المفاوضات النووية: معادلات القوة الإيرانية

في 14 تموزيوليو 2015 تُوجت الجهود الدبلوماسية المبذولة للتوصل إلى حل شامل للبرنامج النووي الإيراني. شكّل هذا الاتفاق منعطفًا رئيسيًا في هذه المسألة، حيث كان من المفترض أن يسهم التنفيذ التام له في بناء الثقة في الطابع السلمي الحصري لبرنامج إيران النووي، إلا أن تعنت الإدارة الأميركية وإنسحاب دونالد ترامب من الإتفاق عقّد الأمور وأعادها إلى نقطة الصفر، لذلك على جون بايدن اليوم تعبيد الطريق وترميم العلاقة، وإلا فإن الطريقة التي يخوض فيها المفاوضات من خلال الضغط على إيران عبر وكلائه لن تجدي نفعًا.

ودون أدنى شك فإن من مصلحة الولايات المتحدة العودة للإتفاق لأنه سيخفف من احتمالية الذهاب إلى المواجهة العسكرية التي ستكون تداعياتها خطيرة أولًا على المصالح الأمريكية وعلى مصالح حلفائها وعلى المنطقة. لكن احتمالية إيقافه للبرنامج النووي الإيراني غير مؤكدة بل غير مضمونة، فيما الأمريكي يدرك ذلك ويجعله في حالة إرباك فيما يخص خيار العودة إلى الإتفاق. العودة إلى الصفقة سيتيح مزيدًا من الوقت لاتفاقيات المتابعة بشأن القضايا الإقليمية ومجالات الخلاف الأخرى. هذه القضايا حاسمة للمصالح الأمنية للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، ومن غير المرجح أن تنخرط طهران في أي محادثات حول هذه القضايا ما لم تتم استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة. أولًا: مسار المفاوضات رهن عدة اعتبارات كثر الأخذ والردّ في مسار عملية التفاوض بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبعد أن رفضت إيران مؤخرًا عرضًا للتفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة في اجتماع غير رسمي اقترحه الأوروبيون لإحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس دونالد ترامب قبل نحو ثلاث سنوات؛ بدأت أميركا أمام مسار جديد من التفاوض. ويعدّ مسار المفاوضات الإيرانية - الأمريكية اليوم رهنًا لمجموعة من الإعتبارات والظروف والشروط والتي تختلف بحسب وجهات النظر التحليلية. هناك من يعتبر أن الاقتصاد الإيراني في وضعٍ خانق وبالتالي يضغط على الحكومة الإيرانية للذهاب نحو الإذعان للشروط الأمريكية، ومنهم من يعتبر أنها أمرٌ لا بد منه وذلك لتجنب حرب نووية مستقبلية. في حين يعتبر البعض الآخر أن ممارسة أقصى قدرٍ من الضغط لإلحاق المزيد من الألم لن يعيد طهران إلى طاولة المفاوضات أو يوقف طموحات إيران النووية. ويلحظ الجانب الإيراني اليوم تغييرًا بسيطًا في تصريحات الإدارة الأمريكية ولم يشهد تغييرًا عمليًا في سياستها تجاه طهران، بحسب ما صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني. وحيث أنّ إيران قد حافظت على الاتفاق النووي، فمن حق الشعب الإيراني إلغاء العقوبات عنه، بحسب تعبير روحاني. من الجهة المقابلة؛ يستعد بايدن لبث روح جديدة في الاتفاقية، لكنه للحفاظ على شركاء واشنطن الخليجيين، يحتاج إلى استراتيجية فعلية لحمايتهم وطرق تمكنهم من المشاركة في هذه الاستراتيجية. ثانيًا: التفاوض عملية طويلة.. إيران لن تستسلم كتب جون ب. ألترمان في Defense one مقالًا يتحدث