خفایا الصراع الأردنیّ - السعودیّ على الأقصى

فی ظل المحاولات الإسرائیلیّة لتقلیص صلاحیات المملکة الأردنیّة على الأوقاف الإسلامیّة فی القدس وعلى المسجد الأقصى الذی یتعرض منذ مدة طویلة لهجمة شرسة من الاستهداف الممنهج، منذ فترة طویلة یمارس الاحتلال الغاشم ضغوطاً شدیدة على وزارة الأوقاف والأردن من أجل إحداث تغییرات جذریّة فی مجلس الأوقاف الإسلامیّة، لتحقیق مبتغى العدو فی أن تنوب السعودیّة عن الأردن فی تلک المسألة، ومؤخراً کشفت صحیفة “إسرائیل الیوم” العبریّة، النقاب عمّا أسمته "صراعاً خفیّاً" بین المملکة الأردنیّة والسعودیة حول الوصایة على الأماکن الإسلامیّة بمدینة القدس والمسجد الأقصى الذی یشهد بشکل متواصل اقتحاماً لحرمته من قبل الجماعات المتطرفة الیهودیّة، التی تسعى لأن یکون لها موطئ قدم داخل المسجد المبارک، بغطاء سیاسیّ وقانونیّ من قوات الاحتلال الغاصب. "الکیان یجد نفسه یراوح بغیر إرادته، بین الصراع الأردنیّ - السعودی”، بحسب صحیفة “إسرائیل الیوم” المحسوبة على رئیس وزراء العدو بنیامین نتنیاهو، أنّ ولفتت إلى أن ابن الملک الأردنیّ ولی العهد، الحسین بن عبد الله، کان یوشک أنْ یدخل بوابات الأقصى الأربعاء المنصرم، کی یؤکِّد أمام العالم المکانة الرسمیة التاریخیّة لبلاده، کوصیٍّ حالیٍّ على المقدسات الإسلامیّة بالقدس. وفی هذا الخصوص، أوضحت المصادر أنّه فی اللحظة الأخیرة، ألغیت الزیارة بذریعة وجود جدل حول ترتیبات أمنیّة متعلقة بالحراسة، مشدّدة على أنّ التحرک الأردنیّ کان ضروریّاً ومستعجلاً، بسبب مفاوضات یجریها ولی العهد السعودی محمد بن سلمان، مع رئیس الوزراء الصهیونیّ بنیامین نتنیاهو حول هذا الموضوع، وکانت دائرة الأوقاف الإسلامیّة الفلسطینیّة، قبل أشهر، أکدت أنّ "الاحتلال الصهیونیّ یسعى لأن تنوب السعودیة عن الأردن فیما یتعلق بالأوقاف الإسلامیّة، فی محاولة لفرض وقائع جدیدة فی المسجد الأقصى تلتقی مع مصالح الطرفین"، ما یطرح علامات استفهام معروفة الإجابة حول الهدف الصهیونیّ فی زج الذراع السعودیّة فی مسألة الأوقاف الإسلامیّة، بعد فضائح التطبیع مع الکیان التی هزت الشارع العربیّ ولم تحرک ذرة کرامة فی ضمائر المُطبعین الذین ضحوا بقضیّة العرب والمسلمین.  وعلى هذا الأساس، تسعى السعودیة لأنْ یکون لها موطئ قدم فی المسجد الأقصى، کقوة إسلامیّة عظمى تسیطر على مکة والمدینة، حیث تحاول إقامة وضع جدید فی القدس، وهی مستعدة للاستثمار بمبالغ طائلة لتحقیق ذلک، إلى جانب تطبیع علاقاتها مع الکیان الصهیونیّ بشکل علنیّ، ولا غرابة فی أن یستمیت العدو فی وضع السعودیّة على خط المقدسات، لأنّه یعلم أنّ من ضحى بکامل القضیّة لن یأبه بما سیحِل بمقدسات فلسطین ورجال دینها، وإنّ ما حدث مع خطیب المسجد الأقصى، رئیس الهیئة الإسلامیّة العلیا فی مدینة القدس، الشیخ عکرمة صبری، وما یحدث یومیاً مع الحراس وموظفی الأوقاف والمرابطین من إقصاء وإزعاجات بالجملة، ما هو إلا "مزاح" إن صح التعبیر، مقارنة بما سیحصل فی حال زج الکیان بأیدی الاستسلام السعودیّة فی هذه القضیة الحساسة. والبُعد الآخر لمحاولات استهداف النفوذ الأردنیّ على المسجد الأقصى یتمثل