قطار التسويات في سوريا يسابق الزمن ويهيء البلاد للمرحلة المقبلة

على مساحة الجغرافيا السورية، تتنوع محطات قطار المصالحة الذي اطلق من جديد، في محاولة من الدولة السورية لترسيخ هذه الاستراتيجية، ومساهمة في الترميم الاجتماعي في مناطق تواجدت فيها المجموعات المسلحة لوقت طويل، هي استراتيتجة ساهمت في حقن الدماء، وعودة دورة الحياة الى المناطق التي زارتها لجان المصالحة، وسرعت في اندماج اهالي تلك المناطق في محيطهم الاجتماعي ودائرتهم الاقتصادية.

من دير الزور الى درعا ومن ثم الرقة وحلب وريف دمشق، تعمل لجان المصالحة الوطنية على قدم وساق، لتسوية أوضاع الراغبين بذلك، وباتت تستقطب العديد من الاهالي من مناطق سيطرة قسد، بهدف عودتهم إلى بيوتهم و عودة مظاهر الدولة الخدمية، تمهيدا لإعادة تلك المناطق إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، عبر خطوات سريعة ابرزها منح وثيقة " كف بحث " لكل شخص انجز التسوية، مع استثناء المسلّحين المتورّطين في أعمال إرهابية. في المقابل، تكثف القوات الامريكية وذراعها قسد محاولات افشال هذه الخطوة بالذات في محافظات دير الزور والرقة وحلب، وتنظم حوارات متواصلة مع العشائر، بالاضافة الى ذلك، تتحدث المعلومات عن اجتماعات عقدتها ممثلة عن الخارجية الامريكية في القاعدة الامريكية في منطقة منتجع لايف ستونت في ريف الحسكة، احد هذه الاجتماعات حضرها ايضا الدبلوماسي الامريكي مثيو هاورن، جرى فيها مناقشة الاهالي حول التسوية الحكومية، ما دفع عدد من وجهاء العشائر المرتبطين بالقوات الامريكية، بإصدار بيانات، تدعو الاهالي عدم الانضمام لهذه التسويات، تزامن ذلك ايضا مع بيانات لقسد، ترفض هذه التسويات، واكثر من ذلك بدأت التضييق على الشباب الراغبين بالتسوية، وتسير دوريات لاعتقالهم. مشوار المصالحات الذي من المتوقع ان يصل الى الحسكة في الايام القادمة، اختار منطقة الكسوة ومحيطها ومن ثم المعضمية وداريا في ريف دمشق، مع خطوات واضحة من الدولة السورية لتحصين هذه التسويات من خلال مظاهر الوئام والمحبة ونشر ثقافة التسامح لإنجاز حالة هدوء واستقرار وصفاء في النفوس، الى جانب تضافر جهود الجميع لمعالجة الثغرات وإيجاد الحلول والتسوية النهائية في المصالحات، واللافت في الامر ان التسويات تلك لم تكن عنوان في السياسية، بل كانت حالة وطنية بامتياز، بعد ان كان العدوان على سوريا هو عدوانا مركباً، تدخلت فيه الاطر الثقافية بالسياسية بالاجتماعية، واصبحت منظومة القيم في خطر شديد، بعد ان اخضع هذا العدوان مفاهيم عديدة للتشويه، وجعل من الفوضى هي الاساس، في المقابل، لم تكن عملية التسوية والمصالحة الا حالة بعيدة عن روح الكيدية وتصفية الحسابات، على اساس انها مسألة وطنية بامتياز، بعد ان تعرضت سوريا لويلات كبيرة، لتشكل منجزا وطنياً، يرتقي الى مستوى تضحيات الشعب السوري. يجمع المتابعون هنا في سوريا، ان العنوان الابرز للتسويات هي البحث عن آلية للتخلص من المجموعات المسلحة التي استُعملت في العدوان على الدولة السورية، ضمن عنوان عام وهو ان المصالحة الوطنية هي عملية توافق وطني ضمن العلاقة بين المواطنيين جميعا، قائمة على التسامح وازالة اثار الماضي من خلال مجموعة اجراءات هادفة الى تحقيق الامن والسلام الاجتماعي والمصالحة بين الافراد، للوصول الى السلام المجتمعي، وانهاء حالة التشظي الاجتماعي، ومنع تكرار ما جرى، وتمكين المجتمع اقتصاديا واجتماعيا، بالاضافة الى تقوية مؤسسات الدولة، والاهم من ذلك اعادة ارتباط ابناء تلك المناطق بمؤسسات الدولة، ومنع اي جهاز استخبارات او قوة دولية او اقليمية للتأثير على الواقع الاجتماعي، والانطلاق في اعادة اعمار البلاد، وهذا ما يزعج القوى الاقليمية والدولية التي دعمت الحرب ضد سوريا. ان الدولة السورية تؤكد في اطلاق المصالحة الوطنية من جديد والتسويات في مناطق مختلفة، انها الحامل الرئيسي لعملية الترميم الاجتماعي المستدام في البلاد، وهي القادرة على خلق البيئة الحقيقية للسلام الاجتماعي على المستوى القانوني والسياسي، والحريصة على مشاركة كل ابنائها في اعادة الاعمار بالذات في المرحلة القادمة.