فيه عن عودة شاقة للمفاوضات الأمريكية مع إيران بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي. وبرأي الكاتب، لا ينبغي أن نتوقع عودة سهلة للمفاوضات، كما يريد فريق بايدن، ولا ينبغي أن نتوقع أن تستسلم إيران. وبدلًا من ذلك، ينبغي أن نتوقع عملية مطولة تتخللها أزمة. ويقول ألترمان "يبدو أن البرنامج النووي الإيراني بأكمله يبدو أحيانًا أنه يعمل كأداة لتنظيم التوترات الدبلوماسية وليس كمسعى علمي". ويرى أنه من غير المرجح أن تبرم إيران اتفاقًا واسعًا قبل الانتخابات الرئاسية في حزيران 2021، والتي ستنتج على الأرجح زعيمًا أكثر تشكيكًا في المفاوضات من الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني. كذلك، يرى المحلل الأمريكي ستيفن إرلانغر، في صحيفة "نيويورك تايمز" إن الجانب الإيراني لن يستسلم، مشيرًا إلى أن قرار ترامب بالانسحاب، وفرضه عقوبات على إيران لن ينسى بسهولة، فالأخيرة تريد من واشنطن دفع مليارات الدولارات من الخسائر الإقتصادية التي تكبدتها بسبب الإنسحاب الأمريكي عام 2018. كما يذكر الكاتب ديفيد غاردنر في مقاله لصحيفة "فايننشال تايمز"، أن فريق السياسة الخارجية لبايدن، والمليء بالمحاربين القدامى من إدارة باراك أوباما، يدرك مدى صعوبة إعادة الاتفاق النووي مع إيران، لأنه يعرف من التجربة المباشرة حجم "دهاء" المفاوضين الإيرانيين، وإلى أين وصلت العلاقات العدائية مع طهران خلال فترة إدارة ترامب. وعليه فإن التعامل الحذر مع القضية، واستخدام استراتيجية "الأقل مقابل الأقل"، هو شعار واشنطن في هذه المحادثات. ثالثًا: الشرط الإيراني واضح.. رفع العقوبات الموقف الإيراني الإيراني اليوم لا لبس فيه، وهو واضح من خلال اشتراط الرئيس حسن روحاني رفع العقوبات قبل كل شيء. كذلك ما يقوله وزير الخارجية محمد جواد ظريف، من أن الإتفاق قد يتعرض للخطر إن لم تخفف واشنطن العقوبات المفروضة على طهران قبيل الانتخابات الإيرانية في يونيو/ حزيران القادم. وعلى كل الأحوال لقد حدَّد المسؤولون الإيرانيون عودة أمريكا إلي الاتفاق النووي ورفع جميع العقوبات، شرطًا للموافقة على المفاوضات مع واشنطن. وقد قطع آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي الشك باليقين بقوله إنه "على الأميركيين رفع العقوبات أولاً لنؤدي نحن أيضًا واجباتنا بعد ضمان رفعها"، موضحًا أن "الإقتراحات التي تقدمها الولايات المتحدة هي إقتراحات مسيئة حتى إنه لا يمكن النظر فيها". إذًا، وفي المحصلة، فإن إيران تحترف جيدًا لعبة الأمم، تمتلك أوراق القوة، ترد وتواجه حيث يجب، تتعامل من الند، لأن القوي يتم إحترامه في موازين القوى، وتملك القرار والإرادة والأوراق الرابحة، وبالتالي على الغرب أن يفهم بأن لدى طهران أوراقًا عدة يمكن اللعب ضده من خلالها، لمواجهة الأوراق المعادية المستخدمة في حصار الجمهورية الإسلامية، وهي من خلال التفاوض غير المباشر تثبت معادلة التعامل بالمثل، والندية في سياسية المواجهة مع واشنطن وحلفائها، وبالتالي الدفع نحو إفهام الأميركي بأن الطرف الإيراني هو طرف قوي لا يمكن اللعب معه على حافة الهاوية، وأن الطريقة المتبعة لن تؤدي إلى الاتفاق.