أکادیمیة وباحثة أمریکیة.. حقوق الإنسان فی السعودیة انتهاکات فظیعة دون رادع

خلال السنوات الماضیة تعرض وضع حقوق الإنسان فی السعودیة لانتقادات واسعة من قبل مختلف الدول والأوساط الدولیة، ولکن على الرغم من هذه الانتقادات؛ کانت اوضاع حقوق الإنسان والحقوق المدنیة الأساسیة فی أسوأ حالاتها فی السعودیة وعلى مدى السنوات الأربع الماضیة على الأقل فی عهد "ترامب"، لم یخفف القادة السعودیون مطلقًا عقوبة النشطاء المدنیین والسیاسیین، ولکنهم خلال الفترة القلیلة الماضیة قاموا بعدد من الخطوات غیر المسبوقة لتخفیف بعض الاحکام على ناشطین مدنیین سعودیین وهذا الامر أدى إلى ظهور بعض الاستنتاجات حول هذا التغییر فی سلوک القادة السعودیین المرتبط بتغییر الحکومة فی أمریکا.

وحول هذا السیاق، أعربت الدکتورة "أنیل شیلین" أستاذة العلوم السیاسیة الأمریکیة، أن أوضاع حقوق الإنسان فی السعودیة فظیعة ولا تزال مقلقة للغایة. وعددت "شیلین"، جرائم الحاکم الفعلی للسعودیة ولی العهد "محمد بن سلمان"، مثل الحرب على الیمن والاغتیال الوحشی للصحفی السعودی المعارض "جمال خاشقجی" فی قنصلیة بلاده فی ترکیا واختطاف رئیس الوزراء اللبنانی "سعد الحریری"، واعتقال المعارضین والنشطاء الحقوقیین داخل المملکة، وکذلک ملاحقة المعارضین خارج حدود المملکة. وحذرت "شیلین" من الخطورة القانونیة للناشطة الحقوقیة "لجین الهذلول"، فهی لا تزال معرضة لخطر الملاحقة القانونیة، کما سیظل العدید من مئات الأشخاص قابعین فی السجن ظلما.

ولفتت الدکتورة "شیلین" إلى الشیخ "سلمان العودة"، رجل الدین السعودی الذی یُمثل موقفا تقدمیا أکثر تجاه الإسلام من نواح عدیدة مقارنة بالمؤسسات السعودیة فی حد ذاتها. وقالت الباحثة فی شؤون الشرق الأوسط إنه من المقلق أن الحکومة السعودیة تدّعی أنها تروج لما یدعى بالإسلام المعتدل، بینما یقبع أحد رجال الدین القدامى الذی شجع على إعادة تقییم بعض الافتراضات حول التفسیرات المتحفظة للإسلام فی السجن، ویعانی من نقص الرعایة الطبیة داخل الحبس الانفرادی، منذ خریف عام 2017. وخلصت الدکتورة "شیلین" إلى أن وضع حقوق الإنسان فی السعودیة یعدّ فظیعا بشکل عام. وکانت إدارة "بایدن" قد أعلنت أنها ستنشر المعلومات المتعلقة بهذا الأمر، ویبقى هذا الموضوع فی أذهان العدید من الأمریکیین عندما یفکرون فی السعودیة.

وإضافة إلى دور الریاض فی أحداث الحادی عشر من أیلول، وحقیقة أن أغلب مختطفی الطائرات حینها کانوا سعودیی الجنسیة ولا یزال ینظر العدید من الأمریکیین إلى السعودیة على أنها راعیة للإرهاب والعنف الوحشی وتهمیش حقوق المرأة، انتقدت أستاذة العلوم السیاسیة الأمریکیة غیاب حقوق المرأة فی السعودیة، وقالت، إن "نظام الوصایة لم یتغیر، وظلت النساء عرضة لسوء المعاملة بموجب هذا النظام". وأضافت إن "الأهم من ذلک أنه یجدر بمحمد بن سلمان التوقف عن قمع شعبه وسجنهم، إضافة إلى قتل الناس خارج حدوده. ولذلک، فإنه بالنسبة للعدید من السعودیین، سیکون الشیء الحقیقی الذی یرغبون فیه هو المزید من الفرص الاقتصادیة، دون إنفاق الموارد على أمور مثل الحرب فی الیمن على سبیل المثال". ولفتت الدکتورة "شیلین" إلى أن الحرب العبثیة التی شنتها الریاض فی الیمن تستنفد قدرا هائلا من موارد المملکة، بینما کان من الممکن إنفاقها بفاعلیة أکبر على السکان السعودیین، وهو أمر مشابه لما یحدث فی الولایات المتحدة.