فی الضغط الاقتصادیّ الممنهج على عمّان التی تعانی من أوضاع اقتصادیّة متردیّة، بالتزامن مع عروض السعودیّة بمساعدة المملکة الأردنیّة اقتصادیّاً، من بوابة فرض الحضور السعودیّ على إدارة الأقصى وذلک بتعیین أذیال السعودیة فی مجلس الأوقاف، وتؤکّد الصحیفة العبریّة أنّ السعودیة تُطالِب بإدارة فعلیة للمسجد الأقصى بدلاً من الأردن أوْ إلى جانبه، لأنّ ذلک سیجلب لها مکانة دینیّة قویّة، عن طریق السیطرة على الأماکن المقدسة الإسلامیة الثلاثة. وتشیر المعطیات إلى أنّ الأردن یرفض کل المحاولات والضغوط الممارسة علیه، بعد رفض المملکة الأردنیّة لتدخلات سعودیّة سابقة فی شؤون المسجد الأقصى من بوابة المساهمة المالیة فی ترمیم مسجد الصخرة المشرفة وقبته، وتعتبر الصحیفة العبریّة أنّ الأردن من جهته غاضب من مجرد طرح الفکرة، لأن السلالة الهاشمیّة خسرت أما السعودیین منصب حامی الأماکن الإسلامیة المقدسة فی مکة والمدینة المنورة، بعد الحرب العالمیة الأولى، وفق تعبیرها. وضمن الإجراءات الصهیونیّة المتطاولة على حقوق الشعب الفلسطینیّ داخل أرضه، بیّنت الصحیفة أنّ نتنیاهو ورجاله یشارکون فی محادثات مع السعودیة، حول إمکانیة إدراجها کصاحب مکانة دینیّة فی القدس، وقد بدا هذا واضحاً فی الفترة الأخیرة، وتحدیدًا منذ إعداد خطة "صفقة القرن" الأمریکیّة الرامیة لتصفیة القضیة الفلسطینیّة، واصفةً تل أبیب بأنّها “شرطی مرور” فی القدس.  ومن المُستبعد أن ترضخ المملکة الأردنیّة لأیّ محاولات تنتقص من وصایتها على المسجد الأقصى وکافة المقدسات فی القدس، باعتبارها وصایة تحظى بشرعیّة من قبل الفلسطینیین ممثلة بقیاداتهم السیاسیة، وإنّ المحاولات السابقة للانتقاص من هذه السیادة الحصریة للأردن من خلال مساعی أفراد تشکیل وفد مقدسیّ إسلامیّ - مسیحیّ للتوجه إلى السعودیّة قبل بضعة أعوام ومبایعة ولی العهد السعودی محمد بن سلمان، جاءت فی سیاق السعیّ السعودیّ للإشراف ولو جزئیاً على شؤون الأقصى، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل وتم إحباطها فی ذلک الوقت، بحسب مُحللین. ووفق الصحیفة العبریّة، فإنّ المسجد الأقصى لا یُعد بالنسبة للأردن رمزاً تاریخیاً فقط، بل ضماناً لاستقرار الحکم فی البلاد، مشیرة إلى أنّ تل أبیب تجد نفسها قدماً بالأردن وقدماً بالسعودیة، وتراوح فی هذا الصراع بینهما، لکنّ الأردن ما یزال الشریک المفضل للکیان الصهیونیّ بالقدس، فی ظل مؤامرات وخطط سلطات الاحتلال للسیطرة على کامل المنطقة الشرقیّة من المسجد الأقصى حیث یقع مصلى باب الرحمة. وفی الوقت الذی تواصل فیه الریاض عقد مباحثات حساسة وسریّة للغایة، مع طاقمٍ صغیرٍ من دبلوماسیین ومسؤولین أمنیین رفیعی المُستوى من الولایات المتحدة والکیان المجرم للوصول إلى مبتغاها، حدد العدو أعمار المسموح لهم بالصلاة داخل المسجد ومواقیت دخولهم للصلاة، کما انتزع برنامج الحمایة والحراسة من وحدات الحراسة التابعة لدائرة الأوقاف الإسلامیّة ووضعها بمتناول قیادة شرطته التی أنشأت مقرات لها فی منشآت داخل ساحات الأقصى بکل وقاحة واستبداد، وأُنشأ لهذا الغرض شبکة مراقبة متطورة على کل أسطح البنایات المطلة على المسجد.