دوافع خفیة خلف حملة مقاطعة ترکیا فی السعودیة فما هی؟

طالبت " الحملة الشعبیة لمقاطعة ترکیا " فی السعودیة مؤخراً بالتخلی الکامل عن أی منتجات ترکیة فی السوق السعودی، کما اعتبرت أن الاستمرار فی بیعها والتعامل بها سیکون غیر مقبول وخاصة فی ظل "توسع العداء الترکی".
وأعلنت الحملة فی بیان نشرته على حسابها فی موقع "تویتر": "مضى على انطلاق الحملة الشعبیة المبارکة لمقاطعة المنتجات الترکیة نحو 4 أشهر، تجاوبت خلالها مشکورة العدید من الشرکات والمتاجر والأسواق، وأکد بعضها عبر بیانات رسمیة أنها ستقوم بتصریف البضائع الترکیة المتوافرة بالمخازن والمستودعات لحین انتهاء الکمیة".
وتابع البیان أنه "الیوم تدخل الحملة الشعبیة منعطفاً مهماً لن یکون فیه مقبول على الإطلاق استمرار أی متجر فی عرض وبیع أی منتج ترکی تحت أی ذریعة کانت"، حیث اعتبر مروجو الحملة أن "الفترة الماضیة کانت کافیة لتصریف البضائع الترکیة ووقف التعامل الکامل مع أی منتج أو مستورد ترکی نهائیاَ وصولاً لهدف الحملة الرئیس" المتمثل فی الشعار "صفر تعامل مع ترکیا".
السبب المباشر لتجدد دعوات المقاطعة
انطلقت هذه الحملة مؤخراً على موقع التواصل الاجتماعی تویتر مع هاشتاک #صفر_تعامل_مع_ترکیا ، حیث قال القائمین على هذه الحملة أن هدفهم تصفیر التعاملات مع أنقرة.
وتأتی حملة المقاطعة الجدیدة هذه بعد عدة أیام من بث قناة ترکیة موالیة لأردوغان، خریطة افتراضیة عن نفوذ أنقرة بحلول عام 2050. حیث أظهرت الخریطة التی نشرتها قناة TGRT الترکیة ، ونسبتها لمعهد أبحاث أمریکی، امتداد النفوذ الترکی بحلول عام 2050 من کازاخستان وترکمانستان شرقاً مرورا ً بالسعودیة ومصر وحتى لیبیا غرباً.
بدایة الأزمة الترکیة السعودیة
تشهد العلاقات السعودیة الترکیة توترات شدیدة على خلفیة موقف أنقرة المساند لدولة قطر، فی مواجهة قرار مقاطعتها من جانب کل من السعودیة والإمارات والبحرین ومصر، فی حزیران 2017.
وزادت حدة هذه التوترات بعد اغتیال الصحفی السعودی، جمال خاشقجی، فی القنصلیة السعودیة بإسطنبول، فی 2 تشرین الأول 2018، والموقف الترکی الحازم المطالب بمحاکمة المسؤولین عن اغتیاله، وهم مجموعة من المقربین من ولی العهد السعودی، محمد بن سلمان، الذی تحمله المخابرات الأمریکیة المسؤولیة المباشرة عن عملیة الاغتیال.
کما توجد العدید من بؤر الخلاف المتجذرة بین السعودیة وحلیفتها الإمارات من جهة وترکیا وقطر من جهة أخرى، بعد ثورات "الربیع العربی"، ودعم أنقرة والدوحة لهذه الثورات التی قادت الریاض وأبوظبی ضدها وهو ما باتت تُعرف باسم "الثورة المضادة"، فی مواجهة حرکة التغییر فی الدول العربیة عبر الثورات السلمیة.
ووفقاً للأرقام التی أعلنت عنها هیئة الإحصاء السعودیة، فقد انخفضت قیمة الواردات السعودیة من المنتجات الترکیة إلى 9.47 ملیارات دولار فی 2019، مقارنة بنحو 12.74 ملیار دولار فی 2015.
کما تحتل السعودیة المرکز الـ15 فی قائمة أکبر أسواق الصادرات الترکیة، حیث بلغت مبیعاتها التی یتصدرها السجاد والمنسوجات والکیماویات والحبوب والأثاث والصلب، 1.91 ملیار دولار فی الأشهر الثمانیة الأولى من العام 2020، وهذا یمثل انخفاضا بنسبة 17% عن عام 2019 حیث وصل هذا المؤشر فی حینه 2.3 ملیار دولار.
ابتعاد عن ترکیا بهدف التقارب مع الکیان الاسرائیلی!
یعتقد مراقبون بوجود صلة بین الحملة السعودیة شبه الرسمیة لمقاطعة المنتجات الترکیة وبین احتمالات دخول بضائع إسرائیلیة إلى السوق السعودیة عن طریق البحرین والإمارات.
ویستدل هؤلاء على ذلک بالتقارب "غیر الرسمی" وغیر المباشر بین السعودیة و الکیان الإسرائیلی بعد أن وقعت الإمارات والبحرین، الحلیفتان الأکثر قربا للمملکة، اتفاقیتین فی واشنطن منتصف أیلول الماضی، لتطبیع علاقاتهما مع الکیان الإسرائیلی.
کما یستدلون بانتقاد الأمیر بندر بن سلطان، سفیر السعودیة الأسبق فی واشنطن، للقیادات الفلسطینیة، واتهامه لها بتضییع الفرص على الشعب الفلسطینی، وهو ما یراه مراقبون تهیئة للأجواء فی الشارع السعودی لفجوة أوسع مع الفلسطینیین وقبول أکبر للإسرائیلیین.
فی النهایة یبدو أن التحرکات الشعبیة فی السعودیة ضد ترکیا تقودها وتمولها جهات رسمیة بهدف تقلیل الدور الترکی فی المملکة کی یشعر المواطن السعودی والاقتصاد السعودی بالنقص ویلجأ فیما بعد للکیان الاسرائیلی لتعویض هذا النقص المفتعل بالأساس، وهذا یعتبر خطوة على مسیر التطبیع مع الکیان الصهیونی لأن المنتجات الاسرائیلیة غزت بالفعل السوق الإماراتی والبحرینی ولم یعد علینا أن ننتظر کثیراً لنراها تنتشر فی الأسواق السعودیة.
السعودیة تسعى جاهدة إلى تغییر البوصلة والعداء من الکیان الاسرائیلی نحو ترکیا لتبریر خطوتها القادمة بإقامة علاقات وتبادلات تجاریة مع الکیان الصهیونی، کما أن المملکة تهدف إلى إنهاء القضیة المعروفة باسم " الصراع العربی – الإسرائیلی " فی المنطقة وتبدیلها إلى مصطلح " الصراع العربی – الترکی ".