لماذا طالَب السیسی بعَدم بثّ المُقابَلة التی أعطَاها لمَحطَّة “سی بی إس” الأمریکیّة؟
أنْ یُعطِی الرئیس المِصریّ عبد الفتاح السیسی مُقابلةً مع محطّة تلفزیون “سی بی إس” الأمریکیّة بالصَّوت والصُّورة ویتَحدَّث فیها عن تعاونٍ مُکثَّفٍ مع دولة الاحتِلال الإسرائیلیّ فی مُواجَهة “الإرهاب” فی سیناء.
أنْ یُعطِی الرئیس المِصریّ عبد الفتاح السیسی مُقابلةً مع محطّة تلفزیون “سی بی إس” الأمریکیّة بالصَّوت والصُّورة ویتَحدَّث فیها عن تعاونٍ مُکثَّفٍ مع دولة الاحتِلال الإسرائیلیّ فی مُواجَهة “الإرهاب” فی سیناء، ویُؤکِّد فی الوَقتِ نفسه عدم صِحَّة الأنباء التی تُؤکِّد وجود 60 ألف سَجین سیاسیّ فی المُعتَقلات المِصریّة، وینْفِی وجود سُجَناء سِیاسیین مِن الأساس، فهذا أمْرٌ طَبیعیٌّ، ولکن أنْ یَطْلُب مِن سَفیره فی واشنطن التَّدخُّل لدَى المَحطّة لعَدم إذاعَة المُقابَلة، فهذا أمْرٌ غیر طبیعیّ یُشیر إلى ثلاث نُقاط أساسیّة تُحَتِّم عَلینا، أو أیّ شَخص آخَر خبیر فی شُؤون الإعلام والسِّیاسات الشَّرق أوسَطیّة التَّوقُّف عِندَها:
الأُولى: عَدم وجود خُبراء ومُستَشارین حول الرئیس السیسی یَعرِفون الخَریطة الإعلامیّة الغَربیّة، والأمریکیّة خاصَّةً، وآلیّات عملها، واستقلالیّتها عَن حُکومتها، والجُرأة والمِهنیّة التی یتَمتَّع بِهِما العامِلین فیها، أو أنّهم لا یَعرِفون رئیسهم، فمِثْل هذه المُقابَلة لا یُمْکِن أن تتم دون تنسیق مِن قِبَل هؤلاء.
الثانیة: عدم القُدرة على إخْفاء الحَقائِق عن الرأی العام، سِواءً کانَ عَربیًّا أوْ غَربیًّا فی ظِل ثورة المَعلومات الحالیّة التی تَسود العالم، ووجود وسائل التواصل الاجتماعیّ التی یَصْعُب السَّیطرة عَلیها، واستطاعَت فی ظِل مِساحَة الحُریّة المُتَوفِّرة أمامَها، أنْ تتجاوَز وسائِل الإعلام التقلیدیّة بِمَراحِل.
الثالثة: عِندما یُقدِم أیّ مَسؤول عربیّ على إعطاءِ مُقابلةٍ أو تَصریحٍ لمَحطّةٍ تلفزیونیّة أو صحیفة غربیّة، فإنّ هذه المُقابَلة وما ورَد فیها مِن معلومات باتَت مُلک المحطّة، ولیس مُلک المَسؤول، أیّ أنّها مِثْل الرَّصاصَة عِندما تَخرُج مِن فُوّهة البُندقیّة فإنّه لا یُمکِن إعادَتْها أو التَّحَکُّم بِها.
المَحطّة التلفزیونیّة الأمریکیّة ستَبُث هذه المُقابلة مع الرئیس السیسی کامِلةً یوم الأحد المُقبِل، وبَدأت فِعلًا فی التَّمهید لهَذهِ الخُطوة بِبَث فقرات مِنها بالتَّقسیط المُریح لها، ومُشاهدیها، وغیر المُریح للسلطات المِصریّة حَتْمًا، لأنّ ما قاله الرئیس السیسی لا یَخدِم حُکومته، سواء الشَّق المُتَعَلِّق بالتَّعاون مَع إسرائیل فی سیناء، والسَّماح لطائِراتها بقَصف تجمّعات تنظیم “الدولة الإسلامیّة” أو “داعش”، وربّما یخْدِم ما قاله هذا التنظیم الإرهابیّ فی نَظَر البعض، والشَّیء نفسه یُقال أیْضًا عَن نَفِی وجود مُعتَقلین سِیاسیّین، فی وَقتٍ لا تتَوقَّف وسائِل الإعلام المِصریّة عَن نشر أنباءِ الاعتِقالات والمُحاکَمات، وإصدار أحکام بالسَّجن المُؤبَّد، أو الإعدام فی حَقِّ المِئات، أو الآلاف مِنْهُم.
السَّیطرةُ على الإعلام المِصریّ شَیء، والتَّعاطِی مَع الإعلام الأجنَبیّ شَیءٌ آخَر، مُخْتَلِفٌ تَمامًا، والحَقائِق مِن الصَّعب التَّعتیم علیها فی هذا الزَّمَن الذی أصْبَح الإعلام هو السِّلاح الأهَم فی زَمنیّ السَّلام والحَرب، لأنّه باتَ یضَع أجِنْدات السِّیاسی ولیسَ العَکْس.
هُناک “مَثلٌ” مِصریٌّ یتَردَّد کَثیرًا على ألسِنَة الأشِقّاء فی أرض الکِنانة یقول “لا تَنام جنْبْ القُبور حتّى لا تَرى کوابِیس مُزعِجَة”.. نَتْرُک البَاقِی لفَهْمِکُم.
“رأی الیوم”