القرار السعودی بمنع دخول الخضار اللبنانیة.. ما هی الأسباب التی یتکتم عنها الجمیع؟
قرار السلطات السعودیة بوقف استیراد الفواکه والخضروات اللبنانیة اعتبارا من یوم أمس الأحد لا یُمکن النظر إلیه إلا من زاویة تشدید الحصار الخانق المفروض حالیا على لبنان بتحریض أمریکی إسرائیلی، من أجل تجویع شعبه، وجر البلاد إلى أتون حرب أهلیة.
استخدام عذر ضبط شحنة من فاکهة الرمان محشوة بحبوب الکابتغون المخدرة (5 ملایین حبة) کانت فی طریقها إلى السعودیة، کان مجرد “غطاء” لتبریر هذا القرار، وإخفاء الأسباب الحقیقیة، أی زیادة معاناة اللبنانیین ودفعهم إلى النزول إلى الشوارع فی “ثورة غضب” ربما تؤدی إلى إشعال فتیل الفوضى والصدامات الطائفیة، وفتح أبواب البلاد على مصراعیها للتدخلات العسکریة الخارجیة.
لا نجادل مطلقا فی تورط لبنان فی عملیات تهریب، ولا نشکک فی روایة السید ولید البخاری، سفیر السعودیة فی بیروت الذی کشف عن ضبط جمارک بلاده 600 ملیون حبة مخدرات (کبتاغون) ومئات الکیلوغرامات من الحشیش قادمة من لبنان، ولکن من یقوم بأعمال التهریب هذه عصابات إجرامیة، ولا یجب أن یتحمل أربعة ملایین لبنانی یعیش نصفه تحت خط الفقر، و300 ألف أسرة منه على المساعدات الغذائیة الإنسانیة.
فی تشرین أول (أکتوبر) عام 2015 أوقفت الجمارک اللبنانیة فی مطار بیروت أمیرا سعودیا کان بصدد تهریب طنین من حبوب “الکبتاغون” المخدرة مدسوسة فی طرود على متن طائرته الخاصة فی أحد رحلاتها إلى السعودیة مما یعنی أن المهربین السعودیین هم شرکاء أیضا فی هذه الجریمة، وأن أمراء یتعاملون مع عصابات التهریب التی تتخذ من لبنان مقرا لها.
السعودیة مستهدفة من قبل عصابات التهریب من دول عربیة وإسلامیة عدیدة لوجود المال والمدمنین معا، أی أن لبنان لیس استثناء، ولکن کان هو الضحیة والمستهدف أیضا، فلم توقف المملکة استیراد أی منتوجات زراعیة أو صناعیة من عدة دول یتم دس المخدرات فی العمائم وشحنات الخضراوات أو الفاکهة القادمة منها.
روى لنا مصدر سعودی عالی المستوى نقلا عن الأمیر (الملک الحالی) سلمان بن عبد العزیز الذی کان فی حینها أمیرا للریاض، أن بعض قیادات المجاهدین الأفغان الذین کانوا یزورون المملکة على رأس وفود ضخمة فی ذروة الجهاد الافغانی ضد الاحتلال السوفییتی فی الثمانینات کانوا یهربون المخدرات فی عمائمهم، وأن سلطات الجمارک کانت تعرف هذه الحقیقة، ولکنها کانت تغض النظر فی حینها، تجنبا لإحراج هؤلاء، وحرصا على استمرار “الجهاد”.
من الحقائق المعروفة والموثقة أن 85 بالمئة من المخدرات فی الدول الأوروبیة تأتی من أفغانستان، والباقی فی کولومبیا، والشیء نفسه یقال عن السعودیة والدول الخلیجیة، ومع ذلک لم نقرأ أن قرارا صدر عن الاتحاد الأوروبی أو السعودیة، بمنع کافة الصادرات الزراعیة والصناعیة القادمة من البلدین، أو الدول التی تمر عبرها، وما زالت القهوة الکولومبیة تتربع على أرفف “السوبرمارکت” فی لندن وباریس وبرلین.
نعترف أن هناک تقصیرا، وربما تواطؤا من قبل سلطات الجمارک اللبنانیة، أو بالأحرى بعض الفاسدین منها، وعدم بذل الجهود الکافیة لمکافحة التهریب، ومنه استخدام الفواکه والخضار اللبنانیة، أو طرق أخرى، کغطاء لإغراق السعودیة بالحبوب المخدرة، ولکن الجمارک السعودیة فی الجانب الآخر تتحمل المسؤولیة نفسها أیضا، مع فارق أساسی وهو أن المؤسسات اللبنانیة شبه منهارة هذه الأیام والبلاد تعیش أزمات طاحنة، أبرزها الفراغ الحکومی، ولا بد فی هذه الحالة من رؤیة وجهی العملة ولیس وجه واحدة فقط.
کان من المفترض إذا حسنت النوایا التنبیه والاحتجاج قبل الإقدام على خطوة الحصار هذه، والتنسیق مع السلطات اللبنانیة لعلاج هذا الخلل، ولکن هذا الافتراض لم یکن مرحب به، والتهریب کان ذریعة مثلما ذکرنا آنفا.
لبنان یواجه مؤامرة کبرى هذه الأیام تقف خلفها إسرائیل وأمریکا، وبعض حلفائها العرب، عنوانها الرئیسی هو سلاح “حزب الله” وصواریخه الدقیقة التی باتت قادرة على الوصول إلى أی هدف إسرائیلی فی العمق الفلسطینی المحتل، وفشل هذه المحور فی نزع هذه الصواریخ الدقیقة، وتدجین “حزب الله” وفرض التطبیع واتفاقات ترسیم الحدود البحریة حیث النفط والغاز وفق الشروط الإسرائیلیة السبب وراء کل هذه الحصارات التجویعیة والترکیعیة للشعب اللبنانی، وتصدیر الأزمة له بالتالی.
الشعب اللبنانی سیصبر، وسیتحمل، ولکن إذا طفح کیله، فتوقعوا الطوفان، ونحن نتحدث هنا عن محور المقاومة وأنصاره الکثر، ونصیحتنا لکل المتآمرین تقول: اتقوا غضب الحلیم، والأمر متروک لفهمکم.