبعادها الوطنیّة والعربیّة والدولیّة.
وأکدت رفضها القاطع للاعتراف بإسرائیل وإصرارها على مواصلة النضال بکل الأشکال وعلى رأسها المقاومة المسلحة لتحریر فلسطین.
وأشارت إلى أن مشارکتها لا یعنی أن تکون شریکًا فی تکریس اتفاقات أوسلو، ولا غطاءً لأی من إفرازاته.
کما لا یعنی بأی حال التکیف هذا الواقع، بل رفضه بالمطلق، ومقاومته بکل السبل السیاسیّة والدیمقراطیة والکفاحیة، وفقًا لبیان "الشعبیة".
وأکدت "الشعبیة" موقفها الداعی إلى الفصل الکلی بین وظیفة السلطة الإداریة، ووظیفة م.ت.ف الکفاحیّة والسیاسیّة، وتعمل على الفصل بین المجلس التشریعی والمجلس الوطنی.
وشددت على وحدة الأرض والشعب والهویة فی المحتل من أرضنا عام 1948 والضفة الفلسطینیّة وقطاع غزّة والقدس، وکل مواقع اللجوء والشتات، مُؤکدةً أنّ حق العودة لشعبنا إلى أرضه ودیاره التی شرّد منها عام 1948 هو أساس وجوهر قضیة فلسطین، وتؤکّد رفضها القاطع للاعتراف بالکیان العنصری الصهیونی وإصرارها على مواصلة النضال بکل الأشکال وعلى رأسها المقاومة المسلّحة لتحریر کل ذرّة من تراب فلسطین.
الجهاد الإسلامی
ومع قرار الجبهة الشعبیة، تبقى حرکة "الجهاد الإسلامی" الرافضة الوحیدة للمشارکة فی الانتخابات، باعتبارها "مسقوفة باتفاق أوسلو الذی أهدر حقوق الشعب الفلسطینی وثوابته".
وقالت الحرکة إن المدخل الصحیح للوحدة الوطنیة "یتمثل فی التوافق على برنامج سیاسی یعزز صمود الشعب ویحمی مقاومته"، مضیفة إن "إعادة بناء وتطویر منظمة التحریر الفلسطینیة یأتی من خلال إجراء انتخابات للمجلس الوطنی منفصلة عن المجلس التشریعی، وإعادة الاعتبار لمیثاقها وتمثیلها لجمیع الفلسطینیین فی جمیع أماکن وجودهم".
إنّ اختیار حرکة "الجهاد" عدم المشارکة فی الانتخابات نابع من موقف أساسی فی عقیدتها السیاسیة التی لا تقبل باتفاق "أوسلو" کسقف سیاسی للعمل النضالی الفلسطینی، لأنه یمنح الاحتلال الصهیونی شرعیة احتلال ما یقارب 79% من أرض فلسطین التاریخیة، والأخطر أنه یعترف بـ"إسرائیل" کدولة تحت مبدأ حل الدولتین للقضیة الفلسطینیة، فی تجاوز تاریخی وسیاسی للحق الفلسطینی بکامل أرض فلسطین.
ورغم أنّ الحرکة لم تشارک سابقاً فی انتخابات المجلس التشریعی والرئاسة الفلسطینیة فی العامین 1996 و2006، فإنها أجرت العدید من النقاشات الداخلیة والوطنیة، وصولاً إلى النقاشات مع الشرائح الشعبیة والنخبویة فی المشهد الفلسطینی.
وقد أبدت انفتاحاً غیر مسبوق على المشارکة، لکن على أساس إقناع الکل الفلسطینی بتغییر المرجعیة السیاسیة للانتخابات عن "أوسلو" باتجاه برنامج وطنی توافقی، کمدخل للشراکة الوطنیة التی تنهی الانقسام وتتیح للفلسطینی السبل لمقاومة الاحتلال بشکل موحد، وخصوصاً فی ضوء مخرجات لقاء الأمناء العامین الأخیر فی شهر أیلول الماضی.
یرجع البعض رفض مشارکة "الجهاد" فی الانتخابات إلى کونها حرکة عسکریة نخبویة، ولیست حرکة جماهیریة. هذا الکلام یحتاج إلى وقفة مع تاریخ تطور ممارساتها النضالیة منذ انطلاقتها. ترتکز "الجهاد" على العمل العسکری کحل أمثل لإزالة الاحتلال الإسرائیلی، ولکن العمل العسکری فیها مبنی على أساس فکری ثقافی عمیق وأصیل، ما جعلها تظهر بصورة الحرکة العسکریة النخبویة.
حرکة فتح
السؤال الموجه لرئیس السلطة الفلسطینیة، ماذا یمکن أن یقدم للفلسطینین فی حال نجح فی هذه الانتخابات وما هی الاصلاحات التی سیعمل علیها کما تحدث، أم انه یرید أن یستغل هذه الانتخابات لکسب مشروعیة جدیدة، ومحاولة لارضاء ادارة بایدن الجدیدة علها تقف إلى جواره وتعید المساعدات للسلطة، لماذا ضاقت علیه السبل لیجری انتخابات بعد تأجیلات لکل محاولات المصالحة الفصائلیة فی السنوات الأخیرة؟ أفلا یخشى آثار الانشقاق والانقسام فی صفوف "فتح" نفسها؟.
یکمن الجواب فی شکل سلوکه فی الفترة الأخیرة، کملک کلی القدرة؛ فعلى المستوى السیاسی نفذ ظاهراً خطوتین متضاربتین: من جهة استأنف التنسیق الأمنی مع إسرائیل وأعرب عن استعداد علنی للعودة إلى مفاوضات سیاسیة فی إطار دولی دون استبعاد الولایات المتحدة کوسیط حصری (مثلما فی فترة الرئیس ترامب)، ومن جهة أخرى استأنف عملیة المصالحة مع حماس، لدرجة الإعلان عن انتخابات. غیر أن مسیرة سیاسیة مع إسرائیل لن تستأنف دون إزالة المطالب الثلاثة التی طرحتها الرباعیة على حماس کشرط لمشارکتها فی المفاوضات (الاعتراف بإسرائیل، وهجر الإرهاب، واحترام الاتفاقات التی وقعتها م.ت.ف). حماس ترفض هذه الشروط حتى الآن، ولیس واضحاً کیف سینجح عباس فی تجنید شرعیة دولیة لحکومة مشترکة مع حماس، وأن یضمن التعاون مع إسرائیل واستئناف المسیرة السیاسیة.
فی ضوء هذه المصاعب والعوائق، فهل یمکن الافتراض بأن یکون مرسوم إجراء الانتخابات عملیة مناورة سیاسیة؟ هل یحتمل أن عباس وقیادة "فتح" یقدران بأنهما سیتمکنان من إقناع إدارة بایدن وأوروبا، بینما یستندان إلى عدائهم المشترک تجاه إدارة ترامب، لمنح شرعیة لإدماج حماس فی الحکم؟ أم أنها محاولة لصد الضغط الداخلی والخارجی لإجراء انتخابات دیمقراطیة، والإیضاح للأمریکیین والأوروبیین بأن انتخابات حرة تستوجب مشارکة حماس. بل یحتمل أن تکون هذه محاولة للتقرب من الولایات المتحدة وأوروبا لخلق ضغط على إسرائیل للموافقة على استئناف المسیرة السیاسیة فی شروط مریحة أکثر للفلسطینیین – إمکانیة مفضلة بالنسبة للخطر الکامن فی مشارکة حماس فی الانتخابات.