وفی جزءً أخر من حدیثها، قالت الدکتورة "شیلین"، "لقد عزز بن سلمان سلطته الخاصة، وقام بالفعل بتغییر السلطة داخل السعودیة التی یتقاسمها العدید من الإخوة المختلفین من أبناء الملک عبد العزیز، مؤسس المملکة. لکن سیکون لبعض الإخوة سیطرة أکبر فی مجالات معینة، وفی جوانب معینة من اقتصاد الحکومة ونتیجة لذلک، کان صنع السیاسات فی السعودیة فی کثیر من الأحیان أکثر حذرا وأکثر تحفظا، والذی شهد تدخلات العدید من الأمراء الأقویاء، ما دفع البعض فی وقت لاحق إلى الاعتقاد بأن هذا الوضع أدى إلى انعدام التغییر، ونقص المبادرة من جانب السعودیین قد یؤدی للاعتراف بأن البدیل لیس بالضرورة جیدا أیضا، لأنه عندما کان محمد بن سلمان یعزز سلطته الخاصة فإنه کان غیر مؤهل لاتخاذ قرار یخدم بالضرورة مصلحة المملکة ولا المناطق التابعة لها".

وأضافت، "أعتقد أنه بعد اکتساب ابن سلمان لهذا القدر من القوة من المرجح أن یعتلی العرش. وفی المستقبل، سیتوجب على الولایات المتحدة التعایش مع ذلک والاستعداد للتعامل معه، ونأمل أن تشجع أمریکا دوافعه الأکثر إنتاجیة کتلک التی تدعم تنمیة شعبه، والاقتصاد السعودی، والانتقال بعیدا عن البترول ومشروع رؤیة 2030، على سبیل المثال، یتمتع بأهداف مثیرة للإعجاب، إلا أنه من غیر الواضح کیف سیتم تنفیذها بالضبط، نظرا لاستمرار انخفاض سعر النفط ومیل محمد بن سلمان للاستثمار فی مشاریع استعراضیة کبیرة مثل نیوم بدلا من الترکیز على احتیاجات مواطنیه".

وعلى صعید متصل، وجهت أکثر من ثلاثین دولة غربیة انتقادات صریحة إلى السعودیة خلال الفترة الماضیة بسبب ملف حقوق الإنسان فی المملکة. وفی جنیف دعت تلک الدول الریاض فی بیان إلى إطلاق سراح الحقوقیات المعتقلات وإلى القیام بتحقیق شفاف ومستقل بشأن مقتل "خاشقجی". حیث انتقدت 36 دولة، من بینها ألمانیا، السعودیة أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بسبب ملف حقوق الإنسان فی المملکة. ونیابة عن الدول الـ 36، قرأ "هارالد أسبیلوند"، ممثل أیسلندا فی جنیف بیانا جاء فیه "نحن قلقون بشکل خاص حول تفعیل قوانین مکافحة الإرهاب وغیرها من الأحکام المتعلقة بالأمن ضد الأفراد، الذین یمارسون حقوقهم وحریاتهم سلمیاً". وأضاف البیان "المدافعون عن حقوق الإنسان ومجموعات المجتمع المدنی یجب أن تؤدی دورا مهما فی عملیة الإصلاح، التی تنتهجها المملکة". کما دعت تلک الدول السعودیة مرة أخرى إلى القیام بتحقیق یتمتع بالاستقلال والشفافیة فی قضیة مقتل الصحفی المعارض "جمال خاشقجی" فی القنصلیة السعودیة فی إسطنبول وقالت: "نحن ندعو السعودیة لنشر جمیع المعلومات وإلى التعاون مع جمیع التحقیقات، وکذلک مع التحقیق الذی یجریه المقرر الخاص المعنی بقضایا الإعدام التعسفی والإعدام خارج نطاق القضاء".

