مناورة مشترکة مع "إسرائیل".. هل تستوعب الإمارات تداعیاتها؟
بعد إعلان القناة 12 الإسرائیلیة عن أول تدریب علنی مشترک لسلاحی الجو الإسرائیلی والإماراتی، أصبحت المناورة روتینیة - سنویة تجری فی شهر نیسانأبریل، والضیف الدائم والثابت فیها هو سلاح الجو الإسرائیلی. یبقى اللافت فی مناورة هذا العام هو الحضور العلنی والکامل لسلاح الجو الإماراتی.
فی العنوان العام، کان من المنتظر أو الطبیعی أن تدخل هذه المناورة المشترکة بین سلاحی جو کل من "اسرائیل" والإمارت ضمن المسار المستجد للعلاقات الرسمیة بین الطرفین، خاصة أن الملحق الرئیس للاتفاق بین "اسرائیل" وعدة دول خلیجیة، والإمارات على رأسها، یتضمن اتجاهًا عسکریًا، بما یعنیه الأمر من تنفیذ مناورات وتدریبات مشترکة، إضافة طبعًا لتبادل الخبرات والمعلومات الاستخباریة والأمنیة.
فی الظاهر، من السهولة أن تضع عدة وحدات عسکریة تابعة لأکثر من دولة أو کیان، عنوانًا محددًا لمناورة عسکریة بریة أو جویة أو بحریة، أو مشترکة بین الأسلحة المذکورة، کون أیة مناورة أو عملیة عسکریة، أصبحت تستوجب مشارکة کل أنواع الأسلحة فیها، وخاصة أسلحة الدعم الجوی والبحری ومنظومات الدفاع الجوی التابعة بالعادة لسلاح البر، وأن یتضمن هذا العنوان نقاطًا رئیسة، تتوزع من ضمنها مهمات الوحدات المشترکة فی المناورة، وهذا أساسًا ما أشار إلیه موقع القناة 12 الصهیونیة، بقوله: إن "الطیارین من الدول المختلفة سیتدربون على معارک جویة ضد الخصم، وعلى کیفیة تحقیق تفوق جوی مشترک، بالإضافة الى التدرب على مهاجمة الأهداف الأرضیة التی تحاکی أیضًا مطارات للعدو ومهمات لمهاجمة منظومات مضادة للطائرات". وأضاف الموقع نقلًا عن مصدر فی سلاح الجو الإسرائیلی مشارک فی المناورة: إن "التدریب على أرض غیر معروفة نسبیًا، لا نتدرب علیها کل یوم، یسمح لنا بمحاکاة بشکل واقعی جدًا البیئة التی قد یطلب فیها من الطواقم الجویة العمل".
ولکن بالمبدأ، لا یمکن فی أیة مناورة جدیة، ومن المفترض أن تحاکی واقعًا عسکریًا یستوجب أساسًا التدرّب على معالجته والتعامل معه، إلاّ من خلال - وبشکل إجباری - تحدید العدو بشکل واضح، لیس فقط بهدف سیاسی أو إعلامی، وهذا ممکن أن یدخل عادة من ضمن أهداف المناورات، بل الهدف من تحدید العدو هو تقنی بالأساس، ویقوم على مبدأ التدرب على کیفیة التعامل مع طریقة قتال هذا العدو، مع إمکانیاته فی المعرکة، مع أسلحته وقدراتها، مع عقیدته القتالیة ومع معطیات استعلامیة عن معارک خاضها. وانطلاقًا من کل ذلک، من الطبیعی أن یکون العدو فی هکذا مناورة ـ تجمع "اسرائیل" والامارات مع بعض دول الناتو - هو ایران، العدو الذی على أساس مواجهته والتحالف للحمایة منه، کان الاتفاق الاسرائیلی - الخلیجی.
اذاً، أن تشترک الامارات بمناورة تستهدف ایران کعدو بشکل واضح، فهذا یعنی حکمًا أن ابو ظبی قد ذهبت بعیدًا فی العمق فی علاقة عداء استراتیجیة مع "اسرائیل" ضد طهران، وهذا الموضوع یستوجب أیضًا أن تکون أبو ظبی على درایة ومعرفة کاملة بما سیکون لهذا العداء من تداعیات أو نتائج، وأن تکون جاهزة لمواجهتها والتعامل معها.
وهنا الأساس الذی قد لا تلتفت الیه الإمارات، وقد تکون انجرت أو انساقت بشکل غیر مدروس، مع العناوین البراقة التی وضعتها لها "اسرائیل" کحوافز اجتماعیة وسیاسیة واقتصادیة، للسیر فی التحالف المبنی على العداء لإیران، وطبعًا هذا الأمر دونه الکثیر من التداعیات على الإمارات، على الأقل من الناحیة العسکریة، والتی یمکن تلخیصها بما یلی:
کثیرة هی المخاطر التی ستتعرض لها دولة مثل الإمارات، قررت أن تکون على عداء مع دولة مثل ایران، هذا اذا لم ننظر للموضوع من زاویة سیاسیة، بل فقط إذا نظرنا من زاویة موضوعیة، تقوم على دراسة علمیة لمقارنة القدرات بین الدولتین.
ففی دراسة للموقع الجغرافی لکل من الدولتین، لناحیة الفارق فی المساحة أو فی القدرات، أو لناحیة وجود کامل مواقع ونقاط ومراکز الإمارات الحیویة، فی متناول ید القدرات الإیرانیة العسکریة، والمعروفة بامکانیاتها الضخمة، یمکن القول إن هذه القدرات الإیرانیة المتمیزة، هی التی کانت من أسباب دخول الصین معها فی اتفاقیة استراتیجیة، والتی أیضًا کانت من أسباب استسلام واشنطن أمامها ومسارعتها مؤخرًا الى إنهاء ملف الاتفاق النووی، والأهم فی قدرات ایران أنها کانت وما زالت، من أسباب کوابیس وهواجس "اسرائیل" لیلًا ونهارًا، ویبقى نفوذ ایران فی مضیق هرمز (على أبواب الإمارات)، وقدرتها على التحکم بأمنه، خیر دلیل على هذه القدرات.
عملیًا أیضًا، ماذا ستستطیع "اسرائیل" أن تقدم للإمارات من حمایة أو دعم على الصعید العسکری، فی حال نشوب مواجهة واسعة؟ فالکیان الصهیونی عند تلک المواجهة، بالکاد سیکون قادرًا على حمایة عمقه، وتقاریر مراکز الدراسات والأبحاث الإسرائیلیة حول ذلک، قد تکون هی الأکثر قدرة على تصویر حقیقة الوضع حینها.
وهکذا، انطلاقًا مما سبق، لا یکفی للإمارات أن تشترک فی مناورات عسکریة مع أی طرف تختاره، رغم أن قرارها فی ذلک هو سیادی ولا یمکن لأحد التدخل فیه، مع التحفظ على الموقع الذی وضعت نفسها فیه بین أحضان العدو التاریخی للعرب والمسلمین، ولکن یبقى من الضروری لأی مناورة، وبهدف أن تکون ناجحة أو على الأقل أن تکون منطقیة من الناحیة العسکریة والمیدانیة، أن تتضمن خطة محضّرة لاستیعاب ومواجهة تداعیات أی عمل عسکری عالجته بالأساس فکرة المناورة.