هاجس إسرائیلی یتعاظم: العراق "فرصة ضائعة" خطِرة

لن یکون العراق فی المرحلة المقبلة بمنأى عن المخططات الإسرائیلیة، بهدف إضعافه وإجباره على السیر بمسار التطبیع، ولن تکون التدخلات الخارجیة، وعلى رأسها السعودیة والإمارات، بعیدة عن هذا المخطط أیضاً.

جاءت شهادة نائب رئیس هیئة الحشد الشعبی فی العراق أبو مهدی المهندس، إلى جانب قائد قوة القدس فی حرس الثورة الإیرانی الفریق قاسم سلیمانی، العام الماضی فی بغداد، لترسم ملامح مرحلة جدیدة من تاریخ العراق. هذا ما قرأته "إسرائیل" جیداً، وعبّرت عنه، لیس فی التصریحات السیاسیة فحسب، بل خلال مسار أمنی أیضاً، یضع العراق ضمن دائرة التهدید، فی الوقت الذی کان کیان الاحتلال فی مرحلة ما بعد العدوان الأمیرکی فی العام 2003 یتحرک بکل سبل لإبعاد شبح "التهدید العراقی" عنه. العراق.. جبهة عسکریة مؤثرة ضد "إسرائیل" أدخل المستوى الأمنی والعسکری فی کیان الاحتلال الإسرائیلی خلال السنوات الأخیرة خطراً جدیداً یهدد "إسرائیل"، یتمثل فی العراق. برز ذلک بوضوح فی تقریر معهد الأمن القومی الإسرائیلی نهایة العام المنصرم، باعتباره أنه فی الحرب المقبلة "ستُهاجَم الجبهة الداخلیة بآلاف الصواریخ والمقذوفات الصاروخیة، من بینها عشرات الصواریخ الدقیقة وطائرات غیر مأهولة هجومیة، ومن عدة ساحات بالتوازی: لبنان، سوریا، غرب العراق، وربما أیضاً غزة".   وفی محاکة للحرب، طرح معهد الأمن القومی الإسرائیلی أیضاً، مطلع العام الحالی، سیناریو یشیر إلى أن "الحرب ستبدأ بإطلاق 6 صواریخ من غرب العراق باتجاه تل أبیب". وعلى هذا المنوال، یظهر أن العراق یشکّل هاجساً کبیراً بالنسبة إلى کیان الاحتلال، فی ظل التطورات التی لحقت بالساحة العراقیة خلال السنوات الأخیرة، وتشکیل "الحشد الشعبی" الذی انخرط بمعظم فصائله ضمن استراتیجیة محور المقاومة فی ترابط الجبهات.  لذا، جاءت المناورات العسکریة الأمیرکیة الإسرائیلیة المشترکة فی شباط/فبرایر الماضی لتعبّر عن تلک الهواجس، إذ إن سیناریوهات المناورات هذه المرة حاکت إطلاق صواریخ جوالة وصواریخ أرض-أرض وطائرات مسیرة انتحاریة من غرب العراق والیمن، "وهو احتمال أخذ فی الحسبان"، وفق ما ذکره الإعلام الإسرائیلی، بعد أن کانت المناورات تقتصر على محاکاة هجمات صاروخیة من لبنان وسوریا وإیران. سبق هذا کله التحذیرات التی أطلقها معهد "دراسات الأمن القومی الإسرائیلی" فی حزیران/یونیو العام الماضی، من خطورة انسحاب الولایات المتحدة من العراق، باعتباره أن سیمثل تهدیداً مباشراً للمصالح الاستراتیجیة الإسرائیلیة. وتطرق "الأمن القومی الإسرائیلی" حینها إلى ضرورة أن ینتهی "الحوار الاستراتیجی" بین واشنطن وبغداد "بالسماح للقوات الأمیرکیة بمواصلة التمرکز فی الأراضی العراقیة"، لما فی ذلک من مصلحة إسرائیلیة یمکن أن تتهدد بانسحاب القوات الأمیرکیة من العراق. ینظر کیان الاحتلال الإسرائیلی إلى العراق بکونه "الفرصة الضائعة"، ولا سیما أن الاحتلال الأمیرکی لهذا البلد فشل فی فترة ما بعد سقوط نظام صدام حسین بإلحاق بغداد برکب التطبیع، نتیجة للثقل الشعبی الذی تمثله القوى الرافضة لذلک. لیس هذا فحسب، بل إن تحوّل العراق إلى جبهة متقدمة فی مواجهة الهیمنة الأمیرکیة، من خلال فصائل المقاومة العراقیة، وضع "إسرائیل" فی دائرة الاستهداف ضمن 3 مسارات: المسار الأول هو ارتباط کیان الاحتلال العضوی بتلک الهیمنة، والمسار الثانی هو ارتباط قوى المقاومة العراقیة بالقضیة الفلسطینیة ووضعها کأولویة، والمسار الثالث هو التنسیق الذی بلغ مستویات عالیة بین فصائل المقاومة العراقیة من جهة، ومحور المقاومة ککل من جهة أخرى، خلال السنوات الأخیرة، وذلک بجهود نائب رئیس هیئة "الحشد الشعبی" السابق الشهید أبو مهدی المهندس، الذی کان على مستوى عالٍ من الوعی السیاسی والأمنی، لیدرک أن تحدیات مواجهة الإرهاب فی الساحة العراقیة لا یمکن فصلها عن الجبهات الأخرى، ولا سیما فی سوریا، ولا یمکن فصلها أیضاً عن التحالفات الإقلیمیة. کرکوک - حیفا.. أطماع النفط فی المقابل، یواجه العراق وفصائله المقاوِمة الأطماع الإسرائیلیة المستمرة التی تترکز فی قطاع النفط، إذ إن هناک حاجة ملحة لکیان الاحتلال فی