وفی السیاق نفسه، کشفت العدید من التقاریر أن سلطات الریاض مارست خلال السنوات الماضیة العدید من الانتهاکات الفادحة لحقوق الإنسان من اعتقالات تعسفیة وإعدامات للمواطنین وحصار وحروب مع الدول المجاورة بشکل یومی،  کذلک تعمل المنظمات الحقوقیة على تسلیط الأضواء على الانتهاکات والتی بدأت تؤثر فی سمعة سلطات الریاض وتؤرق کبار المسؤولین. کما أکدت تلک التقاریر أن الأمیر "محمد بن سلمان" شن حملة اعتقالات تعسفیة واسعة ضد أمراء ورجال الأعمال ورجال الدین والکفاءات والنخب من کل المناطق والتیارات والتوجهات والمهن، وامتلأت السجون بالمعتقلین والمعتقلات وهذه أول مرة یتم فیها اعتقال عدد کبیر من النساء لأسباب تتعلق بحریة الرأی والعمل الحقوقی. إن سیاسة التهمیش والتغییب والاستخفاف بالشعب لم تتغیر فی عهد الملک سلمان وابنه ولی العهد الأمیر "محمد" الذی یروج للانفتاح والترفیه، فهو فی الحقیقة کبقیة العهود السابقة الحاکمة فی السعودیة من حیث عقلیة الاستبداد وتهمیش للشعب المغیب والمطلوب منه فی کل عهد وسلطة أن یطبل ویمجد سیاسة الملک سلمان وابنه ولی العهد.

وعلیه، فإنه یمکن القول.. فی السعودیة، لا یزال التعبیر عن الأفکار المخالفة للتیار الوهابی الأیدیولوجی والدینی محظورًا ویرتبط بتکالیف باهظة على المواطنین، وبعض الإجراءات الأخیرة السطحیة والمحدودة، مثل تخفیف العقوبة وإطلاق سراح العدید من السجناء والنشطاء السیاسیین والاجتماعیین، لن یکون له تأثیر على الأوضاع المتردیة لحقوق الانسان فی السعودیة. إن هذه الاجراءات الاخیرة جاءت من أجل تهیئة المناخ مع الإدارة الأمریکیة الجدیدة، حیث بادرت الریاض بتسریع عملیة إغلاق الملفات الساخنة والمثیرة لدى الإدارة الأمریکیة والعالم، وفتح صفحة جدیدة مع الرئیس الجدید "بایدن" بأقل الخسائر، وبالخصوص ملف اعتقال الحقوقیات والناشطات وبالذات ملف الحقوقیة "لجین الهذلول". ویبدو أن قرار تخفیف أحکام الإعدام بحق عدد من الشبان ینصب ضمن المسار نفسه والطریق الذی بدأت الریاض تسیر به لعلها تجد حلاً مع إدارة "بایدن".




محتوى ذات صلة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة فی إیران اللواء حسین سلامی یقول إن "الانفجار الکبیر فی مصنع محرکات المضادات الدفاعیة والصواریخ حاملة الأقمار الصناعیة مؤخرا فی "إسرائیل"، أثبت هشاشة النظام الأمنی الإسرائیلی".

|

تحرک واسع فی الکونغرس للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السیاسیین بالبحرین

تحرک واسع فی الکونغرس للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السیاسیین بالبحرین

یشهد الکونغرس الأمریکی تحرکا واسعا للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السیاسیین فی البحرین، وإثارة القلق حیال السجناء الذین یعانون من أمراض مزمنة کقائد المعارضة البارز حسن مشیمع المحکوم بالمؤبد، هذا وسط دعوة الإدارة الأمریکیة الجدیدة لممارسة الضغوط الحقیقیة على البحرین للکف ...

|

إین مجاهدو داعش من المجزرة التی تُرتکب فی المسجد الأقصى؟!

إین "مجاهدو داعش" من المجزرة التی تُرتکب فی المسجد الأقصى؟!

وأنا اتابع اخبار المجزرة المروعة التی ارتکبتها "داعش" السبت الماضی فی کابول، والتی ذهب ضحیتها 85 فتاة واکثر من 150 جریحة، فی تفجیر سیارة مفخخة امام ثانویة"سید الشهداء" للبنات، حین کانت الطالبات یخرجن من المدرسة، وقع نظری على مقال تحت عنوان"لماذا لا یوجد فرع لداعش فی فلسطین"، حیث ...

|

ارسال التعلیق