صمود محور المقاومة یقلب الموازین فی المنطقة

جمال الکندی   الملفات العسکریة والسیاسیة الشائکة فی المنطقة توزعت بین سوریة وعراقیة ولبنانیة ویمنیة، هذه الملفات یتجاذبها طرفان متحکمان فی المسارات السیاسیة والعسکریة فیها ، وکلاهما له رؤیته وأجندته الخاصة فی التعاطی السیاسی والعسکریة لها .   الملف السوری والعراقی والیمنی واللبنانی وأهمها الفلسطینی ، ساحات ساخنة للأیدیولوجیات المتصارعة فی الجغرافیة العربیة ، بعضها تبلور بعد الربیع العربی ، وبعضها وجد منذ بدایة الصراع العربی الإسرائیلی؛  فکلما اتضحت معالم التفوق السیاسی والعسکری فی هذه الملفات لإحدى هاذین المحورین  إنعکس إیجاباً أو سلباً فی القوى الإقلیمیة والعالمیة الداعمة لهما وظهر ذلک واضحاً فی اللهجة السیاسیة وفی الخیارات الإقتصادیة .   الملف الفلسطینی ملف محوری ومتأثر بما یحدث فی الملفات الأخرى لأن محرکی الملفات الأخرى هم نفسهم القوى المتصارعة سیاسیاً وعسکریاً ، وهم عرفوا بتسمیتین هما: محور المقاومة والممانعة، ومحور المهادنة ، ومن هنا سندخل فی الملف الأهم الذی هو محور الإختلاف الأیدیولوجی الواضح بین الفریقین.     غزة الصمود أثبتت أنها عصیة على الانکسار، وأنها الرقم الصعب فی میزان المساومات فی الملف الفلسطینی تحت عنوان صفقة القرن ، والتی مهما تحدث منظروها تبقى ناقصةً من دون الشریک الفلسطینی الذی یقبل بها ویتحمل تبعات نتائجها ، ووسط الإنقسام بین غزة والضفة الغربیة ینعدم  وجود هذا الشریک ، وکذلک مسار الملفات الأخرى یوثر فی صفقة القرن . صواریخ المقاومة الفلسطینیة قلبت المعادلة العسکریة والسیاسیة ، وأجبرت وزیر الحرب الصهیونی “لیبرمان ” بالاستقالة ومن الممکن تسقط الحکومة على أثرها ، وهذا النصر الفلسطینی کان من زاویتین : الزاویة الأمنیة والعسکریة ، أما الأمنیة فبإفشال المخطط الصهیونی فی خطف قائد عسکری من حرکة حماس والمساومة علیه، أو إیجاد فتنة فصائلیة فی غزة تمهد لخلق بئیة مناسبة لتغییب الشریک الفلسطینی فی غزة ولإتمام صفقة القرن بعیداً عنه .    أما النصر العسکری فکان حجم الجهوزیة العالیة بین فصائل المقاومة الفلسطینیة  والتنسیق الکبیر بینهما ، وهذا ما فاجأ الکیان الصهیونی . هذه الصواریخ الأربعمئة قلبت المعادلة، وأوجدت توازن رعب جدید من غزة أجبرت العدو الإسرائیلی لقبول الوساطة المصریة لبدء هدنة  مع المقاومة الفلسطینیة حمایة لما یسمى سکان غلاف غزة،وبتحلیل بسیطة  لم حصل فی غزة نستنتج الآتی : اولاً الاستعداد الکبیر لدى فصائل المقاومة الفلسطنیة والتنسیق العالی بینها ، وثانیاً عدد الصواریخ وتنوعها ودقتها ، وثالثاً الحرب النفسیة التی أدارتها فصائل المقاومة الفلسطینیة، ببث صور لم تنشر من قبل تظهر استهداف جنود إسرائلیین بعبوات ناسفة مبتکرة ومنها تفخیخ العلم الفلسطینی ، رابعاً المراقبة الدقیقة للجنود الإسرائلیین والقدرة على استهدافهم فی الوقت المناسب وبأعداد کبیرة.   