إعادة تشغیل خط أنابیب النفط الخام الذی تم تشغیله بین حقول النفط فی کرکوک ومیناء حیفا خلال الفترة الممتدة بین العام 1935 والعام 1948، والذی أنشأته فی تلک الفترة "شرکة نفط العراق" بین العامین 1932 و1934، لیتوقف إثر النکبة الفلسطینیة بعد رفض الحکومة العراقیة حینها ضخ المزید من النفط عبره. تبرز الأطماع الإسرائیلیة تلک فی ما ذکرته عدّة تقاریر صحافیة خلال السنوات الأخیرة بأن "إسرائیل" تشتری النفط العراقی القادم من "إقلیم کردستان العراق"، إذ یصلها عبر خط منفصل یصدّر النفط غیر الشرعی عبر الأراضی الترکیة نحو مرفأ جیهان الترکی، لیُنقل بعدها بالناقلات إلى میناء حیفا وعسقلان فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة، فی حین احتلت "إسرائیل" المرتبة الأولى فی استیراد النفط الخام من إقلیم کردستان العراق فی العام 2017 على سبیل المثال، وفق معطیات شرکة "کلیبیرداتا"؛ الشرکة  الأمیرکیة المختصة بتعقب شحنات النفط العالمیة. توجُه کیان الاحتلال الإسرائیلی نحو طرق ملتویة لتهریب النفط العراقی یبرز الصعوبات التی یعانیها فی الساحة العراقیة، والتی ازدادت صعوبة فی السنوات التی تلت اجتیاح تنظیم "داعش" لبعض المدن العراقیة؛ ففی مرحلة ما بعد تحریر العراق من "داعش"، بدأ العراق یتحول تدریجیاً من ساحة متأثرة إلى ساحة مؤثرة على الصعید الإقلیمی، وهو ما تثبته المخاوف الإسرائیلیة من الجبهة العراقیة، وبات الطموح الإسرائیلی بإعادة تشغیل خط النفط العراقی أکثر صعوبة من ذی قبل، بسبب الحالة العراقیة الرافضة لذلک، فیما کان الجانب الإسرائیلی یعوّل بشکل کبیر على حدثین لتمریر هذا المشروع: العدوان الأمیرکی فی العام 2003، وتوسع تنظیم "داعش" فی العراق بدءاً من العام 2014. وهنا، نذکر ما قاله وزیر المالیة فی حکومة الاحتلال الإسرائیلی بنیامین نتنیاهو فی العام 2003 لمجموعة من المُستثمرین الصهاینة: "لن یطول الوقت حتى تروا النفط العراقی یتدفّق إلى حیفا.. مسألة وقت حتى یُعاد تدفّق النفط العراقی إلى البحر المتوسّط" (یقصد میناء حیفا). وفی العام 2014، وبالتزامن مع سیطرة تنظیم "داعش" على مساحات من الأراضی العراقیة، صرّح وزیر البنى التحتیة فی حکومة الاحتلال یوسف باریتسکی، بأنه تم الإیعاز لشرکة النفط "تاشات" التی یملکها کیان الاحتلال لإجراء تقییم للتکالیف التی سیتطلّبها إصلاح خط أنابیب الموصل-حیفا، والذی کان مُستعملاً قبل العام 1948، لفحص أوضاع خط النفط الممتدة من کرکوک إلى حیفا، وذلک بناءً على برقیة أمیرکیة وصلت إلى مکتب رئاسة وزراء الکیان، تضمّنت طلباً أمیرکیاً لإجراء التقییم.  التآمر الإسرائیلی مستمر سعت "إسرائیل" خلال العقدین الماضیین إلى اتباع کل الأسالیب التی تضمن لها تقسیم العراق إلى "کانتونات طائفیة" من أجل تحقیق أهدافها، إلى جانب استغلال الأحداث ضد العراق والمشارکة فیها، وهو ما عبّر عنه وزیر الأمن الإسرائیلی الأسبق أفیغدور لیبرمان فی العام 2016، بقوله إن "هناک استنتاجات یجب على العالم أن یستخلصها من النزاعات التی تدور فی الشرق الأوسط، ومن أهمها ضرورة تقسیم العراق وسوریا". وقبله بسنوات، المذکرة التی قدمها جنرالات وباحثون إسرائیلیون لرئیس حکومة الاحتلال الإسرائیلی السابق إیهود أولمرت، والتی تضمنت ضرورة الضغط بقوة على الولایات المتحدة لمنعها من الانسحاب قبل تفتیت وحدة العراق الجغرافیة لصالح خدمة أهدافها فی المنطقة. تلک المذکرة أضافت نقطة مهمة بإشارتها إلى أن "غیاب العراق عن الخارطة السیاسیة للمنطقة سیشکل أحد العوامل فی تقلیص المخاطر الاستراتیجیة ضد إسرائیل". لن یکون العراق فی المرحلة المقبلة بمنأى عن المخططات الإسرائیلیة، بهدف إضعافه وإجباره على السیر فی مسار التطبیع، ولن تکون التدخلات الخارجیة، وعلى رأسها السعودیة والإمارات، بعیدة عن هذا المخطط أیضاً. ومن هذا المنطلق، فإن العراق سیبقى ضمن دائرة الاستهداف، لیس لکونه بلداً غنیاً بالموارد فحسب، بل لأن نواة مواجهة الهیمنة الأمیرکیة على المنطقة، ومن ضمنها "إسرائیل"، موجودة فیه أیضاً، وبقوة، على الصعیدین الشعبی والسیاسی، وهی قادرة فی أی ظرفٍ إقلیمی داعم على أن تتحول إلى کرة نار جارفة لتلک المشاریع.




