الاقتصاد الإیرانی إلى أین؟ إجابات من أحدث تقاریر البنک الدولی

فی ظل صراع مشتعل على منطقة الشرق الأوسط، وفیها، اجتذب کل الأطراف العالمیة الفاعلة، التی تدرک أهمیة المنطقة وحیویتها، کان لافتًا استمرار الصین فی حلمها الکبیر طریق الحریر، وإعلانها عما یصل إلى تحالف واسع المدى والمدة مع الجمهوریة الإسلامیة، لتکوین شراکة تحقق مصالح الدولتین فی إنشاء بدیل قادر على الحیاة للطریق الأمیرکی.

وجدت الصین الصاعدة فی إیران الصامدة الحلیف الأکثر ثقة وقوة فی المنطقة، وطوال سنوات حکم المتهور دونالد ترمب بواشنطن، لم یکن سلاح إیران الذی واجهه الأمیرکی خطبًا فارسیة رنانة، أو طنطنة فارغة عبر الفضائیات وفی الصحف، راعی البقر وجد أمامه أمة مقاومة، قادرة على الفعل، تمتلک التأثیر والإرادة، وأخیرًا متحملة لعواقب حرکتها وقرارها، فی وجه جزرة الترغیب أو سیف العقوبات. وخلال الأسبوع الجاری، وعقب أیام فقط من توقیع الجمهوریة الإسلامیة لما توصف بأنها أضخم الاتفاقات الاقتصادیة فی تاریخ الشرق مع التنین الصینی، وبقیمة تبلغ 600 ملیار دولار لمدة 25 عامًا، اختتم البنک الدولی اجتماعات الربیع السنویة للعام الجاری 2021، بإصدار تقریر وصف بأنه متشائم للغایة بشأن النمو المتحقق فی منطقة الشرق الأوسط. التقریر الأحدث من مؤسسة البنک الدولی، والذی جاء بعنوان "التحدیث الاقتصادی لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفریقیا"، جرى تقدیمه على أنه استجابة لتحدیات "عام کورونا" الصعب، الذی ضرب آمال التعافی الاقتصادی للدول والاقتصادیات الناشئة والمتوسطة، وضع کل دول الشرق الأوسط فی دائرة الانکماش خلال 2020، دول الخلیج الهشة، حیث یتراجع الطلب على البترول بفعل استمرار الإغلاق بالعدید من دول العالم، ودول أخرى استمرت فیها النزاعات، وبالتالی سادت حالة عدم الیقین التی تضرب خطط الإنقاذ فی مقتل. لکن الجدید فی تقریر البنک الدولی للمنطقة، أنه استثنى 3 دول من حالة الانکماش السائدة، الجمهوریة الإسلامیة ومصر وجیبوتی، وکانت اجتماعات مسؤولی الحکومة المصریة - کالعادة - مثمرة مع البنک الراعی لعملیات اقتراض واسعة من أسواق العالم، لم تعد تعرف حدودًا لما هو ممکن، أو ترى خطًا أحمر یتوقف عنده النزیف المستقبلی الأکید، کما یعود النمو فی دولة جیبوتی نسبیًا إلى حالة من الرواج تشهدها الدولة صغیرة المساحة، عظیمة الأهمیة، فی منطقة القرن الإفریقی، حیث القواعد الأجنبیة العسکریة وما یلزمها من إمکانیات البقاء، تدفع لعملیات إنشائیة هائلة انعکست بالإیجاب على نسبة نمو الناتج المحلی الإجمالی الحقیقی بهذا البلد. الدولة الوحیدة المحاصرة بعقوبات غربیة منذ انتصار ثورتها، العقوبات المستمرة بکل الحجج المفتعلة أو المنطقیة، أجبرت واضعی التقریر على تغییر توقعاتهم السابقة، والصادرة قبل 3 أشهر فقط، وکانت ترى استمرار تأثیر عاملین مزدوجین على الاقتصاد الإیرانی، هما کورونا والحصار الأمیرکی، لیدفعا بها إلى هاویة رکود محقق فی 2020. فی البدایة، جاءت توقعات النمو لمنطقة الشرق الأوسط وبلدانها قاتمة، إذ توقعت وحدة الاقتصاد الکلی لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا فی البنک الدولی أن تحقق المنطقة نموًا بنسبة 3.8-% (بالسالب) خلال عام 2020، فی ظل قیود الإغلاق والتوقعات البطیئة لعملیات التعافی، وفشل حزم الإنقاذ الحکومیة المستمرة. لم یذکر التقریر بالطبع جهود السعودیة فی تنویع اقتصادها، القائم على النفط، والنفط فقط، وکان ارتباط انکماش الاقتصاد السعودی بنسبة 4.1-% فی 2020 بتراجع الطلب على البترول، حکمًا کاملًا على رؤیة السعودیة 2030 الکومیدیة. ودعم تقریر البنک الدولی من مبدأ صار صاحب السیادة فی زمن کورونا، أن الاقتصادیات القائمة على قطاعات حقیقة، من صناعة وزراعة، وتمتلک بنیتها الوطنیة التقنیة، استطاعت تجاوز المرحلة الأکثر دقة ومأساویة فی ظل الجائحة العالمیة، کونها قادرة على تغطیة احتیاجاتها، ولا یخفى بالطبع أن الصین کانت الضحیة الأولى لتفشی "کورونا"، فیما کانت إیران بحکم القرب الجغرافی والتبادل التجاری الکبیر بین البلدین إحدى أکثر الدول المتضررة من الوباء، سواء على الصعید الإنسانی أو المادی. قال البنک الدولی فی معرض تناوله لنمو اقتصاد الجمهوریة الإسلامیة، إن الاقتصاد الإیرانی سیحقق معدلات نمو تبلغ 1.7% فی 2020، ثم 2.1% فی 2021، ثم 2.2% فی 2022، بالتزامن مع انتهاء آثار الوباء على الموازنة والمالیة العامة تمامًا، کما توقع عودة نصیب الفرد من الناتج المحلی الإجمالی الحقیقی للنمو الإیجابی بنسبة 0.5% فی 2020، تصل إلى الضعف بالعام التالی 2021. وارتفعت التقدیرات نتیجة کفاءة الأداء، بالمقارنة مع التوقعات السابقة للبنک الدولی، فی تقریر "آفاق اقتصادیة" والصادر فی ینایر/کانون ثانی الماضی –أی قبل 3 أشهر فقط- والذی کان یتوقع استمرار معاناة الاقتصاد الإیرانی من الحصار وتفشی الوباء، والبالغة 3.7-% (بالسالب)، على أن یبدأ الاقتصاد التعافی فی 2021. التقریر الاقتصادی الذی یأتی من جهة توصف بأنها حاکمة لحکومات العالم، یضع لمن أراد أن یرى الشروط الواجبة لدولة قویة وقادرة، الدول القائمة على الریع، أی الاعتماد الکامل والکلی على سلعة واحدة، والتی غالبًا ما تکون مادة خاما أولیة (البترول مثلًا) أو خدمیة (السیاحة)، رسبت أمام الفیروس الکاشف للعورة، والتصنیع الوطنی (سلاح – دواء – غذاء) هو القادر على عبور عقبات الطریق الشاق، مهما کانت وعورة الظرف، أو تربص العدو.