مَسیرات العَودَة.. لماذا تُرعِب الإسرائیلیین والسُّلطة مَعًا؟ أ

لیسَ عَیْبًا أن یَتْرُک العَرب أهْل غَزّة المُسالِمین مُواجَهة رَصاص القَنّاصة وَحدَهُم؟ وأینَ هَؤلاء الذین یَتغنَّون بِصَداقَة نتنیاهو وحَضاریّة دَولته وحَق الیَهود فی الوُجود على أرْضِهم؟

  لیسَ عَیْبًا أن یَتْرُک العَرب أهْل غَزّة المُسالِمین مُواجَهة رَصاص القَنّاصة وَحدَهُم؟ وأینَ هَؤلاء الذین یَتغنَّون بِصَداقَة نتنیاهو وحَضاریّة دَولته وحَق الیَهود فی الوُجود على أرْضِهم؟ وهل أدرعی أحْرَص على الفِلسطینیین وصِحَّتِهِم من “حماس″؟ یُجَدِّد أهل قِطاع غزّة الصَّامِدین المُحاصَرین المُجوَّعین العَهد، ویُؤکِّدون مُجدّدًا على إبداعِهِم المُقاوِم للاحتلال الإسرائیلی، وکَسر حالة الجٌمود والعُزلَة، وإعادة قَضیّتِهم وشَعبِهم وأُمّتِهم إلى مَرتَبةٍ مُتقَدِّمة على سُلّم الاهتمامات والأولَویّات العالمیّة، وبَعد فترة طالت من التَّعتیم والخُنوع. بعد طَردِهم الاحتلال الإسرائیلی مَهزومًا مُثخّن الجِراح من القِطاع، ها هُم نِسائه قبل رجاله، یَستخدِمون واحد أبرز من أقوى الأسلِحة التی تُرعِب الاحتلال، وتَسحَب أحد أُسس شَرعیّته، وهو سِلاح العَودة، فلا کَلِمة “تُثیر هَلَع الإسرائیلیین أکثَر من کَلِمة العَودة لما تَنطَوی علیه من رَمزیّة تَنسِف العُدوانی السَّرد الیَهودی الإسرائیلی حَول الحَق فی الوُجود على الأرض الفِلسطینیّة وتَجْتثُّه من جُذورِه. مسیرات العَودة تَستمِر للأُسبوع الثانی وبِزَخمٍ أکبر وتُقدِّم 23 شَهیدًا وأکثر من ألفیّ جَریح، نِسبة کبیرة مِنهم من الشَّباب والأطفال من الجِنسین، سَبعة مِنهم استشهدوا الیَوْمْ الجُمعة، حتى کِتابَة هذهِ السُّطور. أرادوها مُقاوَمةً شعبیّةً سِلمیّةً، وأرادها جُنود الاحتلال الإسرائیلی دَمویّة، ووقف العالم مُتفَرِّجًا فی مُعظَمِه على هذهِ المَجزرة، وعلى رأس هَؤلاء ذَوی القُربَى، سواء فی أروِقة السُّلطة فی رام الله، أو فی العالَمین العَربیٍ والإسلامیّ، والاستثناءات مَحدودة جِدًّا للأسف، نَقولها وفی الحَلق مَرارَة. هذهِ هی الدَّولة الدِّیمقراطیّة الحَضاریّة الوَحیدة فی مِنطقة الشَّرق الأوسط تَنشُر قنّاصة الجیش “الأکثر أخلاقیّة” فی العالم خَلف ساتِر تُرابِی خلف الحًدود لاصطیاد الأطفال والمُحتَجِّین المُسالِمین بالرَّصاص الحَیّ وکأنّهم فی حَفلةِ صَید. والأخطر من ذلک أن الجِنرال أفخای أدرعی، المُتحدِّث باسم الجیش الإسرائیلی یُحذِّر الفِلسطینیین من إرهاب حَماس البیئی واستخفافِها بِصِحَّة المُواطِنین، لأنّ بعض الشُّبَّان لجأوا إلى إطارات السیّارات المَطّاطیّة لإشعالها واستخدام دُخانِها کحاجِز کثیف لحَجب رُؤیَة القنّاصة المُجرِمین وتَقلیصِ جَرائِمِهِم. أدرعی الذی یَقتُل جیشه المُحتَجِّین المُسالِمین بالرَّصاص الحَی، والأسلحة المُحرَّمة دَولیًّا، یَخشى على صِحٍة المُواطنین الفِلسطینیین، ویُحذِّر من التَّلوّث البیئی؟ إنّها قِمّة الوَقاحة وانعدام الإحساس الأخلاقی والإنسانی، ولکن ماذا نَقول وقد أصبحَ هذا الجِنرال صَدیقًا لمِئات الآلاف من العَرب على وسائِل التواصل الاجتماعی، ویَحتَل صَدر شاشات بَعض التَّلفَزة العَربیّة. ما أجملهن تِلک الفَتیات الغزیّات اللَّواتی حَوّلن الإطارات المَطاطیّة إلى لَوحاتٍ فنِّیّة تَزهو بألوان العَلِم الفِلسطینی، ویَتحوّلن، أی الإطارات، إلى حَواضِن لأشتال زِراعیّة قُرب الحُدود تَحمِل أسماء الشُّهداء الأبرار. نَعتَب على الأشقاء الفِلسطینیین فی مُختَلف أنحاء الضِّفّة الغَربیّة ومُخیّماتِها، وفی الجِوار العَربی، الذین لم یتضامنوا بالقَدر المَطلوب مع أهالی القِطاع المُحاصَر، رغم إدراکنا أن الأمن الفِلسطینی یَتربّص بِهم فی الدَّاخِل، ویَقوم بواجِبه فی تَنفیذ التَّعلیمات الإسرائیلیّة على أکمل وَجه فی مَنع مِثل هذا التَّضامن، ونُزول المُحتجِّین إلى المَیادین والشَّوارع. أهلنا فی قِطاع غَزّة، الذین یُقدِّمون الشُّهداء دِفاعًا عن الکرامَتین العَربیّة والإسلامیّة، لا یَجِب أن یَقِفوا فی المَیدان وحدهم، وهم الذین یَحتجُّون سِلمیًّا ویَفضَحون وَجه الاحتلال الدَّموی البَشِع، ویَرفَعون رایات حَق العَودة عالِیًا. الشَّعب الفِلسطینی الذی ینتمی إلیه هَؤلاء الشُّهداء لا یُمکِن إلا أن یَنتَصِر، ویُترجِم حَق العَودة عَملیًّا على أرض الواقِع، لأنّه لن یتنازَل عن شِبرٍ واحِد من أرْضِه التاریخیّة، ویُؤکِّد استعداده کُل یَوْمْ لتَقدیم التَّضحِیات من دَمِه وأرواحِ أبنائِه. إنّها مُواجَهة بین من یَمْلُک الحَق وأخلاقیّاتِه وبین من یَتمترَس خَلف الشَّر وأدواتِه القَمعیّة القاتِلة، والحَق حَتمًا سیَنتَصِر فی نِهایة المَطاف ومهما طالَ الزَّمن، لأن رِجالاً یُناصِرونَه ولا یَتردَّدون لَحظَةً فی المَوت مِن أجْلِه. مسیرات العَودة تُؤکِّد مُجدَّدًا، وفی زَمَن التَّخاذُل المُهین، أنّ الغَضَب الفِلسطینی بَدأ یَتفجّر مُجدَّدًا، ویَجْرِف أمامه کُل المُتخاذِلین ویُسْقِط کٌل الأقنِعة، ویُعید القَضیّة الفِلسطینیّة إلى وَهْجِها وثَوابِتِها الأساسیّة، وأبْرَزها أنّ کُل فِلسطین للفِلسطینیین من النَّهر إلى البَحر، ولا تَنازُل أو تَفریط عن أیِّ شِبرٍ مِن تُرابِها المُقَدَّس. “رأی الیوم”