محتوى ذات صلة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة فی إیران اللواء حسین سلامی یقول إن "الانفجار الکبیر فی مصنع محرکات المضادات الدفاعیة والصواریخ حاملة الأقمار الصناعیة مؤخرا فی "إسرائیل"، أثبت هشاشة النظام الأمنی الإسرائیلی".

|

النجباء: نرصد بدقة تحرکات التحالف الصهیوامریکی

أشار الشیخ اکرم الکعبی الى محاولات واشنطن للتغطیة على جرائم الکیان المحتل للقدس، مؤکدا أن المقاومة ترصد بدقة تحرکات التحالف الصهیوامریکی.

|

إین "مجاهدو داعش" من المجزرة التی تُرتکب فی المسجد الأقصى؟!

وأنا اتابع اخبار المجزرة المروعة التی ارتکبتها "داعش" السبت الماضی فی کابول، والتی ذهب ضحیتها 85 فتاة واکثر من 150 جریحة، فی تفجیر سیارة مفخخة امام ثانویة"سید الشهداء" للبنات، حین کانت الطالبات یخرجن من المدرسة، وقع نظری على مقال تحت عنوان"لماذا لا یوجد فرع لداعش فی فلسطین"، حیث ...

|

المرجع السیستانی یدعو الدول الإسلامیة والمجتمع الدولی إلى عدم ترک الشعب الأفغانی "وحیدا"

دعا المرجع الدینی الأعلى بالعراق، السید علی السیستانی، الیوم الاثنین، الدول الإسلامیة والمجتمع الدولی إلى عدم ترک الشعب الأفغانی "وحیدا"، فیما ندد بالاعتداء على مدرسة "سید الشهداء" فی کابل.

|

العراق یدعو إلى اجتماع طارئ للبرلمان العربی بشأن أحداث القدس

دعا رئیس مجلس النواب العراقی، محمد الحلبوسی، الیوم الأحد، البرلمان العربی لعقد اجتماع طارئ بشأن أحداث القدس، للخروج بموقف مشترک وقرارات حاسمة إزاء "الاعتداءات الصهیونیة السافرة".

|