هذه المعطیات العسکریة خلقت توازناً معیناً فی الصراع الفلسطینی الإسرائیلی ، على اثرها تغیرت اللغة الإستکباریة لدى الصهاینة وأوجدت بیئة رد قاسیة على هذا الکیان الغاصب، وهذا بدوره یغیر من بنود صفقة القرن التی یراد لها تنازلاً عن الثوابت الفلسطینیة المتفق علیها ولو بشکل نظری بین من هم فی السلطة الفلسطینیة وقوى المقاومة فی غزة . ما حدث فی غزة هو إنتصار کبیر یحسب لمحور الممانع والمقاومة فی المنطقة ، والذی تتبناه قوى معروفة فی سوریا والعراق والیمن ولبنان ، وهذا الإنتصار الذی أجبر وزیراً صهیونیاً مثل “لیبرمان” على الاستقالة غیر کما قلت من معادلة الردع الاستراتیجی ، حیث إن القبة الحدیدیة التی تتباها بها إسرائیل لم تقدر على أسقاط کل الصواریخ الأتیة من غزة ، وأسقطت 100 صاروخ من أصل الأربعمئة فقط ، وهذا فشل کبیر یودی إلى تغیر فی الموازین العسکریة خاصةً بوجود صواریخ دقیقة الإصابة تم استخدامها ،وهذا ما أرعب الکیان الصهیونی وأجبره على قبول الهدنة . هنالک جانب آخر تفکر فیه إسرائیل ، ولها حساباتها الخاصة بنت علیها استراتیجیتها للدخول فی المحیط العربی وهی  وجود عدو مشترک بینها وبین بعض الدول العربیة وهی إیران،  ومصلحتها فی عدم إحراج من ترید التطبیع معهم من بعض الدول العربیة الفاعلة فی المنطقة، فکان التصعید الأخیر فی غزة مفاجئاً لها، والسناریو المعد کان إنجاز عملیة أمنیة معینة لخلط الأوراق الفلسطینیة، وخلق قاعدة مساومات تکون لإسرائیل القوة فیها .   فشلت العملیة الأمنیة، وفشل معها التصعید العسکری وأجبرت إسرائیل بوقف العملیة تحت تهدید صواریخ المقاومة الفلسطینیة، وخرج من الحکومة الإسرائیلیة أکثر وزیر صهیونی فیها، وهذا نصر کبیر کتب للمقاومة الفلسطینیة بسبب خیار المواجهة العسکریة مع إسرائیل ، والتی تحاول بعض الدول تحید هذا الخیار خاصةً مع وجود صفقة القرن وتنازلتها المهینة للفلسطنیین. محور الممانعة  والمقاومة فی المنطقة یرسم خطوط النصر فی سوریا والعراق ولبنان والیمن ویقلب الموازین السیاسیة والعسکریة فیها ، فها هی الیمن تدخل فی مساومات الحل السیاسی بعد أن کان الخیار العسکری والقضاء على شریحة فاعله فی المجتمع الیمنی، وإقصاؤها من المشهد السیاسی الیمنی  هو العنوان البارز منذ اکثر من ثلاثة سنوات ، والیوم تنادی القوى الغربیة التی کانت الداعم الأول للتحالف السعودی فی حربه مع الحوثیین وحلفائه فی صنعاء إلى وقف هذه الحرب العبثیة، وما ذریعة حادثة مقتل الصحفی “جمال خاشقجی إلا سلم للنزول من ورطة الیمن والحفاظ على المکانة الإنسانیة لها أمام العالم. صمود محور المقاومة یقلب الموازین فی سوریا والعراق والیمن وفلسطین، والعنوان البارز هو أن معطیات القوة العسکریة هی الإستثمار الأمثل فی الورقة السیاسییة ، فکلما کان النصر العسکری هو الحدث البارز لهذا المحور ترجم فی السیاسة، فمدخلات المیدان هی مخرجات السیاسة.   کاتب عمانی